العقيدة عابرة للأوطان
لم يأمر تعالى أن ينحبس العبد في وطن يحارب عقيدته ويهين دينه، ولم يأذن تعالى للمسلم أن يتنازل عن عقيدته ليتميع أمر العقيدة في سبيل توافقه مع أحد، بل العقيدة أغلى من كل شيء، وهي الرقم الأول وهي الشأن العظيم والشغل الشاغل الذي يهم المسلم، باحثًا عن إقامتها وحمايتها، ويهاجر في سبيلها..
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
إن الله يأمر من استجاب له من عبيده وهم: {الَّذِينَ آَمَنُوا} فصدقوا وانقادوا وارتضوا إقامة حياتهم وفق المنهج المنزل من السماء لا غيره، أمرهم أن يتقوه، والتقوى هي غاية الخلق، هنا يذكر تعالى تقواه، ويذكر في محل آخر تقوى عذابه.
التكليف هو أن تكون خشية إغضاب الله تعالى والإلقاء في عذابه هو الشغل الشاغل للمؤمن، خشية تعلو على ما سواها.. والتقوى هي: "تلك الحساسية في القلب، والتطلع إلى اللّه في حذر وخشية، وفي رجاء وطمع، ومراقبة غضبه ورضاه في توفز وإرهاف.. إنها تلك الصورة الوضيئة المشرقة، التي رسمتها الآية السابقة لذلك الصنف الخاشع القانت من عباد اللّه" (الظلال)، ثم وعد المحسنين بإحسان مقابل، لكن لا يتشابهان فهذا إحسان العبد والآخر إحسان رب العالمين، إحسان لا يحده إلا خالقه.
ثم نص تعالى على سعة أرضه منبهًا إلى الهجرة في حال ضاقت الأرض عن القيام بالدين وإقامة العقيدة.
إن الوطن ليس حاجزًا عن العقيدة، ولا يرجح عليها، ولا يقدَس في مقابلها كما يقول المغرضون الكذابون، بل يوضع الوطن حيث وضعته العقيدة، ويأخذ منها قيمته، ويُنظر إليه من خلالها.. فالعقيدة عابرة للأوطان، فالإنسان يحب وطنه الذي ألفه، لكن الرقم الأول في حياة وانتماء المسلم يكون لعقيدته، ثم للوطن الذي يحمل هذه العقيدة..
لم يأمر تعالى أن ينحبس العبد في وطن يحارب عقيدته ويهين دينه، ولم يأذن تعالى للمسلم أن يتنازل عن عقيدته ليتميع أمر العقيدة في سبيل توافقه مع أحد، بل العقيدة أغلى من كل شيء، وهي الرقم الأول وهي الشأن العظيم والشغل الشاغل الذي يهم المسلم، باحثًا عن إقامتها وحمايتها، ويهاجر في سبيلها.. ففي هذا الإطار توضع الأوطان وقيمتها، حيث توضع في المحل الذي تضعه فيه العقيدة.
ثم وعد تعالى الصابرين بأجر عظيم {بِغَيْرِ حِسَابٍ} لأن هناك في الطريق أحداث وأحداث، وتقلبات وعقبات، تستلزم التضحية، ولا بد من الصبر، وقد وعد تعالى عليه أجرا بغير حساب.
إن المسلم لا يخدَّر ليترك عقيدته، ويترك في الوقت نفسه وطنه ليعبث به أصحاب الديانات والمذاهب والأيديولوجيات العابثة، ليختطفوه باسم محبته ويقيموا عليه باطلهم، إنما الوطن محل الصراع ليقام عليه دين الله وتحفظ حوزته والحيلولة دون اختطافه من أهل الباطل..
في البداية العقيدة، وفي الطريق وعلى وفقها يكون السبيل والمنهج، وتحقيقها هو الغاية، والوطن محل تحقيقها، بل جميع الأوطان.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: