ثقافة فقاعة الصابون
يا حسرةً على (أمةٍ) لا تستحق كلمة (أمة).. يا حسرة على (أمةٍ) مفككة الأوصال تكاد تحتضر ولا تتألم! لأنها فقدت الإحساس الداخلي الذي يصل أعضاءَ جسدِها ببعض ليشعر كلُ عضو بأخيه في صحته ومرضه، في برئِهِ وجرحهِ!
مأساة (أمةٍ) كانت أمةً..
نحن المسلمين أناسٌ عاطفيون تتأجج عواطفنا بسرعة فائقة مع قضايا بني جلدتنا ومآسيهم في كل مكان على هذا الكوكب، فيقدم غالبنا كل ما هو عاطفي للتفاعل مع كل ما هو واقعي مادي ملموس! فنتوهم أننا ننقذ المكلوم الحقيقى بعاطفةٍ لامعةٍ هشةٍ منعدمةِ الاتجاه الذاتي كفقاعةِ الصابون، تذهب بها رياح الإعلام العاتية وتيار بعض الفتاوى الدينية المُسَيْسَة إلى حيث يريدها أعداؤها، ثم ما تلبث بعد انتهاء تركيز الإعلام على المأساة بلويحظات قليلة أن تتفجر الفقاعة ونعود أدراجنا جسدًا متقطعَ الأوصالِ باردًا كالثلج.
وياللعجب، إن هذا يحدث بالرغم من أن المأساة مازالت موجودة، إلا أن الإعلام قد سلط الضوء على قضية أخرى فتسير عقولنا كالقطيع مع ضوء الإعلام إلى قضيته الجديدة!! فنثبت في كل مأساة أننا أبعد ما نكون عن صفة الجسد الواحد النابض بالحياة ودفئها، الذي إذا اشتكى منه عضو ظل باقي أعضائه متألمًا ومساعدًا للعضو المشتكي حتى تزول شكواه أو يموت الجسد جميعه حياً بشرف التعاون كما أوصانا دينُنا الحنيف.
والحق يُقال فالقليل منا يتفاعل بجدٍ بأفعال حقيقية ملموسة على مستوى المأساة ويقدم مساعدةً عملية لا تخلو من عاطفةٍ إيجابية، عاطفةٍ مؤججةٍ للعمل الفعال وموجهةٍ له نحو الاتجاه الصحيح. ولكن تُرى هل هذه الفئة القليلة تستمر في متابعة المأساة حتى بعد انطفاء أضواء الإعلام من عليها؟ للأسف، غالب من يتعاملون بجدٍ مع المأساة تنطفئ حرارةُ تفاعلِهم وتنكمش فقاعتهم، الأكثر قوة من فقاعة أهل طغيان العاطفة، مع انطفاء أضواء الإعلام من على المأساة!! فتندثر بدلًا من أن تنفجر في الحالة الأولى!!
الواقع الأليم
إذن فغالب كلا الفريقين الهازل والجاد تعود أن يكون دميةً في يد الإعلام (والذي يسيطر عليه على المستوى العالمي حفنةٌ من الصهاينة)، يوجه اهتمامه حيث يشاء، تعود أن يكون جهده بل ومشاعره كفقاعة صابون، إما أن تنفجر عند كونها عاطفية لامعة هشة، أو تندثر وتصغر عندما تكون عملية قوية، وذلك يحدث غالبًا بتحول أضواء الإعلام المبهرة من على المأساة وتحول معها أنظار المسلمين واهتماماتهم إلى بقعة الضوء في مكانها الجديد وكأن شيئًا لم يكن!!
فقاعة الصابون، هل تذكرون هذه الأمثلة؟
والأمثلة على ثقافة فقاعة الصابون كثيرة فهل نذكر أو نحمل همًا الآن لقضايا طالما تفاعلنا معها بقوة عندما كانت في بدايتها وكنا نأخذ حرارة حماسنا من حرارة أضواء الإعلام؟ على سبيل المثال لا الحصر، أين قضايا البوسنة والهرسك والشيشان وكشمير واحتلال أفغانستان والعراق؟ هل نعلم عن هذه القضايا شيئًا مذكورًا الآن أو إلى أين انتهى بها حالُها في زماننا؟ أين نحن من محرقة غزة المُحاصرة الآن؟ هل مازلنا نهتم بشأنهم أم أن اهتمامنا انحسر مع انحسار الإعلام العالمي وأضوائه عن أهلنا في غزة ليتركهم، ونتركهم!، يموتون موتًا بطيئاً في الظلام حيث لا ضوء للإعلام ولا نور للمسلمين موجه على جرحهم العميق الذي مازال ينزف!
لقد ارتبط نورنا الذي نرى به حدثًا مأساويًا مثل محرقة غزة بضوء الإعلام ووهجه وكأننا لسنا بمالكينَ نورًا ذاتيًا نستطيع أن نستمر به على درب الحق والحقيقة، درب التكافل مع باقي جسدنا والذب عنه ومداواته حتى يبرأ.
يا حسرةً على (أمةٍ) لا تستحق كلمة (أمة).. يا حسرة على (أمةٍ) مفككة الأوصال تكاد تحتضر ولا تتألم! لأنها فقدت الإحساس الداخلي الذي يصل أعضاءَ جسدِها ببعض ليشعر كلُ عضو بأخيه في صحته ومرضه، في برئِهِ وجرحهِ!
كيف الخلاص من ثقافة وسلوك الفقاعة؟
1. تقوية شعور الأخوة في الله ونبذ التفرق القومي النتن.
2. الاهتمام الحقيقي المبني على العقل أولًا والعاطفة الإيجابية الحاضة على العمل ثانيًا.
3. تبني ثقافة قليل دائم خير من كثير منقطع.
4. استقلال الفكر وعدم الاعتماد الكلي على مصدر إعلامي وحيد بل الواجب هو استمرار المتابعة من مصادر معلوماتية شتى وذلك لسبر غور الحقيقة.
5. عدم الاستجابة للمحاولات الدؤوبة لتشكيل عقول المسلمين كما يريد أعداؤهم وذلك بعرض كل ما يجدونه في طريقهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم ونور عقلهم الذي اقتبسوه من كونهم مسلمين، فإن كان موافقًا فمرحبًا وإن كان مخالفًا فلنلقهِ خلف ظهورنا.
6. كتابة قائمة بقضايا الأمة ومعرفة كل شئ عنها باستمرار كواجب إسلامي، ثم العمل على التفاعل الحقيقي معها كفرض إسلامي.
7. السعي الدائم لإعادة وحدة المسلمين وإقامة دولتهم من جديد حتى تلتئم أوصال جسد أمتهم التى كادت أن تموت لولا قدر الله بعدم فناء الإسلام مهما كاد له أعداؤه وتخاذل عنه أبناؤه!
والله أعلم.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف:
- المصدر: