التوكل على الله
ونفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ} [آل عمران: 173 – 174].
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالتوكل على الله وتفويض الأمر إليه سبحانه، وتعلق القلوب به جل وعلا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب ويندفع بها المكروه، وتقضى الحاجات، وكلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق، وهذا هو حال جميع الأنبياء والمرسلين، ففي قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – لما قذف في النار روى أنه أتاه جبريل، يقول: ألك حاجة ؟ قال: "أما لك فلا وأما إلى الله فحسبي الله ونعم الوكيل" فكانت النار برداً وسلاماً عليه، ومن المعلوم أن جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بطرف جناحه، ولكن ما تعلق قلب إبراهيم – عليه السلام – بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر.
ونفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ} [آل عمران: 173 – 174].
و لما توجه نبي الله موسى – عليه السلام – تلقاء مدين ( {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص : 23 – 24] " أوقع حاجته بالله فما شقي ولا خاب، و تذكر كتب التفسير أنه كان ضاوياً، خاوي البطن، لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال، وحاجة الإنسان لا تقتصر على الطعام فحسب، فلما أظهر فقره لله، ولجأ إليه سبحانه بالدعاء، وعلق قلبه به جل في علاه ما تخلفت الإجابة، يقول تعالى: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ} [القصص: 25]، وكان هذا الزواج المبارك من ابنة شعيب، ونفس الأمر يتكرر من نبي الله موسى، فالتوكل سمة بارزة في حياة الأنبياء – عليهم السلام – لما سار نبي الله موسى ومن آمن معه حذو البحر، أتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً، فكان البحر أمامهم و فرعون خلفهم، أي إنها هلكة محققة، ولذلك قالت بنو إسرائيل: إنا لمدركون، قال نبى الله موسى : (كلا إن معي ربى سيهدين) قال العلماء : ما كاد يفرغ منها إلا و أُمر أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، فكان في ذلك نجاة موسى ومن آمن معه، وهلكة فرعون وجنوده، ولذلك قيل : فوض الأمر إلينا نحن أولى بك منك، إنها كلمة الواثق المطمئن بوعد الله، الذي يعلم كفاية الله لخلقه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} [الزمر : 36].
التوكل والتواكل: قد تنخرق الأسباب للمتوكلين على الله، فالنار صارت برداً وسلاماً على إبراهيم، والبحر الذي هو مكمن الخوف صار سبب نجاة موسى ومن آمن معه، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول والطول أو الركون إلى الأسباب، فخالق الأسباب قادر على تعطليها، و شبيه بما حدث من نبى الله موسى ما كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة، عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه - : لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « »، وهذا الذي عناه سبحانه بقوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة : 40].
والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله وسلامه عليه - في يوم الهجرة وغيره، إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع، والاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد، وقد فسر العلماء التوكل فقالوا : ليكن عملك هنا و نظرك في السماء، وفي الحديث عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال : قال رجل : يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل ؟ قال : "اعقلها وتوكل" رواه الترمذي وحسنه الألباني، وأما عدم السعي فليس من التوكل في شيء، وإنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوكل على الله يحرص عليه الكبار والصغار والرجال والنساء، يحكى أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فرأى غلاماً يطيل الصلاة، فلما فرغ قال له : ابن من أنت؟ فقال الغلام : أنا يتيم الأبوين، قال له الرجل : أما تتخذني أباً لك، قال الغلام : وهل إن جعت تطعمني ؟ قال له : نعم، قال : وهل إن عريت تكسوني؟ قال له : نعم ، قال : وهل إن مرضت تشفيني؟ قال: هذا ليس إلي، قال : وهل إن مت تحييني، قال : هذا ليس إلى أحد من الخلق، قال : فخلني للذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، قال الرجل : آمنت بالله، من توكل على الله كفاه. وفي قصة الرجل الذي كان يعبد صنماً في البحر، والتي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى وإن كان حديث العهد بالتدين، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً ودفعوه إليه، قال : سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته، وكأنه لما أسلم وجهه لله طرح المخلوقين من حساباته، فغنيهم فقير، وكلهم ضعيف وكيف يتوكل ميت على ميت : {وتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده} [الفرقان: 58].
وفي الحديث :" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم :" اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ". رواه البخاري ومسلم وكان يقول : "اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت و بك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون ". رواه مسلم، وكان لا يتطير من شئ صلوات الله و سلامه عليه، و أخذ بيد رجل مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال : "كُلْ ثقةً بالله و توكلا عليه " رواه أبو داود و ابن ماجة.
التوكل على الله نصف الدين:
ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله عز و جل مع أخذهم بالأسباب الشرعية ، فالتوكل كما قال ابن القيم: نصف الدين و النصف الثانى الإنابة ، فإن الدين استعانة و عبادة ، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة ، و قال أيضاً : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم ، و قال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان ، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون و يقولون : نحن المتوكلون ، فإن قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى: )وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( " سورة البقرة : 197 " وروي أن نبي الله موسى – عليه السلام – كان يقول : اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان ، و بك المستغاث و عليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . عباد الله إن الله هو الوكيل، الذي يتوكل عليه، و تفوض الأمور إليه ليأتي بالخير ويدفع الشر.
من أسماء الرسول: المتوكل:
و من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم "المتوكل" كما في الحديث: «الصبر على ما كان يكره، و صدق اعتماد قلبه على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والأخرة و كلة الأمور كلها إليه، و تحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه، ولكم في نبيكم أسوة حسنة وقدوة طيبة، فلابد من الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس، وأن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، وإلا فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه وتوكل عليه فلم يكفه، أووثق به فلم ينجه؟ إن العبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه، وبسبب سوء ظنه، وفي الحديث: « »، والجزاء من جنس العمل، فأحسنوا الظن بربكم وتوكلوا عليه تفلحوا، فإن الله يحب المتوكلين.
». وإنما قيل له ذلك لقناعته باليسير وو آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سعيد عبد العظيم
من مشاهير الدعاة في مصر - الاسكندرية.
- التصنيف:
- المصدر: