عبر ودروس من زيارة بلاد الروس - (6-6) ما الذي يحتاجه المسلمون هناك؟
هم بحاجةٍ إلى مساعدة في بناء المساجد، وهذا معروفٌ لدى الجميع، وينبغي أن نعلم أنَّ المساجد هُناك معلمٌ مهمٌ من معالم الإسلام، أمام القوى النصرانية والإلحادية، وحينما نعين المسلمين هناك ونساعدهم في بناء المساجد، فنحنُ نرفعُ راية الإسلام عالية، ونبرزُ للمسلمين كياناً يدلُ على قوةِ الإسلام، وتواجد المسلمين وغيرتهم على دينهم.
هذا سؤالٌ طويل وعريض، والمتأملُ لأحوال المسلمين هناك، يجدُ أنَّهم بحاجةٍ إلى أمورٍ كثيرة، أشيرُ إليها بإجمال، فأقول -وبالله التوفيق-: هم بحاجةٍ إلى مساعدة في بناء المساجد، وهذا معروفٌ لدى الجميع، وينبغي أن نعلم أنَّ المساجد هُناك معلمٌ مهمٌ من معالم الإسلام، أمام القوى النصرانية والإلحادية، وحينما نعين المسلمين هناك ونساعدهم في بناء المساجد، فنحنُ نرفعُ راية الإسلام عالية، ونبرزُ للمسلمين كياناً يدلُ على قوةِ الإسلام، وتواجد المسلمين وغيرتهم على دينهم.
- إرسال الدعاة والثقات إلى هناك، ويكون إرسال الدعاة على وجهين:
الوجه الأول: إرسال الدعاة المتجولين الذين يذهبون إلى هناك على فترات، لينظروا في أحوالِ المسلمين ويوجهونهم من خلالِ الخطبِ أو الدروس أو غيرها.
الوجه الثاني: توظيفُ الدعاةِ والمدرسين الذين يُقيمون هناك بين السكان؛ ليُعلموا المسلمين عقديهم الصحيحة ويربوهم عليها، وهناك تجارب قام بها بعض الدعاة في هذه البلاد، وهي تصلحُ لتك البلاد النائيةِ ولغيرها، مثل ما قامَ به الداعيةُ إلى الله الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله فإنَّهُ لما سمع قبل سنين عديدة عن الجهل في المنطقة الجنوبية، شمَّر عن ساعدِ الجدِ وذهب إلى هُناك، ولم يكن يومها عالماً كبيراً، ولكنهُ كان طالبُ علم، وكان داعية صاحب غيرة على الدين والعقيدة، فذهبَ إلى هُناك مع بُعدِ الشقة وصعوبتها في ذلك الوقت، وبدأ الدعوة، وأنشأ المدارس لتحفيظ القرآن، حتى إنَّ مدارسه قبيل أن تضم إلى وزارة المعارف في مطلع الثمانينات الهجرية، قد بلغ عدد الطلاب فيها قرابة السبعين ألف طالب، ولا تزالُ آثار دعوتهِ المباركة موجودةً إلى الآن.
فالمسلمون في الجمهوريات الإسلامية هُناك وفي غيرها من بلاد المسلمين، تحتاجُ إلى هذا النوعِ من الدعاة الذين يقيمون هُناك فتراتٍ طويلة، ويتوفرُ فيهم علوَّ الهمةِ والنشاطِ والإخلاص، حتى تثمر دعوتهم وتنتج، فيزيل بهم الجهل، ويفتحُ بهم الآذان الصم، والأعين العمي، والقلوب الغلف.
- ينبغي إعطاء الفرصة لأكبرِ عددٍ مُمكن من الطلاب، ليأتوا من هُناك للدراسة في الجامعات الإسلامية الموثوقة، وقد أشرنا إلى هذا قبل قليل، ومن المُهم فتح المجال لهؤلاءِ قبل أن تتخطفهم مدارس وجامعات أهل البدع، فإنَّ أهلَ البدعِ يحرصون على استقدامِ هؤلاءِ الطلاب إلى بلادهم للدراسة، فيأتي الفردُ من تلك البلاد خالي الوفاض، فيدرسُ في مدارس هؤلاءِ المبتدعين، ليتحولَ ويرجعَ إلى بلادهِ داعيةً من دعاة البدعة، فالمسلمون أصحابَ العقيدة السليمة السلفية، التي تنتهجُ منهج أهل السنة والجماعة أولى بهم من غيرهم..
نعم، قد بُذلت جهودٌ مباركة في هذا الباب، سواءً في قبولِ الطلاب هنا للدراسة، أو في عمل دورات هناك، ولكن الواقع يحتاجُ إلى المزيد والمزيد من هذا الجهد؛ ليدرسوا ويتعلموا ويرجعوا دعاةً إلى الله سبحانه وتعالى.
- مما يحتاجهُ المسلمون هُناك: طباعة الكتب -خاصةً كتب العقيدة والكتب التي تشرحُ الإسلام- أولاً باللغة العربية، ثُمَّ بعد ذلك يتم ترجمتها إلى لغاتهم المحلية، وقد تعجبون إذا قلت لكم ونحن في تتارستان: لم نجد في اللغة التتارية إلاَّ كتيبات قليلة، ما رأيتُ إلاَّ كتاباً أو كتابين باللغة التتارية، مع المسلمين الذين يتحدثون تلك اللغة، وهم أكثر من أربعة ملايين!
أين جهود المسلمين؟ لماذا لا نتبنى مجموعةً من الدعاة هناك، وقد لقينا أناساً منهم يتقنون العربية ويتقنون التتارية؟! نتبناهم بحيثُ تتم الترجمة لهم عن طريق الأشرطةِ المسجلة، أو عن طريقِ الرسائلَ والكتب التي تترجم، إنَّ النصارى هناك نشيطون جداً، وينشرون عقيدتهم، ويترجمون الكتب، ويقومون بجهودٍ متنوعة وتدعمهم قوى ودول، فهل يعي المسلمون وتجار المسلمون والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى هذا الواجب، ويقومون بهذا الدور؟ نرجو ذلك.
- وهذا من أهمها، وقد سبقت الإشارة إليه: لا بُدَّ من إنشاءِ المدارس الثابتة هناك، فإنَّهُ قد تبينَ من خلالِ التجربةِ أن تربية الأطفال مهمةً جداً، لقد نشأت الشيوعية جيلاً من المسلمين على الإلحاد، فيجبُ أن نقابل ذلك بإنشاءِ المدارس لنربي هؤلاءِ الصغار على الإسلام مرةً أخرى، وهذا لا يُمكن أن يقام به من خلال مدارسهم هناك، لأنَّها لا تزالُ مدارس علمانيةً بعيدةً عن الدين، إنَّ المسجد مهمٌ جداً، لأنَّه عنوان الإسلام هناك، وفيه تقام الصلاة التي هي عمود الدين، والمدرسة ضرورية أيضاً؛ لأنَّها ذات أثرٍ عميق وكبير، وتأثيرها على المدى البعيد، فلا بدَّ أن نحرص جميعاً، وأن تحرص الجمعيات الخيرية وغيرها على إنشاءِ المدارس هناك، وتوفيرِ الدعاة والمدرسين الثقات، الذين يقومون بتربيةِ النشءِ في هذه البلاد على الإسلام.
لو وجدت مدرسةً واحدةً في كل بلد، فستكون بمثابةِ جامعة؛ لأنَّها تؤثر تأثيراً كبيراً على مستوى البلد من أولهِ إلى أخره؛ لأنَّها تبدأ بتربية الصغار، تربيهم وتنشئهم على فهم العقيدة الصحيحة، وفي المستقبل القريب -إنشاء الله- سوف تتحولُ هذه البلاد، ويتحول هؤلاءِ الشباب إلى أناسٍ يحملون راية التوحيد، ويُصبحون دعاةً إلى الله سُبحانه وتعالى لبني جنسهم ولغيرهم.
- بالنسبة لتجار المسلمين، يجبُ أن يستغلوا الحريات وحاجة المسلمين هناك، حيث إنَّ هناك فرصاً كبيرةً جداً لإنشاءِ المشاريع الناجحة اقتصادياً وبعد ذلك إسلامياً، ومن المؤسفِ حقاً أن الغرب سبقنا بوسائلهِ التنصيرية إلى هناك، والشركات الغربية تأتي إلى هناك، وتعمل عملها اقتصادياً فتستفيد ثم تعمل عملها تنصيرياً، فهل يعي ذلك تجار المسلمون ؟ نرجو ذلك، ونرجو أن تكون أمورهم مهيأةً لذلك.
- ومن المُهم الاهتمام بالمشاريع الإسلامية هناك خاصة، مع رخص الأسعار، وذلك بإنشاءِ المجلات الإسلامية، مع العلم أننا لم نجد هناك مجلةً إسلامية، فكيف لو قامَ المتخصصون الإعلاميون مع التجار بإنشاءِ مجلةٍ أو جريدةٍ تتحدث عن الإسلام بلغتهم، لا شك أنَّهُ سيكون لها تأثير عظيم في الدعوةِ إلى الله سبحانه وتعالى، ومثلها الإذاعة، وغيرها.
- شراء الأراضي وتحويلها إلى أوقاف إسلامية، ومثلها المحلات التجارية وغيرها، فإنَّ هناك وسائلَ متعددةً لمن أراد أن يقوم بالدور المطلوب منه لخدمة المسلمين هناك.
- وأخيراً أقول: لا بد لكل مسلمٍ مطلع أن يشرح أحوال المسلمين لمن يلتقي به من إخوانه في الله، وأن يُبصرهم بأحوال المسلمين في كل مكان، سواءً كان في الجمهوريات الإسلامية فيما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي سابقاً، أو في غيرها من بلاد المسلمين، لأنَّ هذا واجبٌ علينا جميعاً، والمؤمنُ للمؤمن كالجسدِ الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن نطق بالحق وقال به، كما أسألهُ سبحانه وتعالى أن يوفقني وإيَّاكم إلى الخير والهدى، وأن يثبتني وإيَّاكم، كما أسألهُ سُبحانه وتعالى أن ينصر المسلمين في الجمهوريات الإسلامية، فيما كان يُسمى بالاتحاد السوفيتي وفي غيرها من بلاد المسلمين، اللهمَّ انصر المسلمين والمجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم فكَّ أسرهم، وارحم ضعيفهم، واجبر كسرهم، اللهمَّ وفق المسلمين جميعاً لرفع راية الإسلام.
الرابط الصوتي: العبر والدروس من زيارة بلاد الروس
عبد الرحمن بن صالح المحمود
أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.
- التصنيف: