دور أهل التضليل
القوة في الإسلام لها هو دور مكافئ وواقعي وجاد في مقابل: باطل يتترس بالقوة وينشئ أوضاعًا باطلة وفاسدة وظالمة ويحميها ويسمح للمجرمين أن يضللوا الخلق فيهلك من هلك.. لكن حسبنا الله.
قال أحد المذيعين أنه يجب إلغاء الخلافات الدينية، وأنها أمور انتهت وأن الحقيقة بين التوحيد في الإسلام والشرك في المسيحية واحدة، والخلاف شكلي، وأن الله يقول (اللي عاوز يعبدني يعبدني واللى مش عايز خلاص براحته) ثم استدل هذا الأحمق المجرم الذي يقصد الاستهتار بالدين، يستدل بقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة:134]، وهو وغيره يستدلون بقوله تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]. ولهذا نقول:
1) أننا منذ محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة أمة واحدة، ولم تخل بعد، وإنما الأمة التي قد خلت هم بنو إسرائيل.
2) أن قوله: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] هو على سبيل الوعيد لا الإباحة، وإلا استلزم أن الله تعالى يبيح الكفر به، ومن قال أن الكفر مباح فقد كفر.
3) مما يبين أكثر أن هذه الآية على سبيل الوعيد هي الجملة التالية لها والمتصلة بها {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا...} الآية.
4) وكذا ما ذكر تعالى في مواطن أخرى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} فليس إباحة بل وعيد وتهديد فقال بعدها {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40]، ثم أتبعها بوعيد مجهول عظيم القدر فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:41]، ولم يذكر تعالى خبر الوعيد بل عظّم متعلق الكفر فذكر عظم مكانة الكتاب الذي كفروا به للدلالة على عظم الجريمة وما تستلزمها من عظم العقوبة وشدتها.
5) ومن قال أن هذا وعيد أخروي، وأما الدنيوي فلم يرِد، فنقول أن عدم ذكره هنا ليس لنفي العقوبة الدنيوية والتعامل الشرعي مع من كفر، وإنما سكت هنا عن بيانه كمرحلة، فعدم الذكر ليس إثباتًا للعدم، بل الحكم مذكور في آيات أخرى ذكرت ضوابط التعامل من الجهاد بأنواعه وغيره بأحكام تفصيلية، وتفصيل النظام الإسلامي وتعامله مع العقائد المخالفة بضوابط محددة، والمقصود بهذا الأمر أن تعلو كلمة الله ومنهجه وأن من يحتفظ بعقيدته يحتفظ بها في ظل منهج رب العالمين وسيادة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والثقافي والفكري والفني الإسلامي، وألا يمكّن أهل الباطل من إقامة باطلهم وظلمهم وتضليل الناس.
6) أن هذا بيان لحقيقة الانقلاب وعناصره، فكما أن هناك عناصر تريد الفساد وهو أهم أغراضها، فثمة آخرون ذوو أحقاد يريدون تغييب الإسلام من منطلق تغريبي أو إباحي أو إلحادي أو طائفي أو غيره.
وأن قومًا ملأى صدورهم بسموم حاقدة على هذا الدين، جندت نفسها ووظفت جهدها في حربه وتتبُع أهله وطمس مفاهيمه.. هكذا سولت لهم نفوسهم المريضة.
7) ودور العسكر هنا هو استعمال القوة بحرب القوى الإسلامية وإبادتها وإغلاق سبل التوعية والفضائيات ذات التوجه الإسلامي، ثم قتل المسلمين ومطاردتهم وإقصائهم ومنع الشرفاء من الكلمة.. ثم إفساح المجال وإخلاء الطريق أمام هؤلاء الأقزام ليغيروا عقول الناس ويفسدوا مفاهيمهم عن الإسلام تمهيدًا لإلغاء وجوده.
وهذا عكس مفهوم القوة في الاسلام وموضح لها فالقوة في الإسلام دورها إقصاء أهل الباطل وإقامة أوضاع خيرة تنطلق فيها قوى الخير: تعلّم وتبني، وتقضي على الفساد، وتنمي البلاد وتصحح العقائد والمفاهيم، وتعطي كل ذي حق حقه، تنجي المستضعف وتنصر المظلوم وتكسر شوكة الباطل والفساد والظلم والكفر وأهله..
هنا يُفهم دور القوة في الباطل وتفهم في المقابل دور القوة في الحق، ولا تحتاج عندئذ أن تدافع عن الجهاد بل أن تتبين حقيقته ودوافعه في رؤية دور أهل الباطل وما يقومون به.
القوة في الإسلام لها هو دور مكافئ وواقعي وجاد في مقابل: باطل يتترس بالقوة وينشئ أوضاعًا باطلة وفاسدة وظالمة ويحميها ويسمح للمجرمين أن يضللوا الخلق فيهلك من هلك.. لكن حسبنا الله.
8) أخيرًا.. لم يترك أهل الأديان المخالفة للإسلام تعصبهم الديني، ولم يطالَبوا بتغيير معتقداتهم أو تجاوز مقتضيات العقيدة وتصنيفاتها، ولم يتركوا تكفير المسلمين، وكلما قيل لهم كفوا عن التعصب ولا تصطفوا طائفيًا وكفوا عن الاعتداء على الإسلام وعقيدته وأمته وكفوا عن الاعتداء على أراضي البلاد وكفوا عن الفساد وكفوا عن الاعتداء على خيار الأمة وكفوا عن تسفيه اختيارهم، وكفوا عن التآمر مع الخارج ومع قوى الاستبداد.. قالوا نحن مضطهَدون!
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: