أعداء النجاح
حن لا نتقدم للأمام بل نتراجع للوراء، ولكننا ما زلنا نحمل طاقة مشرقة من الأمل والتفاؤل بوجود نُخَب تمتلك من التحدي والعزيمة ما يسمح لها بتحقيق النجاح..
الناس يتصرفون وِفق ما اعتادوا عليه، ونشؤوا وترعرعوا وشبُّوا عليه..
هم أبناء واقعهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، وهم أبناء التقاليد والأعراف والقوانين والدساتير التي تحكمهم، ففي الغرب تجد واقعًا مختلفًا عن الشرق، فهم يعلِّمون أبناءهم ويغرسون في قلوبهم قيم النجاح، حتى يشِبُّوا ويترعرعوا على حبِّه منذ الصِّغر، ويوفِّرون لهم كل أسباب التفوُّق ووسائل الارتقاء بمؤهِّلاتهم وكفائاتهم العلمية والمهنية، ويمهِّدون لهم الطريق الشاق فيصير يسيرًا، ويزيحون عن كاهلهم كل المشاق ويخفِّفون عنهم ما يواجهونه من الشدائد والصِّعاب حتى يتحرَّكوا نحو أهدافهم بخطواتٍ سريعة..
ويحقِّقوا أحلامهم في زمانها ومكانها، بل ويمنحونهم الإحساس الجميل بلذَّة الانتصار على الفشل، ولذَّة الاستمتاع بشعور المدح، والافتخار بإنجازاتهم، والاعتزاز بأعمالهم، والثَّناء على ما حقَّقوه خلال مراحل حياتهم، حتى ولو كان الحصاد ضئيلاً أو دون المستوى المطلوب.. ولهذا لا يثنيهم عن إدراك غاياتهم مثبِّطات، ولا يقف في طريقهم حواجز تمنعهم من التقدم، لأنهم يشعرون من داخلهم بالثقة الكافية التي تسمح لهم بالاختيار واتخاذ القرار الصحيح..
أما في الشرق فنحن نمتلك ثروة عظيمة، ودين عظيم يحثُّ على النجاح، ويمنح الأفراد وطبقات الأمة الواحدة على اختلاف ألوانها وأجناسها وشعوبها القوة الكامنة في القلم، والتي تجمعها كلمة "اقرأ"، والتي تحتوي في معناها اكتساب العلوم والمعارف، ثم القوة المادية في مواجهة العدو وردع أهل الغي، والدفاع عن الدين والعرض، والحق والواجب، والمِلك العام والخاص، والتي تجمعها كلمة "الحديد"، والتي تحتوي في معناها قوة التحدي والصمود، ثم قوة الرباط ووحدة الأمة في الاختيار واتخاذ القرار لمواجهة الفتن، وإيجاد الحلول وتنظيم الحياة العامة والخاصة والتي تجمعها كلمة "الشورى"، والتي تحتوي في معناها التكافل لتحقيق الغاية الواحدة..
إلا أننا لم نتخلص بعد من ذاك القصور التربوي والتعليمي في تنشئة الأبناء، وما زال الآباء يمارسون في النظام التربوي سلطة التحكُّم والتسلُّط، وفرض الرأي الواحد، وإلغاء الحوار والنقاش والاعتراض على الأوامر، فينشأ الأبناء بوهم يحملون بداخلهم شعورًا بالقيد لا يفارقهم، وشعورًا بالخوف والضعف وعدم الثقة بالنفس.. ولهذا يصنعون جيلاً عاجزًا عن التقدم إلى الأمام، لأنهم تعوَّدوا على أن لا يتحركوا إلا بهاجِس العصا التي تنهال عليهم من الخلف..!
ولأنهم تعوَّدوا على تسفيه أحلامهم، واحتقار طموحاتهم وتطلُّعاتهم، ووأدها في مهدها، والسير بخطى بطيئة، وأن لا يتعلقوا بأكثر من أسباب العيش البسيط، وتحقيق الأحلام التي لا تتجاوز موطئ أقدامهم، حتى إذا شبُّوا تملَّكهم الشُّعور بالضَّعف والهزيمة والانكسار.. ويظل القيد يجر أعناقهم، وأعداء النجاح يمارسون سلطة الاستعباد، بدءًا من البيت ثم المدرسة، والجامعة، وانتقالاً إلى بقية فئات المجتمع على اختلاف امتداد سلطتهم وحدَّتها وآثارها السلبية..
ومن نجا منهم وأدرك شيئًا من حطام الدنيا وأسباب النجاح يظل شعوره مقيدًا، ويأخذ له صورًا أخرى في إشاعة ظاهرة الفشل، فيصبح نسخة مكررة لشخصيىة تمارس الاضطهاد، ويتحول الشعور بالخوف وعدم الثقة بالنفس إلى نوع من الخوف على الممتلكات وحصاد سنوات العمر، ويتعامل من كان في السابق ضعيفًا بمنطق الأقوى مع الأضعف منه، يخشى على ما أدركه وحققه بحياته أن ينافسه فيه أحد، أو ينتزع منه أحلامه، أو يقاسمه أسباب رزقه، فيبعده أو يعاديه أو يحاربه..
ولهذا نحن لا نتقدم للأمام بل نتراجع للوراء، ولكننا ما زلنا نحمل طاقة مشرقة من الأمل والتفاؤل بوجود نُخَب تمتلك من التحدي والعزيمة ما يسمح لها بتحقيق النجاح..
صفية الودغيري
كاتبة إسلامية حاصلة على دكتوراه في الآداب - شعبة الدراسات الإسلامية.
- التصنيف: