عبر ودروس من زيارة بلاد الروس - (1- 6) ملامح سريعة عن تاريخ روسيا

منذ 2014-08-25

الفكر الشيوعي إنما نشأ كفكر في أوربا فـ(ماركس) و(أنجلز) وغيرهم من الشيوعيين إنما نشأوا وعاشوا هناك في بلاد الرأسمالية، وكانت أفكارهم الشيوعية ومخططاتهم تقول إن الصراع الحتمي لا بد أن يؤدي في النهاية إلى الحكم وإلى الشيوعية..

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الدروس كتبها فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الرحمن بن صالح المحمود -حفظه الله- إثر زيارة قام بها إلى روسيا وعاصمتها موسكو، متنقلاً إلى تتارستان وعاصمتها مدينة قازان حيث أقام بها سبعة عشر يوماً، عام 1414هـ وكان له فيها دورات علمية، ودروس منهجية.

ونحن في هذه الزاوية من الموقع نعاود نشر هذه الدروس التي كتبها فضيلة الشيخ احتفاءّ بتراثه العطر، وتبييناً للأمة كم يلاقي إخوانهم المسلمون من الصلف الشيوعي الحاكم هناك، إلى غير ذلك مما سيكتشفه القارئ الكريم حين فراغه من قراءة هذه المقالات! وسيتم نشرها -بعون الله- على مدار ست حلقات، نسأله تعالى أن يجزي الشيخ خير الجزاء، وأن يجعل ما كتبه في ميزان حسناته.
(إدارة الموقع)


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الشيخ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله..

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].

ملامح سريعة عن تاريخ روسيا..
كانت روسيا دولة قيصرية نصرانية، وكانت تحيط بها جمهوريات إسلامية عديدة مستقلة، وبعض هذه الجمهوريات الإسلامية كانت تابعة للدولة العثمانية، وفي سنة 1336هـ هجرية-1917ميلادية، قامت الثورة الشيوعية في روسيا على يد الشيوعي المشهور( لينين) ونحن نعلم أن الفكر الشيوعي إنما نشأ كفكر في أوربا فـ(ماركس) و(أنجلز) وغيرهم من الشيوعيين إنما نشأوا وعاشوا هناك في بلاد الرأسمالية، وكانت أفكارهم الشيوعية ومخططاتهم تقول إن الصراع الحتمي لا بد أن يؤدي في النهاية إلى الحكم وإلى الشيوعية.

وكان من أفكارهم: أن أعظم دولة تتبنى الآن الرأسمالية هي التي -ولا بد- ستنقلب إلى دولة شيوعية، ولكن خابت أفكارهم، وذهبت أدراج الرياح، وبقيت تلك الدول في أوروبا وأمريكا رأسمالية، ولكن الشيوعية إنما نبتت بالقوة في دولة نائية بعيدة، في روسيا القيصرية التي كانت تحكمها النصرانية، ومن هناك قامت هذه الشيوعية بالحديد والنار، وبدأت تزحف شيئاً فشيئاً على بلاد الإسلام وتخطف أرضا تلو أرض، وجمهورية تلو أخرى وجرى للمسلمين في تلك الجمهوريات الإسلامية أحوال رهيبة ومحن شديدة على أيدي هؤلاء الشيوعيين الملاحدة، لا أظن أنه مر على المسلمين في تاريخهم الحديث من المحن ما يعادل ما جرى للمسلمين هناك.

وقام الشيوعيون بعدة أمور خطيرة في البلاد التي وقعت تحت قبضتهم، من هذه الأمور ما يلي:
أولاً: إلغاء الدين تمامًا ومحو آثاره، فالفكر الشيوعي يقوم على إنكار وجود الله، -لا إله- والحياة مادة، والفكر الشيوعي يقوم على الإلحاد، وعلى تبني الفكر الشيوعي من الناحية الاقتصادية.

ثانياً: قتل المسلمون الذين أبوا إلا أن يبقوا على دينهم، وقتل من المسلمين في تلك الجمهوريات الملايين، ولقد حدّثنا إخواننا هناك عن قبور جماعية لمئات الألوف من الذين قتلهم الشيوعيون، وليس قتل المسلمين أمراً غريباً، فإننا نشاهد في هذه الأيام ما يفعل بالمسلمين في بقايا أقطار الأرض -مثل البوسنة وكوسوفا وأفغانستان وفلسطين والعراق وغيرها- والله سبحانه وتعالى أخبر أن المشركين لا يرقبون في المسلمين إلاً ولا ذمة، ولكن العاقل من يتعظ.

ثالثاً: حرص الشيوعيين على تنشئة جيل جديد من الصغار يتربى منذ نشأته على الأفكار الشيوعية، وهذه قضية خطيرة يركز عليها أعداء الإسلام في كل مكان، ومن هنا تأتي أهمية تنشئة الصغار، وأهمية مناهج المدارس في المراحل الأولى.

رابعاً: هدم المساجد كلها، وكانت تلك المساجد في الجمهوريات الإسلامية تعد بالآلاف، ولم يبقوا منها إلا مسجداً واحداً في كل مدينة مشهورة، وذلك لأغراض دعائية، ولم يبقوا من الإدارات الدينية إلا إدارات محددة كان -ولا يزال إلى الآن- ضررها أكثر من نفعها بالنسبة للمسلمين.

خامساً: إحكام الهيمنة الفكرية والتعليمية والإعلامية، وجعل اللغة الروسية هي اللغة الرسمية، وهي لغة المدارس ولغة الإعلام، وتعلمون أن الجمهوريات الإسلامية، كل جمهورية منها لها لغتها الخاصة، ومن هنا تبرز أهمية اللغة، وكيف أن الأعداء يفرضون تعلم لغتهم ويسعون في نشرها؛ لما لذلك من أهمية لهم، فهؤلاء الشيوعيون جعلوا اللغة الروسية هي لغة الإعلام والمدارس، والمخاطبات الرسمية، ولم يبق بالنسبة للغات المحلية مهمة إلا أن تكون لغة التخاطب فقط.

سادساً: إلغاء الدين من المدارس ومنع الدروس في المساجد وغيرها.
سابعاً: فرض الشيوعية كمبدأ إلحادي ومبدأ اقتصادي -أي: إلغاء الملكية الفردية وتحويل المزارع والمصانع وغير ذلك إلى ملكية الدولة-.

ثامناً: التغير الجغرافي السكاني لتلك الجمهوريات الإسلامية، حيث أمر الشيوعيون إخوانهم الروس من النصارى وغيرهم بأن يزحفوا إلى تلك الجمهوريات، وفعلاً زحف أولئك النصارى وأولئك الشيوعيون إلى تلك الجمهوريات الإسلامية، وزاحموا المسلمين فيها، بل إنهم زاحموهم في المدن الكبار، كما أنهم زاحموهم في الأماكن والشواطئ المهمة التي تعتبر أماكن ذات قيمة اقتصادية وإستراتيجية، ولهذا يعيش في تلك الجمهوريات الإسلامية حتى الآن أعداد كبيرة جداً من الشيوعيين والنصارى.

تاسعاً: مسخ المسلمين مسخاً كاملاً، وذلك بقطع جميع الروابط الإسلامية عنهم وأما العواصم الإسلامية الكبرى، فقد مسخت معالمها الإسلامية مسخاً كاملاً.

عاشراً: لم تكتف الشيوعية باحتلال الجمهوريات الإسلامية المجاورة لروسيا بل
تحولت بعد الحرب العالمية الثانية إلى بقية بلاد المسلمين والعالم العربي التي لا تخضع لحكمها، فبدأت من خلال صراع معروف، أي من خلال صراع الشيوعية مع الغرب على مناطق النفوذ، فبدأت الشيوعية تزحف وتعزو بعض البلاد العربية الإسلامية، وقد تمثل هذا فيما يلي:

أولاً: إقامة حكومات شيوعية خالصة في بعض بلاد المسلمين، وقد قامت بعض هذه الحكومات، وامتدت زمناً طويلاً حتى قصمها الله تعالى وفرقها.

ثانياً: تنشيط الأحزاب الشيوعية في أغلب البلاد العربية والإسلامية، ولا تكاد تخلو دولة من دول العالم العربي إلا ويوجد فيها حزب شيوعي، أو أفراد يتبنون الفكر الشيوعي، والدولة الروسية في ذلك الوقت كانت تدعم هذه الأحزاب دعماً قوياً.

ثالثاً: استقبال البعثات الدراسية من جميع أنحاء العالم، وبالأخص من بلاد العرب والمسلمين، حيث يستقبلونهم للدراسة هناك ويربونهم على الفكر الشيوعي، والملاحظ أنهم حينما يستقبلون طلاباً من بلد ما من البلاد فإنهم يوزعون طلاب تلك الدولة على مختلف التخصصات، فيقولون مثلاً إذا اجتمع عندهم عدد من دولة ما -مقسمين لمهماتهم- أن يكون تخصصك في الاقتصاد وذلك حتى إذا قام انقلاب شيوعي في تلك الدولة يكون هناك طاقم للحكم معد ومجهز سلفًا.

رابعاً: أحاطت روسيا والاتحاد السوفيتي الدول التي تحت حكمها بستار حديدي يمنع من وصول الأخبار والمعلومات الحقيقية عنها، ولقد كان لا يسمح بالنسبة للدبلوماسيين في العاصمة موسكو إلا أن يتجولوا من خلال عدد محدود من الكيلو مترات لا يتجاوزها فيها، ولا يجوز لهم أن يتعدوها فضلاً على أن يتجولوا في بقية الجمهوريات والبلاد الواسعة، وهذا كله هو الذي يجعلنا نجهل صورة الاتحاد السوفيتي جهلاً كاملاً أو شبه كامل قبل أن يتحطم ذلك الكيان الذي كان يرى كياناً كبيراً.

 

الرابط الصوتي: العبر والدروس من زيارة بلاد الروس

المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود

عبد الرحمن بن صالح المحمود

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.

 
المقال التالي
(2- 6) وقفة مع انهيار الاتحاد السوفيتي