لم نك ملائكة ولسنا شياطين

منذ 2015-09-05

الحقيقة أن كل شخص متدين هو إنسان عادي فيه الضعف الإنساني ومن الطبيعي أن تصدر عنه أخطاء إنسانية فهو ليس ملاكًا وهي ليست ملاكاً.

بعد الثورات العربية الأخيرة التي أفرزت عن فوز الإسلاميين ثم الانقلاب عليهم وتشويههم في معظم بلاد ما سمي بالربيع العربي، تم التهويل في تشويه الإسلاميين والمبالغة في عقابهم وحربهم بما أخل من أولويات البراء في قلوب الجماهير، فتحول العداء والبراء العربي من اليهود إلى الإسلاميين بسبب التهويل الإعلامي المبالغ فيه والموجه لهذا الغرض الواضح والممول من الحركة الصهيوصليبية بجانب أصحاب المصالح والمفسدين من الداخل.

زكى هذه النار المستعرة عدم استعداد الحركات الإسلامية التي تقدمت الركب وأعلنت عن نفسها وعدم اكتمال جاهزيتها لاستلام مقاليد الحكم بجانب أخطاء قادتها وأعضاءها المتوارثة والمبنية في غالبيتها على التعصب للحركة أو الجماعة والولاء لهم أكثر من غيرهم من سائر أبناء الأمة حتى لو كان هذا الغير هو الأكفأ .

الإسلاميون الذين يحاربون ويشوهون اليوم بشتى أشكالهم وإن كانت الذريعة (حرب الإخوان) أو حتى (محاربة داعش) هؤلاء الإسلاميون في مجموعهم لم يخرجوا من أمة أخرى غير الأمة ولا بيوت غير بيوتها ولا أسر من الفضاء، وإنما هم من نسيج الأمة، تحملوا في سبيل الاحتفاظ بتعاليم دينهم ضغط الحكومات الظالمة المتوالية على شتى الأقطار الإسلامية، فلما قامت على هذه الحكومات ثورات وتم إزالتها تنفس الإسلاميون وبدؤوا في التعبير عن أنفسهم في ظل حرية كانت مرتقبة على أحر من الجمر، وهنا ظهرت الطامة: وهي أن الإسلاميين أنفسهم ليسوا أصحاب فكر موحد، بل هم حركات وجماعات وأحزاب شتى، أضعفتهم الولاءات المتعددة المنحصرة في كل جماعة أو حزب أو حتى (شيخ).

فلما قامت انتخابات نزيهة وقفت الشعوب في البداية خلف التيارات الإسلامية التي تقدمت لتقود الركب، ولما أمسكوا بزمام الأمور لم تكن لديهم الخبرة والدراية الكافية بما ينتظرهم من مكائد وبما يطوي أعداء الداخل قبل الخارج من مكر ودسائس، ولم يكن لديهم ما يقابلون به هذا المكر ولم يكن لديهم ما يكفي للتطهير الحقيقي للمؤسسات فكانت النتيجة الطبيعية أن تكمن لهم رؤوس الفساد الصغيرة وتتعاون مع أعداء الخارج لتطبق على الإسلاميين الخناق ثم تفتعل المشاكل الداخلية، وتضخم منها لتهيج الشعوب على الإسلاميين بكل حركاتهم وتياراتهم ثم تسقطهم، ثم تبالغ في عقابهم بتهمة الفشل حتى لا تقم لهم قائمة وحتى يضمن القوم عدم وجود من يحاول تطهير الفساد مرة أخرى. وتم استغلال الإعلام الموجه أسوء استغلال ليضمن أن يتختنق أبناء التيار الإسلامي بإيدي الشعوب نفسها داخلياً فأمسوا يعاملونهم معاملة الشياطين بعد أن كانوا يعاملونهم معاملة الملائكة قبل تلك الثورات.

قبل الثورات كان الشاب أو الشابة المتمسك بدينه يعامل معاملة خاصة فكل خطأ من أخطاءه محسوب عليه بل وعلى كل الملتزمين (إن صح هذا التعبير، أقصد الملتزمين).

فمن الطبيعي أن ترى شخصًا يخرج عن شعوره لأمر عارض، أما أن يصدر هذا عن شخص ملتحي مثلاً فهذا غير مقبول وتجد دائما رد الفعل المتبادر (إيه  يا عم الشيخ) وكأنه ملك من الملائكة، ثم تبدأ سيمفونية العزف المعروفة (هكذا كل الملتحين ...آدي المشايخ يا عم ...شوف الملتزمين بيعملوا إيه).

وفي نفس السياق: لو حدث خطأ من فتاة ملتزمة (خاصة المنتقبات) تجد نفس السيمفونية (آدي يا عم المنتقبات ...النقاب يخفي وراءه .....إلخ) بينما نفس التصرف لفتاة لا تلبس الحجاب يمر مر الكرام وكأنها لم تفعل شيئًا بل في الغالب يتدخل الغيورون للدفاع عنها لترى شجاعتهم وإقدامهم (عسى أن ينالوا الإعجاب).

والحقيقة أن كل شخص متدين هو إنسان عادي فيه الضعف الإنساني ومن الطبيعي أن تصدر عنه أخطاء إنسانية فهو ليس ملاكًا وهي ليست ملاكاً.

كما أنهم أيضًا ليسوا شياطين بسبب عدم قدرتهم على مواجهة الفساد المتجذر في الأمة ...وإنما هم يحتاجون لمن ينصح ويتكامل معهم.

فالحقيقة كلنا ذووا خطأ وكلنا ينقصنا ما عند بعضنا وكلنا يجب أن يتكامل مع بعض، لن تقوم دولة الإسلام ولن يتم إصلاح بلا تكامل وتعاون واستعانة بالكفاءات دون تمييز ودون تعصب لجماعتي أو حزبي أوشيخي. فنسيج الأمة  واحد، وكلنا نحتاج لمن يسد خللنا وكلنا تظلنا راية واحدة هي راية الإسلام، فقط نحتاج لم يجمعنا تحت هذه الراية بحكمة ورفق وحزم في غير بطش.

والله المستعان.

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.