أكذوبة إصلاح الإسلام والثورة من داخله
الإسلام دين وليس موضوعًا للجدال الإعلامي، والتطاول على ثوابت الإسلام ليس وجهة نظر أو خلاف فكري، ونتمنى أن لا يتحول الدين إلى لعبة يلهو بها بعض المغامرين..
تشهد مصر نوعًا غريبًا من الحملات الإعلامية تجاوزت الخلاف السياسي والصراع على السلطة إلى الطعن في ثوابت الدين، ويبدو أن نافذة فتحت للهجوم على الإسلام والاستهانة به وتسخير المنابر الإعلامية لمجموعة من العلمانيين المتطرفين لإثارة الجدل حول عقيدة المصريين، وجعل الدين موضوعًا للخلاف والجدل، وكأن الإسلام فكرة ووجهة نظر خاضعة للتقييم وليس عقيدة مقدسة.
هذا الهجوم على الدين بدأ عقب إعلان المشير عبد الفتاح السيسي عن توجهه بإصلاح الإسلام من داخله والقيام بثورة لتصحيح (الأفكار التي لها مئات السنين) ودعوته للعلماء في المؤسسات الدينية الرسمية والفنانين والفنانات بالمشاركة في تصحيح الفكر الديني.
تحمس الإعلام المصري لدعوة المشير السيسي وقدم مجموعة من البرامج التي تتناول قيم الإسلام ومظاهره بالنقد والهجوم، وتحتفي بعض الفضائيات ببعض الشخصيات التي تطعن في أسس الإسلام وتسب الصحابة وتشكك في السنة وتشوه السيرة النبوية، ويستضيف بعض الإعلاميين المؤيدين للسلطة الحالية بعض الكارهين للتدين ليتطاولوا على الدين، وينزعوا عنه القداسة ويتجادلوا حوله وكأنه اجتهادات قابلة للتعديل، من حقهم قبولها أو رفضها!
خرج علينا أحدهم الذي عاش معظم سنوات عمره في فرنسا ليهاجم الحجاب ويطالب بتنظيم مليونية في ميدان التحرير لخلع الحجاب، وفي نفس التوقيت قامت لجنة من وزارة التعليم بجمع الكتب الإسلامية من مدرسة بالهرم وحرقها في فناء المدرسة أمام الطلاب والتلاميذ، وهم يلوحون بأعلام مصر أمام الكاميرات في حدث مقصود ومرتب يذكرنا بمحاكم التفتيش وهجوم التتار.
ما يردده الطاعنون في السنة والسيرة ليس جديدًا، فهم يرددون ذات المطاعن التي ترددت كثيرًا عبر القرون، فسلفهم من خصوم الإسلام قالوا ما هو أكثر مما يردده هؤلاء الخلف الذين لا يجيدون العربية ولا يتقنون الفصحى، ولا يعرفون المرفوع من المجرور، ولا نضيف جديدًا عندما نقول إن كتب العلماء مليئة بمثل هذه الشبهات والرد عليها من باب تفنيدها ودحضها، فالعقيدة الإسلامية انتشرت لقوة حجتها ووضوحها التام، ولا يوجد بها مساحات غامضة بعيدة عن النقاش.
التاريخ الإسلامي مليء بالمناظرات حول كل القضايا؛ ابتداء من قضايا العقيدة وفي مقدمتها فكرة التوحيد وهي أهم موضوع في الوجود والتي شرحها القرآن ووضحتها السنة بأدلة عديدة وبأساليب شتى، وانتهاء بقضايا المعاملات المتغيرة التي تتناولها الاجتهادات مع مستجدات العصر.
لكن وللأسف الشديد فإن بعض علماء الأزهر - بقصد أو بدون قصد- يشاركون في تهيئة مظلة لهذه الحملة لنزع القداسة عن الدين بالحديث المتكرر عن تجديد الخطاب الديني، وتقديم فتاوى في ظاهرها إعمال العقل وتقديم الإسلام بصورة معاصرة وفي باطنها تقديم المبررات لمن يستغلون الأزمة السياسية في البلاد للطعن في عقيدة المصريين.
هذه الموجة التي نعيشها في مصر من أخطر ما تواجهه البلاد لأنها تضرب أسس تماسك المجتمع المصري وتفتح الباب أمام فتن فوق التصور وفوق التخيل، فالدين هو الذي يحفظ تماسك المجتمع، وهو الذي يمنع تفككه، ففي أحلك فترات التاريخ التي ضعفت فيها الدولة وسقط فيها الحكم حافظ الدين على المجتمع ووجود الدولة، وكانت مناعة الشعب المنطلقة من عقيدته هي الحافظ من الانهيار والضياع.
قد يكون هناك من يريد بناء كيان معادي للدين يرتكن إليه في إطار خلافه السياسي والصراع على السلطة، لكن هذا لعب بالنار، يشعل الفتن، وغير مأمون العواقب، فالإسلام لا يخص حزب سياسي معين ولا يخص فئة دون فئة، فالدين فوق الأحزاب، وفوق الحسابات، ولا يخضع للخلاف السياسي، والدين من الثوابت التي يجب أن يحترمها الجميع، وينبغي أن يبتعد عنه أصحاب المغامرات السياسية ويتجنبوا حشره في الصراعات من أجل السلطة والحكم.
العجيب أن الذين يشاركون اليوم في جعل الإسلام موضوعا للنقاش ومحور الاختلاف، ويشجعون الطعن فيه، لا يجرؤون على تناول المسيحية واليهودية، فما هو السبب الذي يجعلهم يحترمون بعض الأديان ويقبلون الإساءة للإسلام؟ فإذا كانوا يحترمون الأديان فليحترموها كلها، وليحترموا عقيدة الأغلبية في مصر.
من يريد أن يؤمن فليؤمن ومن يريد غير ذلك فلا يفرض علينا ما يعتقد، ويسيء إلى ديننا وعقيدتنا، فمصر بها حالة من التنوع الديني الذي حافظ عليه الإسلام، كما أن هناك درجات متفاوتة من التدين داخل المجتمع المصري وموجودة بكل أسرة، ولم يحاول أحد من قبل تأليب المصريين بعضهم على بعض، أو إثارة الكراهية داخل البيت الواحد، وتأليب غير المتدين على المتدين أو العكس.
نتمنى أن يتوقف الخلط بين ما هو سياسي مع ما هو ديني، وأن لا يتحول الخلاف السياسي إلى هجوم على الدين، فالسياسة متغيرة والدين ثابت، والسياسي مؤقت والديني دائم، ولن يستطيع الاستثناء الذي عمره شهور مهما ظن أنه الأقوى أن يفرض منهجه على الأصل الذي عمره قرون وله جذوره الراسخة، فالدين كما أنزله الله سيبقى ويستمر إلى قيام الساعة.
الإسلام دين وليس موضوعًا للجدال الإعلامي، والتطاول على ثوابت الإسلام ليس وجهة نظر أو خلاف فكري، ونتمنى أن لا يتحول الدين إلى لعبة يلهو بها بعض المغامرين مستغلين الوضع المحتقن في مصر لتمرير أجندات معادية هدفها إثارة الفتن في البلاد وتحريض المصريين بعضهم على بعض لأسباب سياسية أو دينية.
عامر عبد المنعم
كاتب صحفي
- التصنيف: