الغارة على العالم الإسلامي - (2) إفساد المرأة

منذ 2014-10-03

بلغ مدى الاهتمام بالمرأة أن خصص المنصرين إرساليات تبشير نسائية، وكانت هذه الإرساليات تطوف الولايات المتحدة تستدر الأموال، وتقيم الحفلات الشائقة، ومن الأهداف التي تعلنها هذه الإرساليات لجذب التعاطف معها أنها "تتوخى هذه الإرساليات النسائية تحسين أحوال المرأة الشرقية والتحبُّب إليها. وقد كانت من نتيجة الأعمال التي قامت بها أن إيرادات هذه الجمعيات تعززت بمبلغ مليون دولار أمريكي".

منذ ثمانين سنة -تقريبًا- صدر كتاب فرنسي نشره وأعدَّه: أ. ل. شاتليه (A. Le Chatelier) تُرجِم إلى اللغة العربية بعنوان: (الغارة على العالم الإسلامي) أو (افتتاح العالم الإسلامي)؛ هو عبارة عن المحاضر الرسمية لأربعة مؤتمرات تبشيرية بروتستانتية، عقدت في سنوات (1906 و1910 و1911)م؛ للعمل على محاولة القضاء على الإسلام، وذكرت هذه المؤتمرات ما تم عمله بالفعل، وما هو في طريق الإعداد للمستقبل، وجاءت فيه أمور غاية في الخطورة!

ومع ذلك لم ينتبه المسلمون يومئذ من غفلتهم، ولم يهبوا لمقاومة ذلك المخطط الخبيث المعلن على رؤوس الأشهاد! بل نفذت السياسة المرسومة كما وردت في ذلك الكتاب وغيره.

وسنحاول خلال هذه المقالة استعراض أهم ما جاء في هذا الكتاب والخطط التي نفذت؛ حتى نعلم ما يكيده لنا هؤلاء، وما يُنصب لنا من شراك، وسنقسم هذه المخططات إلى حلقات سنعرض في كل حلقة جانبا من جوانب الغارة على العالم الإسلامي. كنا قد تناولنا في حلقة سابقة قضية التعليم الأجنبي كأحد أدوات الغارة على العالم الإسلامي، وفي هذه الحلقة نتناول قضية إفساد المرأة المسلمة وإخراجها من بيتها.

اهتمام المنصرين بالمرأة:

تناول كتاب (الغارة على العالم الإسلامي) قضية المرأة المسلمة في أكثر من موضع، ونقل عن المنصرين مدى اهتمامهم بإخراج المرأة المسلمة من بيتها، وتقليدها للمرأة الغربية، ونشر القيم الغربية بين النساء، وفي مقدمة الكتاب يتحدَّث شاتيله عن تاريخ التنصير، والجهود التي قامت بها الجمعيات التنصيرية في العالم الإسلامي، ومنها (جمعية تبشير الشبان) التي تأسست سَنَةِ 1855م، ومن وظائف هذه الجمعيات الأخيرة استماله النساء والبنات للاستماع إلى صوت المبشرين.

وبلغ مدى الاهتمام بالمرأة أن خصص المنصرين إرساليات تبشير نسائية، وكانت هذه الإرساليات تطوف الولايات المتحدة تستدر الأموال، وتقيم الحفلات الشائقة، ومن الأهداف التي تعلنها هذه الإرساليات لجذب التعاطف معها أنها "تتوخى هذه الإرساليات النسائية تحسين أحوال المرأة الشرقية والتحبُّب إليها. وقد كانت من نتيجة الأعمال التي قامت بها أن إيرادات هذه الجمعيات تعززت بمبلغ مليون دولار أمريكي".

ولجمعية التبشير الإنكليزية في مصر ستة معاهد للتبشير، فيها كثير من النساء المبشرات، ولها مدرسة تبشيرية، ومدرسة داخلية، ومدرستان للبنات في القاهرة.

وفي الهند فإن جمعية تبشير التوراة الطبية تختص بالتبشير بين النساء المسلمات والهنديات، ويقوم مبشروها ومبشراتها بأكثر من 6000 زيارة في البيوت، وتُعنى بتعليم 6000 شخص، وتعالج 32 ألف امرأة، وحسب هذه الجمعية أن تظهر احتياجها لتمطر عليها الدراهم من كل حدب.

مؤتمر القاهرة:

وفي مؤتمر القاهرة 1906م، تحدَّث المستر (هاربر) عن طرق فتنة المسلمات عن دينهم، ومن أهم هذه الطرق الإرساليات الطبية؛ لأن رجالها يحتكون دائمًا بالجمهور، ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمبشرين الآخرين. وهنا ذكر المستر هاربر حكاية طفلة مسلمة عني المُبَشِّرُونَ بتمريضها في مستشفى مصر القديمة، ثم ألحقت بمدرسة البنات البروتستانتية في باب اللوق، وكانت نهاية أمرها أن تنصرت.

ثم قام الدكتور أراهارس طبيب إرسالية التبشير في طرابلس الشام وتحدث عن جهوده، وأورد إحصاء لزبائنه فقال: "إن 68 في المائة منهم مسلمون ونصف هؤلاء من النساء".

وقد تناول المؤتمر بشكل من التفصيل أعمال التنصير الخاصة بالمرأة، كان لهذا الموضوع اهتمام كبير من أعضاء المؤتمر لأنه خاص بنصف مسلمي العالم، فقالت المس (ولسون): "إن النساء المبشرات يستعن في الهند بالمدارس وبالعيادات الطبية وزيارة قرى الفلاحين لينشرن النصرانية بين طبقات الناس".

وخطبت المس (هلداي) في حث المبَشرينَ على الرفق بالمرأة المسلمة، وَقَالَتْ مبَشرة أخرى: "إِن مدرسة البنات البروتستانتية التي في الخرطُوم فيها من 80 إِلى 90 تلميذةً مسلمةً. ولأَهلهن الحرية في السماح لهن بقراءة العهد الجديد (الإنجيل وذُيوله)، أَو في منعهن من ذلك، إلا أَن المدرسةَ في هذه السنة لم يرد عليها طلب استثناء واحدة من التلميذات من قراءة الإنجيل".

وفي تقرير بعنوان: (العالم الإسلامي اليوم) نشره القسيس زويمر، شرح زويمر أن التنصير يشهد تقدُمًا على الرغم من ضعف الإقبال على الديانة النصرانية؛ لأن المسلمين يطالبون بضرورة تحرير المرأة وهذا في حدِّ ذاته تقدُّم للمنصرين..

يقول زويمر: "ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء".

مؤتمر لنكو:

في مؤتمر لنكو 1911م، كانت أحد المحاور الرئيسية التي تناولها المؤتمر: الارتقاء الاجتماعي والنفسي بين النساء المسلمات، والأعمال النسائية التنصيرية.

وتحدَّث القسيس (تروبريدج) عن واقع المرأة المسلمة في ظل تطور الأوضاع في الخلافة العثمانية قائلًا: "إن الحكومة سمحت عقب إعلان القانون الأساسي لخمس فتيات عثمانيات مسلمات أن يتعلمن في كلية البنات الأمريكية؛ ليتهيأن لإدارة الأمور في مدارس الحكومة للبنات، كما أن عَدَدًا قليلًا من البنات المسلمات في الولايات يترددن على مدارس إرساليات التبشير. أما الحكومة فتظهر الاحتفاظ التام بحالة تربية المرأة المسلمة، وتحظر على النساء التردد على المجتمعات العمومية".

كما تناول المؤتمر الإرساليات التبشيرية ومنها: "إرسالية طبية دانمركية في (هوتي مردان) تقوم بها النساء، ووظيفتها التبشير بين النساء المسلمات، وهي على أهبة الهبوط إلى (كابل)، ومما لا شك فيه أن النساء اللواتي يتعاطين الطب يلاقين مزيد الحفاوة؛ لأن المسلمين لا يهتمون بأعمال النساء المبشرات، ولا يضمرون لهن سُوءًا ولكن يعتور أعمال المُبَشِّرِينَ في هذه البلاد صعوبات".

ومما جاء في توصيات المؤتمر في جلسته النهائية: "لما كان تنصير النساء المسلمات مع أولادهن، ورفع شأنهن يتطلب دخول النساء المسيحيات في العمل، فأعضاء المؤتمر يشيرون على إرساليات التبشير بالتشديد على المُبَشِّرِينَ والمبشرات بضرورة الاحتكاك بالرجال والنساء عند قيامهم بأعمالهم التبشيرية، وأن توسع الإرساليات نطاق الأعمال التبشيرية التي تقوم بها النساء في أفريقيا بوجهٍ خاص، وأن تُعْنَى بتربية النساء المبشرات".

واقع العالم الإسلامي:

هذه التوصيات والخطط تحولت إلى واقع مشاهد في العالم الإسلامي، ونفذت السياسة المرسومة ضد المرأة المسلمة بحذافيرها، وآتت ثمارها النكدة كاملة التي نعاني منها الآن.

فنشأت حركات تطالب بتحرير المرأة وثيقة الصلة بالإرساليات الغربية، وكان اللورد كرومر[1] راعي هذه الحركة في مصر، حتى انتهى الأمر بمجموعة من المسلمات ينزعن الحجاب عن رأسهن في مشهد احتفالي، ويلقينه في مياه النيل.

وانتقلت هذه الدعاوي من مصر إلى بقية بلدان العالم الإسلامي، حتى رأين من يحظر على المسلمات ارتداء الحجاب وتعاقب من تخالف هذه التعاليم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (للاستزادة ينظر كتاب: الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار والصهيونية العالمية؛ تأليف: محمد فهمي عبد الوهاب).

 

طارق السيد

 

المصدر: موقع لها أون لاين
المقال السابق
(1) المدارس الأجنبية