جميل حمامي: المسجد الأقصى يَمُر بمرحلةٍ هي الأخطر في تاريخه

منذ 2014-12-02

يُقتَحم المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة يوميًا من الأحد الى الخميس ما بين صلاتي الفجر والظهر، وصلاتي الظهر والعصر، من قبل مجموعات يهودية تقوم بالتجول فيه تحت حماية شرطة الاحتلال على طول مسار الاقتحام. وتقوم أجهزة الاحتلال الأمنية بمحاربة كافة مظاهر الاعتراض التي يبديها المسلمون، وتسخّر لذلك جميع وسائلها لفرض واقع جديد لا يكون للمسلمين فيه أي سلطة، أو سيادة.

يُقتَحم المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة يوميًا من الأحد الى الخميس ما بين صلاتي الفجر والظهر، وصلاتي الظهر والعصر، من قبل مجموعات يهودية تقوم بالتجول فيه تحت حماية شرطة الاحتلال على طول مسار الاقتحام. وتقوم أجهزة الاحتلال الأمنية بمحاربة كافة مظاهر الاعتراض التي يبديها المسلمون، وتسخّر لذلك جميع وسائلها لفرض واقع جديد لا يكون للمسلمين فيه أي سلطة، أو سيادة.

جميل حمامي، الطالب الذي تعلم في مدرسة الأقصى الشرعية، ثم عاد اليها أستاذًا، وأراد أن يعيد بعض الجميل للمسجد الأقصى المبارك -كما يقول- كأول مدير للمسجد عام 1982م، وهو حالياً عضو في الهيئة الاسلامية العليا في القدس؛ بيّن أن الهدف من وراء هذه الاقتحامات هو الوصول إلى مرحلة تقسيم المسجد الاقصى المبارك، "أخذت الاقتحامات منحى مختلفًا منذ اقتحام شارون للمسجد الأقصى، بحيث أصبحت توفَّر لها الحماية من قبل الأجهزة الأمنية، ويدعمها أعضاء كنيست ووزراء في الحكومات الاسرائيلية؛ حتى يعتاد عليها المواطن العربي والمسلم، وتصبح أمرًا واقعًا لدى الرأي العام ويعتاد عليها الناس، كمقدمة للتقسيم المكاني في المسجد الأقصى المبارك".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد طرح على حكومته مؤخرًا اعتبار مظاهر الرباط في المسجد الأقصى المبارك كأعمال خارجة عن القانون، وتصنيف المرابطين والمرابطات على أنهم منتمون لتنظيمات إرهابية، "لم نسمع بأي شريعة في الدنيا تصنّف من يدخل لمكان عبادته على أنه إرهابي"، علّق الاستاذ جميل حمامي على الطرح إيّاه: "لقد أخرج نتنياهو كل ما في جعبته من أجل معاقبة المقدسيين والمرابطين، الذين لم تثنهم هذه الممارسات عن شد الرحال والرباط والنفير الى المسجد الأقصى المبارك، فجهله لمكانة الأقصى في قلوب المسلمين، وفشله في إحكام قبضته على مدينة القدس؛ دفعه الى إرضاء المستوطنين والمتطرفين في الشارع الاسرائيلي، على حساب المرابطين والمسجد الأقصى".

المرحلة الأخطر في تاريخ المسجد الأقصى المبارك
أوامر الإبعاد التعسفية، واحتجاز البطاقات الشخصية للمسلمين كشرط للدخول، واعتقال أي شخص يهتف بـ "الله أكبر"، وانتهاكات أخرى تنسج خيوط الواقع الحالي الذي يعاني منه المصلون في المسجد الأقصى المبارك، وهي غير مسبوقة كمًا وكيفًا؛ وفيها تعدٍ صارخ على الحريات الشخصية للفلسطينيين، كحرية العبادة وممارسة حقهم في أداء الشعائر الدينية والعبادة. وقرار الاحتلال بإغلاق جميع أبواب المسجد الأقصى كليًا طيلة يوم الثلاثين من تشرين أول الماضي؛ بعد محاولة اغتيال المتطرف (يهودا غليك) في القدس؛ يُعتبر متوجًا لهذه الانتهاكات المستمرة، ولم يكن له مثيل منذ احتلال القدس والمسجد الأقصى عام 1967.

"جاء هذا القرار لإرضاء الشارع اليميني الإسرائيلي، الذي لا يريد نتنياهو أن يخسره، وفي تقديري فإنه ووزير الأمن أخذا هذا القرار لجسّ نبض الشارع العربي والاسلامي". وأبدى حمامي أسفه من ردة الفعل على المستوى الشعبي والرسمي للعالمين العربي والاسلامي، التي جاءت باهتة وخجولة ولا ترتقي إلى مستوى الحدث، كما ذكر، "استغل نتنياهو الواقع العربي الممزق؛ شعوب عربية منشغلة في قضاياها بعد التآمر على الربيع العربي، وساسة لا يعلمون وجهتهم ولا يُقدمون سوى على قمع شعوبهم. وعندما قال نتنياهو أن له أصدقاء في العالم العربي، فهو كالواضع يديه في مياه باردة، مطمئنًا عند إقدامه على هذه الخطوة النكراء".

"ينبغي أن تكون هذه الخطوة مؤشرًا خطيرًا للمقدسيين" حذّر حمامي، "فالمرحلة التي يمر فيها المسجد الأقصى حاليًا، هي الأخطر في تاريخه، وهي ليست عاصفة مارّة، بل هي مدمّرة وآسفة الأسافي، وستكون ضربة قاضية إن بقيت الأمة صامتة. هناك الآن (تكسير عظام) داخل المسجد الاقصى من قبل الاحتلال والمستوطنين، والجميع يتحمل المسؤولية المباشرة؛ قادةً وشعوبًا وعلماء".

الإنتفاضة تنطلق من المسجد الأقصى المبارك
في ظل ممارسات الاحتلال التعسفية بحق الفلسطينيين، اندلعت الإنتفاضة الأولى عام 1987م لعدة عوامل مباشرة وغير مباشرة. ومن الأسباب الرئيسية التي أشعلت فتيلها، كانت الحفريات والأنفاق التي جرت حينها أسفل المسجد الأقصى المبارك، وتعاظم اعتداءات الاحتلال عليه. فيما انطلقت شرارة الانتفاضة الثانية بعد اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك عام 2000م واعتراض المصلين له، ما أدى الى أحداث عنف اتسعت رقعتها في سائر أنحاء فلسطين المحتلة، احتجاجًا على اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك، والتي تصاعدت بشكل ملحوظ بعد توقيع اتفاقية أوسلو.

"كل ما يحدث في المسجد الأقصى يؤثر على مدينة القدس وسائر فلسطين، ولا يمكن الفصل بينهما" أردف الأستاذ حمامي "لا نستطيع فصلها عن بعضها البعض. ولكن المسجد الأقصى يبقى البؤرة الأكثر سخونة. فكل ما يحدث في المسجد الأقصى يؤثر على مدينة القدس. ولا يستطيع أحد إغفال هذا العامل الهام، لأنه يمسّ جانبًا عقائديًا ودينيًا مهمًا عند العرب والمسلمين، وحريتهم في العبادة".

الدور الفلسطيني والأردني
شهد عددٌ من العواصم العربية والغربية مؤخرًا، مظاهرات ووقفات تضامنية مع المسجد الأقصى المبارك، لاقت نجاحًا؛ ولو كان محدود التأثير. لكن لم تسجل حالات قمع للمتظاهرين في أي مكان في العالم، سوى بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين حُرموا منذ سنوات من الوصول الى المسجد الأقصى المبارك؛ بقرار من الاحتلال؛ رغم قربهم الجغرافي منه، ولم تسمح أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالاحتجاج والتضامن مع المسجد الأقصى المبارك، في نطاق سلطتها، وقامت بقمع المتظاهرين في الضفة الغربية بادعاء الحفاظ على الأمن.

"نحن على أبواب حركة أسمّيها (كرة الثلج) التي تكبر رغم المعيقات" حذّر حمامي "أنا أطالب السلطة الفلسطينية أن لا تقف حجر عثرة أمام تعبير شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية عن موقفه. هذا الاحتلال لا يمكن له أن يغير مواقفه، إلا إذا رأى مواقف جريئة وشجاعة من شعوبنا. نحن نريد أن يكون لهم موقف واضح، حتى تعرف إسرائيل أن للمسجد الأقصى أهلاً مستعدين لحمايته في كل بقاع الأرض".

وأضاف: "الشعب الفلسطيني هو شعب خلّاق ومبدع وقادر على تغيير الواقع، وهو يملك من المخزون الإيماني والكرامة، ما يجعله يثور ويثأر لكرامته، وأن يُحدث تغييرًا على الواقع الذي يعيشه المسجد الأقصى المبارك، ويُرغم الاحتلال على تغيير مواقفه".

" أما الأردن" أشار حمامي "فينبغي أن يتحمل مسؤوليته، سواء رعاية أم وصاية. والقضية ليست مرتهنة بموقف الأردن فقط، فأنا أعتقد أن الأوراق التي يملكها الأردن لا ترقى إلى قوة التأثير الفعلي على الاحتلال. وبالتالي لا بد للأردن أن يُشرك معه ويُحمّل المسؤولية للسّاسة العرب والشعوب العربية، كي يقوموا بدورهم في حماية المسجد الأقصى المبارك". واستذكر حمامي فترة توليه إدارة المسجد الأقصى المبارك عام 1982م قائلًا: "رجال تلك المرحلة كانوا أساتذة في توضيح المواقف، أما اليوم فالمواقف تحتاج الى صلابة ودقة أكثر، فالأقصى في خطر ويجب أن تتحمل الأمة مسؤوليتها".

في زمن الحروب الصليبية كان الجندي الصليبي يتغنى بكون قدماه قد غاصت في دماء المسلمين"، ينهي الأستاذ جميل حمامي كلامه متفائلًا "ذهب هذا الجندي وذهب تاريخه الأسود، وبقي المسجد الأقصى بسدنته وحرّاسه وروّاده والمرابطين فيه. أنا على ثقة تامة أن نهاية هذا الاحتلال ستكون من بداية اعتداءاته على المسجد الأقصى. وسيكون المسجد الأقصى المبارك بإذن الله، كما عرفته الأجيال السابقة وتعرفه الأجيال الحالية وستعرفه الأجيال القادمة إن شاء الله؛ مسجدًا إسلاميًا خالصًا، ليس فيه لأحد سلطان ولا سيادة إلا للمسلمين. لأننا موعودون بهذا المسجد من الله".

عزمي دريني
2014/11/27

المصدر: مجلة البيان