هنيئًا لك يا صاحب القرآن

منذ 2014-12-04

أهل القرآن هم الذين يعملون به، وهم الذين يكون القرآن شافعًا لهم

قال صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها» (رواه أبو داود؛ برقم: 1464)، (الترمذي؛ برقم: 2914)، (وأحمد؛ برقم: 2/192-6799)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني في (صحيح الجامع؛ برقم: 8122).

قال الملا علي القاري: "يُقال عند دخول الجنة -وتوجه العاملين إلى مراتبهم على حسب مكاسبهم- لصاحب القرآن؛ أي من يلازمه بالتلاوة والعمل، لا من يقرؤه وهو يلعنه، (اقرأ وارتق)، أي إلى درجات الجنة، أو مراتب القرب، (ورتل) أي لا تستعجل في قراءتك في الجنة، التي هي لمجرد التلذذ والشهود الأكبر كعبادة الملائكة، (كما كنت ترتل) أي قراءتك، وفيه إشارة إلى أن الجزاء على وفق الأعمال كمية وكيفية، (في الدنيا) من تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف الناشئ عن علوم القرآن، ومعارف الفرقان، (فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)".

قال التوربشتي: "الصحبة للشيء الملازمة له، إنسانًا، أو حيوانًا، أو مكانًا، أو زمانًا، وتكون بالبدن، وهي الأصل، وبالعناية والهمة".

وصاحب القرآن هو ملازمه بالهمة والعناية، ويكون: ذا تارة بنحو حفظ وتلاوة، وتارة بتدبير وعمل.

فإن قلنا بالأول فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض، والمنزلة التي في الحديث ما يناله العبد من الكرامة على قدر منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير.

أو بالثاني وهو أتم الوجهين، وأحقهما، فالمراد بالدرجات سائرها، فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم، ثم من بعده على مراتبهم في الدين.

قال الخطابي: "جاء في الأَثَرِ أَنَّ عَدَدَ آي القُرْآنِ عَلَى قَدْرِ دَرَجِ الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لِلْقَارِىء: ارْقَ فِي الدَّرَجِ عَلَى قَدْرِ مَا كُنْتَ تَقْرَأُ مِنْ آي القُرْآنِ، فَمن اسْتَوْفَى قِرَاءَةَ جَمِيعِ القُرْآنِ اسْتَوْلَى عَلَى أقْصَى دَرَجِ الجَنَّةَ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ قَرَأَ جُزْءاً مِنْهُ كَانَ رُقِيُّهُ فِي الدَّرَجِ عَلَى قَدْرِ ذلِكَ، فَيَكُونُ مُنْتَهى الثَّوَابِ عِنْدَ مُنْتَهى القِرَاءَةِ" (الترغيب والترهيب: 2 /228، ومعالم السنن للخطابي).

وجاء في صحيح مسلم:

عن النواس بن سمعان قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةَ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ. تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ» وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ، مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ، بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا»، الحديث يدل على أن أهل القرآن هم الذين يعملون به، وهم الذين يكون القرآن شافعًا لهم.

وجاء في تحفة الأحوذي؛ "(يأتي القرآن) أي يوم القيامة، (وأهله) عطف على القرآن، (الذين يعملون به) دل على من قرأ ولم يعمل به لم يكن من أهل القرآن، ولا يكون شفيعًا لهم، بل يكون القرآن حجة عليهم" (تحفة الأحوذي؛ شرح سنن الترمذي: 8 /161).

- (كأنهما غمامتان أو ظلتان) أي سحابتان، (سوداوان) لكثافتهما، وارتكام البعض منهما على بعض، وذلك من المطلوب في الظلال، قيل إنما جعلنا كالظلتين لتكونا أخوف وأشد تعظيمًا في قلوب خصمائهما، لأن الخوف في الظلة أكثر، قال المظهر: "ويحتمل أن يكون لأجل اظلال قارئهما يوم القيامة، (بينهما شرق) أي ضوء ونور.

- (أو كأنهما حزقان) أي طائفتان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما.

- (تحاجان عن صاحبهما)، والمحاجة المخاصمة، وإظهار الحُجة، و(صاحبهما) هو المستكثر من قراءتهما، وظاهر الحديث أنهما يتجسمان، حتى يكونا كأحد هذه الثلاثة التي شبهها بها صلى الله عليه وسلّم، ثم يقدرهما الله سبحانه وتعالى على النطق بالحجة، وذلك غير مستبعد من قدرة القادر القوي، الذي يقول للشيء كن فيكون" (تحفة الأحوذي؛ شرح سنن الترمذي: 8 /161).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.