لا تنزع إلا من شقي

منذ 2014-10-26

أب غليظ القلب لا يرحم ولا يألف ولا يؤلف، هكذا كان مع أبنائه وهم صغار ضعاف، فلما كبروا وكبر هو الآخر بدوره، وأصبح أحوج ما يكون لرحمتهم، بحث عنهم فلم يجدهم، والبار منهم به يعطف عليه ويبره، ولكن بعاطفة باردة لا يجد لأبيه في قلبه من الرصيد والذكريات ما يدفىء قلبه بعاطفة حقيقية نحوه.

أب غليظ القلب لا يرحم ولا يألف ولا يؤلف، هكذا كان مع أبنائه وهم صغار ضعاف، فلما كبروا وكبر هو الآخر بدوره، وأصبح أحوج ما يكون لرحمتهم، بحث عنهم فلم يجدهم، والبار منهم به يعطف عليه ويبره، ولكن بعاطفة باردة لا يجد لأبيه في قلبه من الرصيد والذكريات ما يدفىء قلبه بعاطفة حقيقية نحوه.

لما تعجب الصحابي الجليل من تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لحفيده، وأخبره أنه لا يقبل أولاده كان الرد مباشراً: «من لا يرحم لا يرحم»، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال: «من لا يَرحم لا يُرحم»" (رواه البخاري:5997، ومسلم:2318).

قال ابن بطال بعد أن ذكر عددًا من الأحاديث، وذكر هذا الحديث من جملتها: "في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرَّحْمَة للخلق كلهم، كافرهم، ومؤمنهم، ولجميع البهائم والرفق بها، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب، ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرَّحْمَة، ويستعملها في أبناء جنسه وفي كل حيوان" (شرح صحيح البخاري:9/219).

نفس النموذج متكرر ولكن بصور مختلفة، فهو بين نفس صاحب القلب الغليظ وإخوته، أو أصحابه أو جيرانه أو زملاء العمل... إلخ.

عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تنزع الرَّحْمَة إلَّا من شقيٍّ» (صححه ابن تيمية في مجموع الفتاوى:6/117، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:7467).

قال ابن العربي: "حقيقة الرَّحْمَة إرادة المنفعة، وإذا ذهبت إرادتها من قلب شقي بإرادة المكروه لغيره، ذهب عنه الإيمان والإسلام" (فيض القدير شرح الجامع الصغير:6/547).

ويقول المناوي: "لأنَّ الرَّحْمَة في الخلق رقة القلب، ورقته علامة الإيمان، ومن لا رأفة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا رحمة عنده شقي" (التيسير بشرح الجامع الصغير:2/962).
- وعن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرحم الله من لا يرحم النَّاس» (رواه البخاري:7376).

يقول السعدي: "رحمة العبد للخلق من أكبر الأسباب التي تنال بها رحمة الله، التي من آثارها خيرات الدنيا، وخيرات الآخرة، وفقدها من أكبر القواطع والموانع لرحمة الله، والعبد في غاية الضرورة والافتقار إلى رحمة الله، لا يستغني عنها طرفة عين، وكل ما هو فيه من النِّعم واندفاع النقم، من رحمة الله..

فمتى أراد أن يستبقيها ويستزيد منها، فليعمل جميع الأسباب التي تنال بها رحمته، وتجتمع كلها في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف من الآية:56]، وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله. والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم" (بهجة قلوب الأبرار، ص 269).

--------------------------------------------
الأدلة مرتبة ومنقولة من الموسوعة الأخلاقية للدرر السنية. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.