{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ..}

منذ 2014-10-09

وسبحان الله كلما يأتي إنسان بفكرة بذل فيها مجهودًا خرافيًا للاحتيال على قانون بقاء الطاقة باستخدام حيل تعتمد على باقي القوانين! كلما حدث ذلك يظهر له ثغرة من حيث لا يحتسب، وهذه الثغرة تأتي من ظاهرة أخرى لم يفكر فيها يتعارض قانونها مع الاختراع العبقري!

تمهيد:
من المواقف اللطيفة والمؤلمة في الآن ذاته مقابلتي لشباب كثيرين، أو القراءة عنهم أو مشاهدتهم في إعلامنا ممن يبنون كل آمالهم العلمية على شيء عجيب مثل: (كسر قانون بقاء الطاقة)! وتوليد الطاقة من العدم، وذلك بعمل ماكينة لا تحتاج إلى أي نوع من الوقود أو حتى الطاقة المتجددة (كالطاقة الشمسية مثلاً) كي ينتج منها طاقة!

والمشكلة الكبرى إنهم يعتبرون هذا تحديًا يجب الخوض فيه حتى آخر قطرة عقل! لكن السؤال هو: تحدٍ لمن؟! هل هو اختراع تحسن فيه بعض الميزات مقارنة باختراع آخر، إلا أن كلا الاختراعين هما في إطار احترام قوانين الطبيعة؟! أم هو تحد لقوانين الطبيعة الثابتة ذاتها! لا سيما عندما نتحدث عن حقائق علمية وليس نظريات علمية! ومن الحقائق العلمية التي لم يعد أحد يعيد النظر فيها هي: "قانون حفظ الطاقة في الإطارات القصورية"، إنها حقيقة لا ريب فيها!

{مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ} [الملك من الآية:3].
وسبحان الله كلما يأتي إنسان بفكرة بذل فيها مجهودًا خرافيًا للاحتيال على قانون بقاء الطاقة باستخدام حيل تعتمد على باقي القوانين! كلما حدث ذلك يظهر له ثغرة من حيث لا يحتسب، وهذه الثغرة تأتي من ظاهرة أخرى لم يفكر فيها يتعارض قانونها مع الاختراع العبقري!

وهل هذا غريب يا صاح؟! هل تريد كسر قوانين الخالق الثابتة بقوانين الخالق؟! ادعوك للتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3-4].

فأنت تلهث وراء (تفاوت) وتلهث وراء (فطور) إلا أن كل من رأيتهم يعودون بعد جهود مضنية جارِّين أذيال الخيبة لأنهم وجدوا عقبة تهدم الاختراع!

{فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ}؟!
حينها لا أملك إلا أن أطفئ حماستهم الزائدة في الهدم، هدم القانون -ولا أعرف لماذا ليست حماسة في البناء كاكتشاف قانون أو تعميم قانون!- بأن أقول لهم، حسنًا أنفق أسبوعًا أو أسبوعين محاولاً {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ} وعد إلي، فإذا به يعود وقد تغلب على العقبة الأولى -التي بسميها ثغرة!- لكنه وجد في وجهه عقبة أخرى من ظاهرة أخرى بقانون آخر يحبط دوران هذه الماكينة الدائمة الحركة المكسرة لقانون طبيعي أساسي!

كل العباقرة كذلك..
إلا أنني أراه يزداد حماسًا بحجة أن كل العباقرة عورضوا في البداية، لكنهم أصروا ونجحوا! يا له من قياس عجيب! هم أصروا ونجحوا لأنهم انطلقوا من القوانين واحترامها في عمل الاختراعات المهمة! وحتى هؤلاء العلماء المختصين في الفحص المستمر لقوانين الطبيعة، فإنهم لا يصنعون ماكينات تحتال عليها، لكنهم يصنعون تجارب معملية للبحث عن ظاهرة لا يصفها القانون بنجاح، حتى إن وجدوها أكملوا نقص القانون القديم -وليس هدمه!- وعمموه أكثر كي يغطي وصف الظاهرة الجديدة أيضًا.

حينما أرى هذا الحماس الزائد الذي اقول له: يا بني لقد فرغ الغرب من هذا النوع من الأنشطة منذ قرنين على الأقل، بمجرد أن تأكدوا من قانون بقاء الطاقة وأثبوته كفوا عن بذل الجهد فيما لا ينفع، واتجهوا إلى الإيجابية، أي أنهم اتجهوا إلى استخدام القوانين الثابتة في عمل اختراعات جديدة!

{يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}.
عندما أفرغ من نصيحته وقد أصابني الضجر لإصراره على الفشل! أقول له حسنًا، جرب مرات ومرات وسوف لن تجني شيئًا إلا تضييع وقتك فيما لا يفيد {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4] واتركه لحاله، وأنا حزين على شباب أمتنا الذي وصل به النقص لأن يريد أن يهدم أي شيء مشهور حتى يشتهر في الإعلام الأصفر الهزيل.

لقد هدمت، لقد حطمت!
فإذا بك ترى كل يومين شخصًا ظاهرًا في الإعلام يقول لقد: "هدمت وحطمت، -مثلاً- نظرية النسبيةلأينشتين"، وكأنه بذلك أثبت لنفسه أنه أكثر عبقرية من أينشتين، إنها عقدة نقص وعدم ثقة بالنفس! إن كنت يا هذا إيجابيًا فاعمل على البناء والتطوير لا الهدم، اعمل على توسيع إطار النسبية مثلاً لتحتوي ميكانيكا الكم! أو توسيع إطار ميكانيكا الكم لتحتوي النسبية، هكذا يكون العمل بناءً لا هدمًا!

اللهم اهدنا إلى الحق والرشد والرشاد برحمتك يا رب العالمين. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي