إحسان الظن بالله - (15) حول الشعور السلبي إلى قوة دافعة (الألم على وضع المسلمين)
نحن عندما رضينا بالله ربًا نعلم هذا كله، رضينا برب يبتلي ببلايا عظيمة، لكنه يصبر المؤمن عليها ويثيبه عليها، ما يجعله يتمنى يوم القيامة لو كان بلاؤه أشد! متى أُحرق المؤمنون في الأخدود؟ يُقدر أن ذلك كان قبل 1500 سنة.
السلام عليكم ورحمة الله
أحبتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية كيف تحول الوساوس إلى يقين.
اليوم نحن مع شعور مؤلم آخر لا نريده ألا يترك أثرًا سلبيًا في نفوسنا، بل أن نحوله إلى قوة دافعة إيجابية، هذا الشعور هو الألم والحزن على أوضاع المسلمين.
نحن نسير في هذه السلسلة بينما نرى إخواننا في سوريا يسامون سوء العذاب، لا بد لصاحب القلب الحي أن يتألم ويحزن، لكن ماذا بعد الألم؟ الشك في رحمة الله وحكمته؟ إذًا قد وقعت في فخ الشيطان، بل نريد تحويل هذا الشعور السلبي إلى قوة دافعة.
إخواني: الابتلاء سنة الله في خلقه، وليس أمرًا جديدًا.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، والله قد أخبرنا بقصة الأخدود وعباده الذين حُرقوا في سبيله تعالى، وسحرة فرعون إذ قال لهم: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه من الآية:71]، وبني إسرائيل الذين قتل فرعون أبناءهم واستحيا نساءهم على مرأىً منهم، الواحد منهم يرى ابنه يُقتل أمامه وامرأته تؤخذ أماه لتغتصب ثم هو يعذب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأناس كانوا ينشرون بالمناشير ويمزق لحمهم عن عظامهم وهم أحياء.
نحن عندما رضينا بالله ربًا نعلم هذا كله، رضينا برب يبتلي ببلايا عظيمة، لكنه يصبر المؤمن عليها ويثيبه عليها، ما يجعله يتمنى يوم القيامة لو كان بلاؤه أشد! متى أُحرق المؤمنون في الأخدود؟ يُقدر أن ذلك كان قبل 1500 سنة.
متى عذب فرعون بني إسرائيل، وقتل أبناءهم واستحيا نساءهم، وقطع أيدي السحرة وأرجلهم وصلبهم؟
قبل أكثر من 3000 سنة، لكن بمجرد أن توفي المؤمنون فهم في نعيم في حياة البرزخ، وبمجرد أن هلك فرعون وهلك أصحاب الأخدود فهم في عذاب شديد.. تصور! من آلاف السنين ومؤمنو الأخدود وسحرة فرعون في نعيم، ومن آلاف السنين فرعون وجنوده ومن حرقوا المؤمنين في عذاب أليم! من آلاف السنين.
فهل تشفق الآن على مؤمني بني إسرائيل، أو على مؤمني الأخدود، أم تغبطهم على ما هم فيه؟
أبو جهل عذب ياسراً وسمية والدي عمار رضي الله عنهم وقتلهما، ثم هلك بعدهما بسنوات أكثر من 1400 سنة، وياسر وسمية في نعيم وأبو جهل في العذاب الأليم، ونحن الآن نغبط ياسراً وسمية؟
في الخمسينات والستينات من القرن الماضي عذب وأعدم العلماء والدعاة في مصر مثل: (سيد قطب، وعبد القادر عودة رحمهما الله)، ثم مات قاتلوهم بعدهم بسنوات، أكثر من أربعين عامًا والمجرمون يلقون جزاء أعمالهم وحربهم لدين الله، بينما الدعاة الذين عُذبوا وأُعدموا في نعيم البرزخ فيما نحسبهم والله حسيبهم ونحن الآن نغبطهم؟ كل مسلم يعذب ويقتل الآن في سوريا صابرًا محتسبًا، بمجرد أن يموت فهو ينعَّم بينما قاتله ينتظر العذاب الأليم لحظة هلاكه.
ألا ترى أن من حكمة الله تعالى أن جعل هناك نعيم قبر وعذاب قبر، وأعلمنا به ليكون في ذلك تصبير عظيم لنا؟! نحن لا ننتظر أن ينعم المؤمنون ويعذب المجرمون بعد قيام الساعة فحسب، بل هؤلاء الآن الآن! في نعيم والآخرون الآن الآن! في عذاب أليم.
الآن يقال لأخيك وأختك من الذين يُقتلون في سوريا على الإيمان: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30]، أما جنود بشار الذين يهلكون الآن: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50].
أخي هل تتمنى أن يحصل معك كما يحصل مع أهل سوريا؟ لعلك انتفضت واقشعر بدنك من هذا السؤال.
في الواقع: ستتمنى ذلك يومًا من الأيام! والذي أخبرك بهذا هو الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: « » (حسنه الألباني)، يعني تتمنى لو أن جلدك نُزع قطعة قطعة بالكماشة! لِما ستراه من إكرام الله تعالى لمن ابتلاهم.
أسأل الله لي ولك وللمسلمين العافية، لكن المعنى أن الله أرحم بعباده منا.
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10]، نحن رضينا برب يبتلي، لكنه يصبر ويثيب. قصص البلاء مبثوثة في القرآن، لكننا لا نحس بفظاعة معاناة المؤمنين فيها لأن هذه المعاناة انتهت من آلاف السنين، وبقي النعيم والكرامة لهم، ستمر هذه الأيام ويأتي من يقول بعد سنوات طويلة: "ياه! من كذا سنة وأهل السنة الذين قتلوا في سوريا ينعمون وقَتَلَتُهم المجرمون يُعذبون"!
إخوتي: سؤال مهم: هل رأيت أحدًا من مسلمي سوريا وهو يعذب يتسخط على القضاء؟ لا.
بل يقولون: "يا رب، يا الله"، ومنهم من لا يأخذ بالرخصة ولا يسجد لصورة المجرم، مع أن الله أباح له ذلك في الإكراه، والله يسمع نداءهم وسينتقم لهم ولو بعد حين: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم من الآية:42].
الله عز وجل يصبرهم ويثبتهم، أعرف أخًا عُذب في الله وحلف لي أنه كان يجد لذة وهو يعذب! لأنه أحس أنه يحصل معه كما حصل مع الصحابة، وجد لذة أن يُبتلى في الله.. هل يعني هذا كله ألا نتألم لوضع إخواننا وأخواتنا، وأن نقول بما أن الله يصبرهم فلا داعي لنصرتهم؟ طبعًا لا. لكن..
هدف هذا الكلام أن نصل إلى الاستنتاج التالي:
الله تعالى أرحم بعباده منا، يبتلي لكنه يصبر عباده المؤمنين ويثيبهم.
فلا يعقل أن يكونوا هم صابرين بينما أنت يا من تنظر من بعيد فاقدًا للصبر تشك في الحكمة والرحمة؟!
لو أن أحدًا من إخواننا في سوريا قال في تعذيبه كلامًا فيه سخط على القدر لفرح به هؤلاء المجرمون ونشروه.
ألا ترى من لطف الله بعباده أنه يلهمهم التعلق به واللجوء إليه في هذه اللحظات العصيبة؟
كم من أخواتنا المصريات النصرانيات الأصل اللواتي أسلمن فأسلمهن جنود حسني مبارك للهالك شنودة وأزلامه، حتى يعذبوهن ويردوهن عن دينهن، ومع ذلك لم يظفروا بردة واحدة من أخواتنا هؤلاء، ولو ظفروا لأتوا بها على الملأ لتعلن ردتها.
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم من الآية:27].
نحن رضينا بالله ربًا، هل قال لنا الله أن هذه الدنيا دار جزاء ونتشكك مما يحصل؟ أبدًا.
إنما هذه دار ابتلاء إلى الديان، يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم.
إذًا يا أخي ويا أختي إياك وسوء الظن! لا بد أن نتألم لإخواننا وأخواتنا، لا بد أن نحزن.
لكن! إياك أن يتحول هذا الألم والحزن إلى سوء ظن في الحكمة والرحمة، بل حول هذا الألم إلى قوة دافعة.. كيف؟ هذا ما سنتكلم عنه في المرة القادمة بإذن الله.
أسأل الله تعالى أن يعز المسلمين وأن ينجي إخواننا وأخواتنا في سوريا ويهلك عدوهم.
والسلام عليكم ورحمة الله
- التصنيف:
- المصدر: