فألْ..

منذ 2014-10-30

وأخيرًا سنشم عبقها! نمشي بأقدامنا فوق ثراها الزّعفرانيّ.. ونقول يا الله.. لكَ الحمدُ سرمدًا!

والآن، يُخيّل إليَّ يا صغيرتي، يَوم نخطو أوّلى خُطواتنا نحو أعتاب الجنّة!!
تُرى.. كيف سيكون حالنا.. هل سنخرّ لله سُجدًا على أبوابها!؟
كيف ستستقبلنا ملائكة الرحمن.. وكيف سنُسلم عليهم..
هل سنبكي ونحن نسعى على أرضها؟

أووااااه يا حبّة الفؤاد!
لا أستطيع أن أتخيل حال المرء منا بعد الغُربة، بعد الكدر في هذه الدنيا..
الظلم والقتل والخيبات والخُذلان، مرارة الفقد والخوف وفقد الأمان..
وأخيرًا سنشم عبقها!
نمشي بأقدامنا فوق ثراها الزّعفرانيّ..
ونقول يا الله.. لكَ الحمدُ سرمدًا!
دار خُلدنا.. وطننا الحقيقيّ أخيرًا..
هل سنجري للُقيا الأحبة والشوق العظيم يغمرنا؟

رسُول الله يا صغيرتي..
أتعلمين.. أوّل ما سأحكي مع الحبيب صلوات الله عليه..
أنني كنتُ في شوق عظيم جدًا للُقياه!
ولكم بكيتُ وألححتُ أملًا في رُؤيته، كهدية الله حين كنتُ ابنة الثانية عشر.
ولا يكاد يغيب عنّي حاله حين ذهب للطائف خاصّة!
بأبي وأمي ونفسي هو.. ولكم يتفطّر قلبي من البُكاء، حين أتخيل جسده الشريف يضجّ بالتعب والكدمات
بعدما تعرّض لهُ سُفهاء القوم وصبيانهم.. دمائه الطاهرة تروي الثرى!
سأخبره أنهُ كان كريمًا طيبًا جدًا..

كيف سأحكي له امتناني حين أذكر كلماته التي تطفح بالطُهر واللين..
حين قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»

كيف وقد قال: «لا تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ»
وتمزّق قلبي وأنا أقرأ في سيرته حينَ كان يُصلي في ظل الكعبة..
فجاءه أحد المشركين.. وألقى عليه سَلا الجزور (أمعاء بعير)!
وحتى أنهُ صلوات ربي عليه، لم يستطع القيام!
فجاءت السيدة الطّاهرة فاطمة.. وأزالت هذا السلا عن ظَهر أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم
وكانت تقول باكية، تقطر الحكمة منها رُغم صغر سنّها: "كيفَ يُفلِحُ قَومٌ فَعلُوا بِنَبِيِّهِم هَذَا"!
أعلمُ أنهُ كريم.. وسأحكي لهُ كُل شيء!

وسأخبره أيضًا أنني كنتُ أتشبّهُ به، وأحبّ الفَأل الحَسن!
ولكن سأخجل كثيرًا بين يديه وأنا أتذكر تقصيري وإفراطي..
بعد كل ما فعله لأجل الله، وتبليغ رسالته على أتمّ وجه.. ومع ذلك كنا نتكاسل أو نَفتر!
سأدثر وجهي، حين أذكر شفاعته الطيّبة، رحمة من الله اللطيف..

سنسرع كذلك للقاء زوجاته ..
عائشة الجميلة وأمنا الحبيبة خديجة ..
بناته الغاليات.. وصحابته الكرام.. جميعهم..
سيدنا عُمر..
امممم بالطبع سنذهب ونُسلم عليه..
ونأخذ دُرته، ونبتسم! كما كنا نفعل في الدنيا
حين نتخيله مُمسكًا بها.. ونشتاق..
سنخبره كم كُنا نشعر بفخر كوننا تعرّفنا على سيرة رجل عظيم مثله..
وكذا.. كنا نشعر كم نحن صغار في حضرته، جوار زُهده وعدله ورحمته وقوة حكمته!


وها هي فاطمة، والحسن والحُسين وعليّ، وجعفر الطيّار أيضًا..
انظري! وهذا أبو ذرّ الغفاري..
الذي عاشَ وحيدًا، وماتَ وحيدًا، وبُعثَ يومَ القيامة وحيدًا!
أتعلمين لا بُد وأن تقرأي وتكتشفي سرّ هذا الأمر!

كلهم مُتحلقين هُناك..
يا صغيرتي.. تُرى، وفي أيّ مكان سنقابل سيّد قطب بإذن الله (أسأل الله أن يجعله من أهل الجنة)!
سنسأله كثيرًا وسيتسع صدره دائمًا ليُجيبنا..

متى سنُقابل زُمرة الشهداء..
كُل الشهداء على مرّ التاريخ!
سيبتسمون لنا!؟ نعم بإذن الله..
ومُصعب بن عُمير في المقدمة..
يحكي لنا هو وإخوانه أنهُم كانوا يسمعون امتثالنا لكلام الحبيب أحمد..
حين نُرسل لهم السلام..

"السلامُ عليكَ يا مُصعب..
السلامُ عليكُم معشر الشُهداء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"!


متى سنُقابل كُل الأنبياء.. كُلهم يا حبيبتي..
سيدنا مُوسى وأخاه هارون..
سأخبر سيدنا مُوسى أنني كنتُ أعزّي قلبي بكلماته..
{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء:13]..
وأنني كنت أدعوا بدعوته:
{رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:25]]

سيدنا عيسى بن مريم، ويوسف.. سيدنا إبراهيم ويُونس..
سنحكي لهُ كيف كنا نُردد كلماته بقلوبنا، فيكشف الله عنا الهمّ ويكفينا!
{لا إله إلا أنتَ سُبحانكَ إنا كنا من الظالمين.. } [الأنبياء:87].

أبي آدم... سأبتسم كثيرًا في حضرته هو وأمي حوّاء..
سأخبره أنّي في طفولتي كنتُ أخالهُ رجلًا طويلًا عظيمًا..
وبقامتي القصيرة جدًا، لن أصل لرؤية وجهه حتى!
وسأطلب من أحدهم أن يحملني لأراه!
سيضحك مني كثيرًا؟ أعلم!

متى سنكون بصُحبة سيدات العالمين، مريم وآسيا وخديجة وفاطمة..
أي حديث سيكون.. وأيّة بهجة وسكينة سنتنفسها.


متى.. متى يا صغيرتي تكتحل العيون برؤية وجه الله..
يا الله .. بأي وجه سنلقاه!!
متى سنتذوق خير وأعظم لذة حينَ يكشف لنا الحجاب.

بالله يا رُوح قلبي.. إن رأيتيني أحيد وأبتعد عن هديه..
فأمسكي بيدي بقوّة.. تشبثي بها.. وربّتي على كتفي..
وأنفثي ثلاثًا لتُدثريني من شياطين الإنس والجن..
اقرأي على قلبي آيات تغسله وتُطهره من قُبح هذه الدنيا..
وذكريني إنما هي أيام معدودات..
تتفلّت مِنّا كحبات عقد مُنفرط..
بحلوها مُرها.. تنقضي..
ذكريني أن الله هو الجميل اللطيف..
وكل عمل ليس لأجله في هذه الدنيا مَحضُ عَبَثْ.
ذكريني أنني على سَفر..  والآخرة خير وأبقى.

{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا .

وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا .

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا .

وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا .

وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا .

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا .

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا .

وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا .

وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا .

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا .

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا .

أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}  [الفُرقان:63-76].

 

أمل ناجح