نحتاج إلى هذا الرباني

منذ 2015-02-03

فالرباني -أيها الأحبة- هو العالم العامل المعلم الفقيه البصير بحال الناس، قال ابن قتيبة: "واحدهم رباني، وهم العلماء المعلمون".

قال أعرابي لأهل البصرة: "من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم" (جامع العلوم والحكم؛ لابن رجب:2/206).

من هو الرباني:

لخص الباحث أبو عبد الله النايلي تعريف الرباني وفصل في صفاته بطريقة بديعة فقال:

قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].

وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة:44].

وقال تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63].

فمن تدبر هذه الآيات وجد:

أن الله ربط بين العالم الرباني ودارسة الكتاب والسنة، وصف الرباني بأنه استحفظ كتاب الله، وكان عليه شهيدًا، وصف الرباني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

فالرباني -أيها الأحبة- هو العالم العامل المعلم الفقيه البصير بحال الناس، قال ابن قتيبة: "واحدهم رباني، وهم العلماء المعلمون".

(زاد المسير؛لابن الجوزي:1/413).

قال البخاري في صحيحه؛ برقم:1/160: "الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره".

قال العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "الربانيين أي العلماء العاملين المعلمين الذين يربون الناس بأحسن تربية ويسلكون معهم مسلك الأنبياء".

(تفسير السعدي؛ ص:232).

قال ابن القيم عند قوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء»: "وفيه تنبيه لأهل العلم على تربية الأمة كما يربي الوالد ولده، فيربونهم بالتدريج و الترقي من صغار العلم إلى كباره، وتحميلهم منه ما يطيقون، كما يفعل الأب بولده في إيصال الغذاء إليه".

(مفتاح دار السعادة:1/69).

ومن سنن الله عز وجل الكونية، أن العلم مع مرور الزمان يقل، ويفشو الجهل، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري برقم:100) (ومسلم برقم:2773)،واللفظ له، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».

قال القاضي عياض (ت544هـ): "قد وجد ذلك في زماننا كما أخبر به عليه الصلاة و السلام"، قال الشيخ قطب الدين (ت735هـ) قلت: "هذا قوله مع توفر العلماء في زمانه، فكيف بزماننا؟"، قال العيني (ت 855هـ): "هذا قوله مع كثرة الفقهاء والعلماء من المذاهب الأربعة، والمحدثين الكبار في زمانه، فكيف بزماننا الذي خلت البلاد عنهم، وتصدر الجهال بالإفتاء، والتعين في المجالس، والتدريس في المدارس؟!، فنسأل الله السلامة و العافية

(عمدة القاري؛ للعيني:2/83).

قال الإمام مالك: "بكى ربيعة يومًا بكاءً شديدًا، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: لا! ولكن استفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم".

(الباعث على إنكار البدع؛ لأبي شامة،ص:175).

هذا كلام هؤلاء الأئمة الأعلام في زمانهم! حيث كان العلم منتشرًا، والعلماء متوافرون، فكيف نعبر عن حالنا في هذا الزمان، وماذا نقول عنه؟ حيث قل فيه مثيل العالم الرباني، وعز وجوده، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فلهذا علينا أيها الكرام الحرص على معرفة صفات العالم الرباني الراسخ في العلم؛ للرجوع إليه، والأخذ بأقواله، فيكون لنا بذلك النجاة، والثبات على الحق بإذن الله.

وإليكم أيها الأحبة بعض صفاته:

1/ تقوى الله، وخشيته في السر والعلانية، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} [فاطر:28]، ومن خشيته سبحانه عمل العالم بمقتضى علمه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنما العلم خشية الله".

(جامع بيان العلم وفضله:1/106).

2/ استقامته على المنهج القويم؛ منهج أهل السنة والجماعة، وهدي السلف الصالح، عقيدة صحيحة بالدعوة للتوحيد، والتحذير من الشرك والبدع وأهلها، وعملًا وأخلاقًا، فله في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلفه الصالح رضوان الله عليهم أسوة حسنة.

3/ زهده في الدنيا، وعدم الاغترار بالمناصب العالية، ولا يهوى الرياسة الفانية، فهذا الإمام أحمد رحمه الله ، "عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضيين ما كان أشبهه، أتته البدع فنفاها، والدنيا فأباها".

(طبقات الحنابلة؛ لأبي يعلى:1/10).

ويعرف العالم الرباني بثباته في الفتن المضلة، ورسوخ قدمه في مواطن الشبهات، حين تضل الأفهام، وتزل الأقدام، قال ابن القيم رحمه الله: "الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكًا، لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم، وجيشه مغلولة مغلوبة".

(مفتاح دار السعادة:1/140).

فالحذر كل الحذر أيها القراء الكرام من أهل السوء والجهل، الذين يرمون علمائنا الربانيين بعدم فقه الواقع، والقضايا العصرية، والله المستعان، فيا سبحان الله! كيف يجهل حملة الشريعة، وورثة الأنبياء فقه الواقع! ثم يدركه هؤلاء! ولكن إذا عرف السبب بطل العجب! فهؤلاء القوم أرادوا بهذه الشبهة صرف الناس زمن الفتن عن العلماء، وفقد الثقة بهم ليخلوا الجو لهم في توجيهم وفق ما يريدون! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.