كأنك لستَ أنت!

منذ 2014-10-08

يمر الواحد منا بمراحل حياتية متعاقبة لو تأمل كل منها لوجدها اختبارًا منفردًا بمعطيات جديدة ومقدرات جديدة وتحديات جديدة

بسم الله الرحمن الرحيم

يمر الواحد منا بمراحل حياتية متعاقبة لو تأمل كل منها لوجدها اختبارًا منفردًا بمعطيات جديدة ومقدرات جديدة وتحديات جديدة؛ فمرحلة يمتلك فيها القوة والطموح والوقت ولا يمتلك المال والخبرة، ومرحلة يمتلك فيها المال والقوة ولا يمتلك الوقت، ومرحلة يمتلك فيها المال والخبرة ولا يمتلك فيها القدرة الكاملة والطموح بعد امتداد حبل العمر.

لو نظرنا لكل مرحلة ونظر كل منا إلى معطياته الذاتية من الداخل والخارج وتأمل لوجد أنه في كل مرحلة إنسان مختلف تمامًا شكلًا وموضوعًا. وفي هذه المتاهة والمفازة وهذه الاختبارات المتتالية تجد الإشارة الواضحة هي القائد الأوحد لبر الأمان والفوز والاطمئنان:

{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:60،61]. قال الطبري في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: وينجي الله من جهنم وعذابها، الذين اتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، بمفازتهم: يعني بفوزهم".

إنها التقوى.. إنها التقوى.. انظر إلى قول الطبري في تفسيرها وكرر وتأمل: "وينجي الله من جهنم وعذابها، الذين اتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا"، وتذكر أن الصدق منجاة فكلنا في الاختبار وينجي الله الصادقين:

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ . أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت:2- 4].

قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ استفهام إنكار، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء». وهذه الآية كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]، ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]; ولهذا قال ها هنا: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} أي: الذين صدقوا في دعواهم الإيمان ممن هوكاذب في قوله ودعواه. والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لوكان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة؛ ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [البقرة:143]: إلا لنرى؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه [يتعلق] بالمعدوم والموجود.

وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي: لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم؛ ولهذا قال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} أي: يفوتونا، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي: بئس ما يظنون.

وفي النهاية: ارفع يدك بصدق وقل: اللهم اهدنا للتوحيد والسنة وثبتنا عليهما وتوفنا عليهما وأنت راضٍ عنا.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.