وقفات تدبرية في سورة السجدة - وقفات تدبرية في سورة السجدة (7)

منذ 2014-10-01

كل شيء خلقه الله لحكمةٍ وفائدةٌ ومنفعةٌ ومقصدٌ جليل، عَلِمها من عَلِمها وجهلها من جهلها، حتى لو كانت في الظاهر لنا شيئًا قبيحًا أو عبثيًا أو لا فائدة منه! ينبغي أن نستيقن بأن الله قد أحكم وأتقن وأحسن كل شيء، شكلًا ومضمونًا وهيئة وصورة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة:7].

في الآية ارْتِقَاءٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ مَشُوبٌ بِامْتِنَانٍ عَلَى النَّاسِ، أَنْ أَحْسَنَ خَلْقَهُمْ فِي جُمْلَةِ إِحْسَانِ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ وَبِتَخْصِيصِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بِالذِّكْرِ.

في الآية نِعمٌ عظيمة جليلة.. منها أن خلقنا الله من العدم، وفضَّلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا، وأتقن كل شيء خلقه، بحِكمٍ متناهيةٍ ودقةً عجيبة، وسخَّر لنا الأرض وما فيها وذلَّلها لنا، لتستقيم حياتنا وتصلح شؤوننا ومعاشنا.

الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ونوَّعَه بطريقة وهيئة تليق به، فلا يوجد شيء قبيح مُطلقًا، فما يضرّ من جهة ينفع من جهات عديدة، فلولا وجود القبيح ما علِم الإنسان الجميل! ولولا وجود المرض ما عرفنا قيمة الصحة، ولولا السواد ما عرفنا قيمة البياض! لذلك يقال: "وبضدها تتميز الأشياء".

وجود الحشرات في الظاهر نراه شرًا، لكن لو تأمَّلنا لعرفنا أن العديد من الحشرات تعمل توازن في البيئة، فيستفيد من ذلك الإنسان!

كل شيء خلقه الله لحكمةٍ وفائدةٌ ومنفعةٌ ومقصدٌ جليل، عَلِمها من عَلِمها وجهلها من جهلها، حتى لو كانت في الظاهر لنا شيئًا قبيحًا أو عبثيًا أو لا فائدة منه! ينبغي أن نستيقن بأن الله قد أحكم وأتقن وأحسن كل شيء، شكلًا ومضمونًا وهيئة وصورة.

من هداية الآية ودلالاتها وفوائدها:

- كما أنعم الله على خلقه بإحسان كل شيء وإتقانه، ينبغي أن نخضع لله بإحسان العبادة له، التي هي أعلى المراتب: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

- أن لا نتعالى على أحد ولا نتكبَّر، ولا نزدري أي مخلوق مهما كان، لأن الله وزع المواهب وأحسن كل شيء خلقه[1].

- إتقان الإعمال من صفات الكمال، لذلك ينبغي لكل عامل إتقان عمله في الوظيفة دون تقصير متعمَّد أو هدر للوقت[2].

- من معاني الإحسان شكر النعم لا كفرها، كما حصل من كفر قارون الطاغية المُتكبِّر، إذ قال له المؤمنون من أهل العلم: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص من الآية:77].

- أمرنا الله بالإحسان في التعامل إلى الخلق؛ إلى الوالدين.. إلى الزوجة.. إلى الأبناء.. إلى الجار.. بل حتى إلى الحيوانات، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللهَ تعالى كتب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتُم، فأحْسِنوا القِتْلةَ، و إذا ذبحتُم فأحْسِنوا الذبْحةَ. و لْيُحدَّ أحدُكم شفْرتَه، ولْيُرحْ ذبيحتَه» (صحيح الجامع برقم: [1795])..

اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (قال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ» صحيح أبي داود، برقم: [4895]).

[2]- (قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ» صحيح الجامع، برقم: [1880]).
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

المقال السابق
(6)
المقال التالي
(8-9)