الهدي العلمي النبوي في العلم والعلماء
فالعلماء هم قادة الأمة نحو الطريق المستقيم، والحكم الحق، وأن الله لا ينتزع العلم، ولكن ينتزع العلماء حتى إذا لم يبق عالما أفتى الجهلاء فقادوا الناس بغير علم، فأضلوا وأضلوا وأهلكوا وهلكوا.
حديثنا اليوم عن الهدي العلمي النبوي في العلم، فالإسلام دين العلم وعلم المسلمون ذلك، فأولوا العلم النافع مكانة عالية، وقد حضرت العديد من المعارض الدولية للكتاب في البلاد الإسلامية، وكنت أرى العجب العجاب، أرى أطنانا من الكتب الإسلامية في كل قسم من أقسام المعرض ألفها أجدادنا وأسلافنا، فقلت في نفسي أمة بهذا المسلك هي أمة العلم، فلولا أن أسلافنا علموا أهمية العلم وحث الإسلام عليه ما رأينا هذا الكم الهائل من الكتب التي ألفها علماء وباحثون مسلمون، وكيف لا يكون هذا حال أمة قد حشد قرأنها ما يقرب من خمسين آية في تحريك العقل البشري من وهدة التقليد والتبلد كما حشد عشرات الآيات في ايقاظ الحواس من سمع وبصر ولمس، وعشرات أخرى في ايقاظ التفكير والتفقه فضلا عن طلب البرهان، بل إن القرآن الكريم أضاف حقيقة في غاية الأهمية هي أنه أطلق كلمة العلم على الدين كأنما يمزج بينهما في مرحلة العصر القرآني مزجا لا فكاك له، ومن ثم يغدو العلم والدين سواء في لغة القرآن حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- مخاطبا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم -: (ولئن اتبعت اهوائهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين)[البقرة (145)].
وقال -تعالى-: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)[ال عمران 61].
وقال -تعالى-: (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون)[الأعراف 52].
فالآيات تفيد أن ما أنزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم - من دين إنما هو العلم وأن القرآن مفصل على علم، وحسبنا أن نشير إلى أن كلمة علم بتصريفاتها المختلفة قد وردت في القرآن الكريم أكثر من سبعمائة وخمسين آية.
ومن الهدي العلمي النبوي لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم - ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة))[رواه مسلم].
فالعلم في الهدي النبوي طريق رضا الله والجنة والنعيم المقيم وهل غاية المسلم تتعدى ذلك؟
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))[متفق عليه].
وهذا الهدى العلمي النبوي يوضح أهمية العلماء، وأهمية العلميين للأمة.
فالعلماء هم قادة الأمة نحو الطريق المستقيم، والحكم الحق، وأن الله لا ينتزع العلم، ولكن ينتزع العلماء حتى إذا لم يبق عالما أفتى الجهلاء فقادوا الناس بغير علم، فأضلوا وأضلوا وأهلكوا وهلكوا.
والعالم -أخي المسلم-: هو الذي يخشى الله بعلمه وفي عمله وقوله، مصداقا لقول ربنا - سبحانه وتعالى -: (ألم ترى أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور))[فاطر 27-28].
فليس كل متعلم عالما، ولكن العالم هو الذي يخشى الله على علم، وقد ربطت الآية السابقة بين نزول الماء وإخراج الثمار والجبال والناس والدواب والأنعام وخشية الله تأكيدا على أهمية علوم المياه والنبات والأرض والناس والحيوان وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء، وهذا رابط علمي عظيم لمن يقسمون العلوم إلى علوم دينيه وعلوم طبيعية أو دنيوية، فلا يوجد في الإسلام علم ديني وعلم دنيوي، ولكن في الإسلام علم نافع وعلم غير نافع، وإذا فقه المسلمون ذلك لعلموا أن علوم الحياة وعلوم الدين واحد علوم نافعة.
وأحب في هذا المقام أن أنبه إخوتي وزملائي في العلوم أننا نخطئ ونكتب عن الباحثين الكفرة والملحدين علماء فنقول لأبنائنا في كتبهم الدراسية العالم: "انشتين والعالم سارتر" وهكذا ولكن الأصح والأجدر أن نقول الباحث انيشتين والباحث لينيس والباحث ليفينهوك وهكذا لأن العالم في شرعنا والعالم في لغتنا من أوصله علمه إلى خشية الله وطاعته.
وللعلم والعلماء مكانة عالية في الإسلام؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله -تعالى- وما والاه وعالما أو متعلما))[رواه الترمذي وقال حديث حسن].
ومعنى الحديث: أن الدنيا مذمومة لا يحمد مما فيها إلا ذكر الله، وما يحبه الله من طاعته، واتباع أمره وتجنب نهيه، وعالم ومتعلم.
والمقصود بالعالم والمتعلم العلماء بالله الجامعون بين العلم النافع والعمل به، فيخرج الجهلاء وعالم لم يعمل بعلمه وعالم لم يتق الله بعلمه، ومن عمل بالعلم الفاسد المهلك للدين والبيئة والناس والكائنات الحية.
ولو فقهنا هذا الحديث لكان العلم هو سيد حياتنا فهل نحن أخي المسلم نسير على الهدى العلمي النبوي في العلم النافع أم أننا تحولنا الى حملة رخص تسمى بالشهادات العلمية وكثير من حملتها بعيدون عن الله وعن العلمية والعلم، وحتى أن معظم جامعاتنا أصبحت تتحدى من يعبدون الله ويلتزمون بشرعه ويعملون بتعاليم الله، وسمعنا عن جامعات تتحدى المحجبات وتمنع دخولهن المحاضرات وعن إبعاد المتدينين عن الجامعات والمدارس، وكأن العلم في نظر المسؤولين عن هذه التعاليم هو العلم المؤدي الى:
- البعد عن الدين والاختلاط والافساد. واذا كان المسلمون في العصر الحديث يقدرون العلم فما بالنا لم نعمل بعلمنا ولم ينفعنا علمنا ماذا صنع العلم في حياتنا؟
كان الأجدر بنا ونحن نعلم العلوم من مئات السنين أن نكون أول من صنع المفاعلات النووية وتعمقنا في الهندسة الوراثية وطبقنا التقنية الحيوية والهندسة النووية.
وكان يجب علينا أن سرنا على هدى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم - أن نكون علماء في الصناعة والزراعة والتجارة والاقتصاد والسياسة والأدب والدين فهل نحن فعلا كذلك؟
وإذا كنا كذلك فما بالنا لم نصنع دراجة ولا إطار سيارة ولا قلما نكتب له فالقلم الذي أكتب به الان والورق والحبر، وكذلك الماكينات التي ستطبع تلك الكلمات لم يصنع المسلمون فيها شيئا، وكذلك لم نصنع حاسوبا ولا مصباحا ولا مدفأة ولا مكيفا لتكييف الهواء، ولا مقعدا للتلاميذ ولا سبورة ولا كراسة ولا آلة طباعة ولا أجهزة تصوير ولا ملابس نلبسها ولا طعاما ناكله.. ولا.. ولا.. ولا.. ولا...
فهل هذه حال أقوام العلم عندهم عبادة وطلب العلم في دينهم فريضة على الذكر والأنثى وأول كلمة نزلت في قرانهم: (اقرأ) وللعلماء عندهم مكانة سامية.
أين الخلل في تربيتنا الإسلامية؟ وتربيتنا العلمية وما مظاهر هذا الخلل وما الأسباب؟ وما المخرج؟.
هذا موضوع مقال قادم بإذن الله تحت عنوان: "أين الخلل في تربيتنا الإسلامية؟".
وإلى اللقاء بإذن الله مع الهدى العلمي النبوي.
نظمي خليل أبو العطا موسى
- التصنيف:
- المصدر: