حدثنا القرآن عن العلاقة الزوجية
حدثنا القرآنُ الكريم بأن الزواج آيةٌ من آياتِ الله العظيمة، ودعانا للتفكُّر فيها، وفي عِبَرها ومعانيها، وفي مودتِها ورحمتها وسكونها، والذي يلزمنا الحمد والشكر لله سبحانه وتبارك وتعالى على الدوام.
الحمد لله، وبعد:
فقد حدثنا القرآنُ الكريم أحاديثَ ولا أصدق، وأحاديث ولا أوثق، وأحاديث ولا أبين، وأحاديث ولا أشمل، ولا أحكم من أحاديث القرآن الكريم.
حدثنا أحاديثَ لم يسبقه إليها أحدٌ، ولن يأتي بعده أحد، كيف وهو كلام الواحد الأحد تبارك وتعالى؟!
حدثنا القرآن الكريم عن أسمى علاقة إنسانية بحديث راقٍ جدًّا، وحديث حلوٍ جدًّا، وحديث شفاف أيضًا، حدثنا عن العلاقة بين الزوجين بحديثٍ يمس الرُّوح، ويلاطف المشاعر، ويهزُّ الوجدان.
حدَّث الزوج عن الزوجة أنها سكَنٌ، سكَنٌ بكل ما تحمله هذه الأحرف من معنى، سكَنٌ للرُّوح والبدن، للمشاعر والأحاسيس، للقلب والفكر، بل سكَنٌ للشهوات والنزوات، سكَنٌ للعين والأذن أيضًا.
وحدَّث الزوج ليسكنَ إليها، ويطمئنَّ، ويألفَ، ويقتربَ، ويحطَّ رحاله وأتعابه وهمومه، وأفراحه وأتراحه؛ فهي سكَنٌ، وحدَّث الزوجة عن الزوج أن القوامة له عليها؛ ليكون حارسًا أمينًا، وحافظًا شريفًا، وكافلاً حريصًا، وراعيًا ناصحًا، وأن حقَّها أن يتولَّى رعايتها وحمايتها، وصيانة عِرضها، وصَوْنَ كرامتِها بقوامته عليها.
وحدَّث الزوجَ والزوجة أن كلَّ واحد منهما لباسٌ للآخر؛ يسترُه، ويحتويه، ويقيه؛ حرًّا وبردًا، وشهوة وشوقًا.
حدثنا القرآن الكريم عن العلاقة الزوجية بكل صورِها وحالاتها، حدثنا عن التعدُّد وإباحتِه لِمَن يحقِّق شرطه، وفي آيةٍ موجَزة تُسكت المعترض، وتُجيب عن المستفهم، أبانت عن جوازه، وعن شرطه، وحذَّر المعدِّد من الميل الجائر، والظُّلم غير الجائز.
وكذلك حدَّثنا القرآنُ الكريم عن المشاكلِ الزوجية وعلاجها، ومراحل العلاج، وموقف الطَّرَفين، حتى في حالات الفِراق، يحدّثنا بعبارات تذكِّر بالجميل، وتدعو إلى الصفح، وتنهي القضية بسلامٍ ووئام؛ فهي علاقةٌ مقدَّسة، وميثاق عظيم، وحدثنا عن الطلاق وأحكامه بما لا يدَعُ فتحة لهواء صاحب هوى، ولا فرصة لغرض مغرض؛ فهي أحكام دقيقةٌ ومحكَمة؛ لأنها تتعلَّقُ بأعراض وحدود وحقوق.
وحدثنا القرآن الكريم عن الزوجات الصالحات، القانتات الحافظات للغيب، وعن الزوجات الناشزات اللاتي يصعُبُ معهن العيش.
وحدثنا القرآن الكريم عن الرجال الذين يُؤْلون من نسائهم، وعن الذين يعودون في أيمانهم، والذين يعزمون فيها، وحذَّرهم من التلاعب بالحدود، وحرَّم عليهم أن يأخذوا شيئًا مما أعطَوْه نساءهم مهرًا ونحوه، إذا قرَّروا الطلاق، وأمَرهم بالإمساك بالمعروف، أو التسريح بالإحسان دون أذيَّة أو منَّة.
وحدثنا القرآن الكريم حتى عن حديث النفس عن المرأة التي في عدَّتها، وهناك رغبة خفيَّة في الزواج منها، ونبّه إلى أن هناك أجلاً لا بد أن يبلغ منتهاه.
حتى المعاشرة والمباشرة الزوجية حدثنا عنها القرآنُ الكريم؛ فنهى عنها في أوقات، وفي أماكن معينة، بأسلوب لطيف، وإشارة رقيقة، وأمَر باعتزال النساء في حالات جِسمية ونفسية، لا تناسب المرأة، وتسبب لها آلامًا ومتاعبَ، وفي غير المحظور زمانًا ومكانًا وموضعًا قال: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة من الآية:223].
وحدَّثنا القرآنُ الكريم عن حماية جَناب الزوجة، محذِّرًا الأزواج من كلِّ ما يضرُّها، مهما كان مبرره، فحدَّثنا عن الظِّهار، والبغي، والعَضْل، وعن أخذِ شيءٍ من أموال الزوجة بدون حقٍّ ولا رضًا منها، ومن حقِّها إن خافت من زوجها إعراضًا وترفُّعًا عنها أن تطالبَ بالصلح وتصلح المشكلة.
وحدثنا القرآن الكريم عن حقِّ الزوج وحمايته أيضًا؛ فليس كلُّ زوجة مظلومة، فكم من زوجة ظالمة في ثوب مظلوم! فحدثنا عن نشوز الزوجة، وعن تأديبِها، وعن وعظِها، وهَجْرها، وضربها إذا وصل الحد إلى ذلك، وعن حُرمةِ كتمان ما في بطنها في حالات الخصومة والطلاق.
حديث القرآنِ عن العلاقة الزوجية يرفعُها إلى مستوًى عالٍ من الأهمية، يليق بقدرِها وأثرِها وحساسيتها، ويعلن عنايتَه بهذا الإنسانِ في جميع مجالاتِ حياته وظروفه.
حدثنا القرآن الكريم عن العلاقة الزوجية ليجعَلَنا قريبين منه ولو في ظروف خاصة، آخذين من كنوزِه، مُسْتَقِين من نبعِه، سائرين على نهجه؛ لتكون حياتُنا مطمئنةً، وبيوتنا سعيدة، وقِيَمنا محفوظة.
حدثنا القرآنُ الكريم بأن الزواج آيةٌ من آياتِ الله العظيمة، ودعانا للتفكُّر فيها، وفي عِبَرها ومعانيها، وفي مودتِها ورحمتها وسكونها، والذي يلزمنا الحمد والشكر لله سبحانه وتبارك وتعالى على الدوام.
فالحمد لله حمدًا كثيرًا مبارَكًا، ونسأله أن يصلحَ بيوتنا، ويحفظَ علاقتنا، ويعيننا على ذِكره وشُكره، وحُسن عبادته!
وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
نبيل بن عبد العزيز النشمي
- التصنيف:
- المصدر: