تشديدات القرآن - ولفتة ثانية: في بلوغ القصد

منذ 2014-11-02

إن كل ما يؤديه الفعل من معاني بتعديته بالحرف" إلـى "، يتضمنه بتعديته بالحرف اللام أيضًا، أما العكس فلا؛ أي: أن تعدية هذا الفعل باللام أشمل وأكمل وأجمل من التعدية بـ"إلى". ومن بليغ التعبير الرباني القرآني أن العل في حق الله تعالى تعدَّى بحرف اللام: {اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}، أما في حق الشركاء فتعدَّى بالحرف إلى : {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}

ولفتة ثانية في: بلوغ القصد
ما زلنا مع أسرارقوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس:35].
ومن خلال ما أوردنا من معاني الحرف، فإن اللام "لــ" تأتي بمعنى " إلــى" فيفيد انتهاء الغاية المقتضي لابتدائها، كما يفيد الالتصاق والملك والتمليك والاختصاص.

ويفيد طيَّ بُعدَيِّ الزمان والمكان في يُسرٍ وأمان، فيبلغ القاصدُ أمرَه بكل سهولة وتأكيد، وكأنه لا فارق زمان ولا بعد مكان بين ابتدائه سيره ومنتهى مقصده..

 أما الحرف "إلى" فلا يأتي بمعنى اللام " لــِـ "، ومع إفادته انتهاء الغاية وابتداء نهايتها، فإنه لا يضمن بلوغ غايتها.

فصارت تعدية الفعل {يهدي} بحرف اللام أحكم وأبلغ وآكد وأضمن لبلوغ الحق ووصوله إليه من تعديته بالحرف "إلى"..

بمعنى آخر: أن كل ما يؤديه الفعل من معاني بتعديته بالحرف" إلـى "، يتضمنه بتعديته بالحرف اللام أيضًا، أما العكس فلا؛ أي: أن تعدية هذا الفعل باللام أشمل وأكمل وأجمل من التعدية بـ"إلى".

ومن بليغ التعبير الرباني القرآني أن الفعل في حق الله تعالى تعدَّى بحرف اللام: {اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}، أما في حق الشركاء فتعدَّى بالحرف إلى : {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}

يقول الإمام البيضاوي في تفسيره: "{قل هل مِن شركائكم من يهدي إلى الحقّ}؛ بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام والتوفيق للنظر والتدبر، وهدى كما يُعدَّى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يُعَدَّى باللام للدلالة على أن المنتهي غاية الهداية، وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق، ولذلك عدى بها ما أسند إلى الله تعالى"(1).

فأنَّى للشركاء أن يهدوا للحق؟! فهم يَضربون قِداحًا، يفرضون طقوسًا، يخترعون ناموسًا، يشرعون دينًا، يُسخِّرون سحرةً... ولا يَبْلُغون الحقَّ، بل يَضِل سعيهم وهم يحسبون أنهم مهتدون وأنهم يحسنون صُنعًا!

وهنا نعود إلى قوله تعالى:{بَالِغٌ إِنَّ اللَّهَ أَمْرَهُ}[الطلاق:3]، وبين هذه اللَّفتة والتي قبلها شَبَهٌ، وبينهما فرق دقيق؛ نشير إليه بقولنا: هذه في تَحَقُّقِ المُراد وبلوغ القصد من الهداية الكاملة العظمى، أما الأولى ففي يسر ذلك وأمانه على الله تعالى، الهادي إلى سواء السبيل.

فاللهم اشرح لي صدري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعلها صادقة من قلبي، فإن ما كان من القلب وصل إلى القلب بإذن الله تعالى.
ويتبع بلفتة ثالثة إن شاء الله تعالى.

------------------------
(1)- أبو سعيد، ناصر الدين الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 3/ 112.

بقي أن نُذّكِّر أن هذه اللفتة عائدة إلى أصل  التشديدة:   لطائف يَهَدِّي.

وقد سبقتها أول لفتتة هي : اللفتة الأولى: في اليسر والتحقق أو المشقة والمخاطرة

كما أنها تُتتبع إن شاء الله بلفتات أخرى

9 محرم 1436 (2‏/11‏/2014)

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

المقال السابق
اللفتة الأولى: في اليسر والتحقق أو المشقة والمخاطرة
المقال التالي
اللفتة الثالثة: في حسن القصد