التحذير من شرب الخمور

منذ 2014-09-28

الخمور والمخدرات خسارة ووبال ودمار تذهب الدين والدنيا، وتدمر الجسد والعقل، وتحرمك عملك وأسرتك، وتفسد عليك حياتك ومعاشك، وتسلبك دينك وإيمانك.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فإن الله تعالى أمر عباده أن يتناولوا الطيبات وأن يجتنبوا الخبائث فقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّ‌مُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].

وإن من أعظم الخبائث الخمور بأنواعها وأصنافها، قال تعالى مبينًا خبثها وضررها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91].

فوصفها بالرجس أي الشيء النجس النتن، والخمر نجسة نجاسة معنوية بالاتفاق، ونجسة نجاسة حسية عند كثير من العلماء.

وبينها أنها من عمل الشيطان أي هو الذي يزينها للناس ويرغبهم فيها ليشربوها؛ لأنه عدو مبين والخمر من أسباب هلاك شاربها دنيا وآخرة، ولهذا حذرنا الله من خطواته، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:168-169].


إن الشيطان لا يحب لك الإيمان ولا الهدى ولا الخير؛ لأن هذه الخصال تدخلك الجنة، وهو يريد لك النار لذا يأمرك بأفعال أهل النار؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].

ثم أمر سبحانه باجتناب الخمر وما ذكر معه من الخبائث وهي الميسر والأنصاب والأزلام، فقال: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]، أي في كونوا جانب وهذه الخبائث والأقذار في جانب بعيدة عنكم فليس المطلوب أن لا تشربها فقط بل المطلوب منك أن تبتعد عنها؛ لأن قربك منها بمجالسة أهلها والدخول إلى أماكنها من أسباب الوقوع فيها.

ثم بين أن اجتنابها سبب للفلاح وهو الظفر بالهداية في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة. وأي فلاح أعظم وأكبر من أن تكون مهتديًا في دنياك فائزًا بالجنة في أخراك.

ثم بين سبحانه بعض أغراض الشيطان من تزيين الخمر والميسر للناس، فقال سبحانه: {إنما يريد إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91].


مما يغيظ الشيطان أن يرى المؤمنين أخوة متوادين متحابين متالفين متعاونين على البر والتقوى ومما يسره أن يراهم متخاصمين متباغضين متعادين متهاجرين والخمر فيزين لهم شرب الخمر حتى تقع بينهم العداوة؛ لأن من سكر فقد عقله ومن فقد عقله صار في منزلة المجنون والدابة يسب ويلعن ويضرب ويكسر ويعتدي على الأنفس والأعراض فيحصل بسبب ذلك من المشاكل بينه وبين الناس ما لا يخفى.

كما أن الشيطان يريد من تزيين الخمر للناس أن يصدهم عن ذكر ربهم وعن صلاتهم فالذكر حياة القلب ونوره وعافيته وسبب للرزق وانشراح الصدر وحصن حصين من الشيطان الرجيم.


والصلاة عمود الإسلام وثانية الأركان الناهية عن الفحشاء والآثام والصلة بين العبد وبين ربه من تركها، فلا حظ له في الإسلام فما أحرص الشيطان على غفلة العبد عنها وتركه لها وتضييعه لحقها.

ثم قال سبحانه: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أي فانتهوا لذا قال الصحابة لما نزلت هذه الآية، وكانت الخمر قبل ذلك حلالًا: "انتهينا انتهينا".

اللهم جنبنا خطوات الشيطان ونزغاته، وأعذنا اللهم من أسباب سخطك وموجبات نقمتك، واهدنا صراطك المستقيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

أما بعد:

فإذا كان القرآن الكريم قد جاء بالتحذير من شرب الخمر؛ فكذلك في السنة النبوية أحاديث كثيرة في تحريمها والتحذير منها؛ ففي الحديث: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها لم يتب منها، لم يشربها في الآخرة» (أخرجه مسلم).

ومعنى لم يشربها في الآخرة، أي انه لا يدخل الجنة؛ لأنه لو دخلها لشرب من خمر الجنة.

وقيل: يدخلها لكن لا يشرب من خمرها.

والمقصود: أن الحديث وعيد شديد على شرب الخمر وتعاطيها.


ومن وعيد شارب الخمر أن يسقيه الله في النار شرابًا خبيثًا كما انتهك حدود الله فشرب هذا الشراب الخبيث في الدنيا؛ فعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مسكر حرام، وإن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر: أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: "يا رسول الله، وما طينة الخبال؟" قال: «عرق أهل النار أو عصارة أهل النار» (أخرجه مسلم والنسائي).

وعصارتهم ما يسيل منهم من الدم والصديد والسوائل الكريهة البغيضة نتيجة تعذيبهم وتحريقهم والعياذ بالله.

كما أن جزاء من عف عنها وتناول ما أحل الله له أن يسقيه الله في الجنة عينًا سلسبيلًا، ورحيقًا مختومًا، ختامه مسك، فأوله شراب طيب عذب، وآخره شراب طيب عذب.

ويشربون خمرًا لا تنزف العقل، ولا تسبب الصداع طيبة اللون، والطعم والأثر.

ومن وعيد أهل الخمور انهم ملعونون بلعنة الله ولعنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله واللعنة لا تخص الشارب فقط، بل تعم كل متعاون عليها من عاصر وبائع ومشتري وناقل لها وساق وشارب وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة له» (رواه أبو داود).


فاتقوا الله عباد الله واتقوا الله أيها الشباب خاصة، فالخمور والمخدرات خسارة ووبال ودمار تذهب الدين والدنيا، وتدمر الجسد والعقل، وتحرمك عملك وأسرتك، وتفسد عليك حياتك ومعاشك، وتسلبك دينك وإيمانك، وتجرك إلى جرائم الزنا والقتل والسرقة، فهي خبيثة وهي مجمع للخبائث والعياذ بالله.

 

الكاتب: علي بن يحي الحدادي