أثر التربية الخلقية
من المقومات المطلوبة للتربية الخلقية وجود القدوة المثلى، وهذه القدوة في التربية الإسلامية تتمثل في شخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نقل لنا شُرَّاح السنن كل ما دقّ وجلّ من أخلاقه، بحيث تظل الأخلاق الأنموذج باقية بين أكناف المسلمين. ولا بدّ للأخلاق أن تكون متناسقة مع الفطرة، وهذا ما أتى به الإسلام؛ لذا هو دين الفطرة، أما الآن فكم من ملامح للأخلاق تسود العالم وهي مخالفة للفطرة البشرية.
ليس من شكّ أنَّ التربية الخلقية لن تكون بمعزل عن واقعنا المعاصر، وهي من أولويات التربية لدى مؤسسات التربية على اختلاف أديانها وثقافتها للحفاظ على هويتها؛ فالأخلاق جزء من هُوِيَّة أي أمة، فلا يمكن أن تنهض أمة من الأمم دون أن تهتم بالتربية الخلقية للنشء؛ إذ إن معيار البقاء والنهضة في أخلاقها، كما قال الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن *** همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولقد عُنِيَ الإسلام بالتربية الخلقية عناية شديدة، وآية ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «البخاري:3759)، فإنّه ما من خلق فاضل إلا وقد حثَّ الإسلام عليه، وما من خَلَّة سوء إلا وقد حذر منه، ولا غرابة في ذلك فالإسلام دين شامل لنواحي الحياة، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89].
وإذا نظرنا إلى هدف العولمة -على الجانب الآخر من التربية الخلقية- نجد غاية ذلك إعداد الفرد ليعيش مع غيره ويستمتع بهذه الحياة الدنيا فقط، أما التربية الخلقية الإسلامية فتهدف إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ تهدف إلى تحقيق حياة كريمة للفرد داخل المجتمع الإسلامي، إلى جانب نَيْل رضوان الله تعالى والفوز بالنعيم، والنجاة من السعير يوم الحساب المُطَوّل.
وتحتاج التربية الخلقية إلى قواعد تنظم تلك الأخلاق، بحيث ينماز الحسن منها من السيئ. ولا شك أن الإسلام قد أرسى دعائم هذه الضوابط لأتباعه، أما في المجتمعات التي تنتحل الملل والأهواء فالإجراء التنظيمي تخطه يد البشر، وذلك يحتمل الصواب والخطأ، إضافة إلى قصور النظرة البشرية ومحدوديتها.
وقد حثّ الإسلام أبناءه على كريم الأخلاق، وجميل الشمائل؛ طلبًا لرضاء الربّ العلي، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: « » (سنن الترمذي:2004، وقال صحيح غريب) .
ومن المقومات المطلوبة للتربية الخلقية وجود القدوة المثلى، وهذه القدوة في التربية الإسلامية تتمثل في شخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نقل لنا شُرَّاح السنن كل ما دقّ وجلّ من أخلاقه، بحيث تظل الأخلاق الأنموذج باقية بين أكناف المسلمين. ولا بدّ للأخلاق أن تكون متناسقة مع الفطرة، وهذا ما أتى به الإسلام؛ لذا هو دين الفطرة، أما الآن فكم من ملامح للأخلاق تسود العالم وهي مخالفة للفطرة البشرية.
يقول (لورانس جولد Lourence Could) متهكمًا من حجم الفساد الأخلاقي في أمريكا: "أنا لا أعتقد أن الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبلنا يتمثل في القنابل النووية، أو الصواريخ الموجهة آليًا، ولا أعتقد أن نهاية حضارتنا ستكون بهذه الطريقة، إن الحضارة الأمريكية ستزول وتنهار عندما نصبح غير مبالين بما يجري في مجتمعنا، وعندما تموت العزيمة على إبقاء الشرف والأخلاق في قلوب المواطنين".
ويذكر ألبرت إشفيبشر في كتابه فلسفة الحضارة أنه إذا أريد للحضارة الدوام والاستمرار، وإبعادها عن عوامل الهدم، فلابد من بنائها على أساس أخلاقي بالتربية الأخلاقية.
لهذا كله بدأ الاهتمام الغربي بالتربية الخلقية في علم النفس والاجتماع في أوائل القرن العشرين الميلادي، وكان أبرز رواد هذا الموضوع هـ. هارتشورن H.Hartshorne وم. أ. ماي M.A.May اللذان كتبا عام 1929م بحثًا بعنوان: (دراسات في طبيعة الأخلاق) ثم تبعهما (بياجيه Piaget) السويسري، حيث كتب أول بحث عن التربية الأخلاقية عام 1932م بعنوان: الأحكام الأخلاقية عند الطفل ثم تزايد الاهتمام بالتربية الخلقية ونالت عناية أكبر.
أمّا الإسلام فقد هؤلاء جميعًا، وخَطّ لأشياعه المنهاج القويم الذي يُتَمِّم لهم البناء الأخلاقي، ويتمثل هذا فيما يلي:
1- الترغيب فيها والثناء على أهلها؛ لقوله: « » (صحيح الجامع:1932).
2- الترهيب من سوء الأخلاق وذم أهلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « » (السلسلة الصحيحة:791).
3- كون نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم أنموذجًا للخلق البشري الكامل، لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4].
4- التوجيهات الأخلاقية الشاملة للفرد والمجتمع.
5- جاء الإسلام بالتوجيه النبوي الكريم لاختيار الأبوين، وذلك أن يكون الأب ذا دين وخلق، قال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الترمذي:1084)، وكذلك الأم تكون ذات دين: « » (صحيح البخاري:5090).
6- إن تحقيق مكارم الأخلاق من أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: « » (السلسلة الصحيحة:45).
أكتب هذا الكلام وقد رأيت الكثير من أبناء أمتي سليط اللسان، قاسي الجَنَان، جَهْوَرِي الصوت.
وأصبح الحياء وحسن الخلق كالطيف العارض بين أبناء الأمة! مع أنّ الخلوق مَنْ إذا مدحته خجل وإذا هجوته سكت -كما ذكر المنفلوطي- وإذا كانت الأمة على مشارف مرحلة خطيرة توشك أن تزلزل أركانها، فلا بد لأصحاب القلم وسَدَنَة العلم أن يبثوا صالح الأخلاق بين الناس بالقدوة والعمل قبل التنظير الذي أصبح بمعزل عن التطبيق، حتى غسل الدهماء أيديهم من العلماء، وأعطوا لهم ظهورهم. هذا بعد أن كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى -كما ذكر فولتير- أرقى كثيرًا من أخلاق أمم الأرض قاطبةً.
وها أنا ذا أُدلي بدوري في وضع خطوط عامة تساهم في رجوع الأمة إلى سابق عهدها من جميل الأخلاق:
- اهتمام الدول الإسلامية بالتربية الخلقية وتدريسها في مدارسها.
- الاستفادة من التربويين المسلمين في إبراز النظريات الأخلاقية الإسلامية.
- السعي لاستنباط نظريات أخلاقية من المصادر الإسلامية الأصيلة وعلى رأسها الكتاب والسنة.
- إيجاد الحلول المناسبة لمجابهة الفساد الخلقي.
ياسر منير
( باحث بالدكتوراه )"مقارنة أديان " - جامعة القاهرة
- التصنيف: