وصل

منذ 2015-05-20

سأصِل لتعطير الصدقة وإلقاء السلام على أصمّ .. إيمانًا مني أن الله من وراء القصد وهو على كل شيء شهيد..

 عالمٌ بائس.
– كلا
– ولم اليقين؟!
– لأنه طريق الوصول.
– ومتى نصل؟
– عساه قريب.

- لم يَلُفّنا كل هذا العناء والقُبح؟
– اصبري .. وجاهدي للرضا عنه.
– وكيف تَصبرُ على ما لم تُحِط بهِ خُبراً!
– نقّبي عنه إذن.
– أين؟
– في دربكِ إليه.
- وماذا لو لم أصل.. لو لم يقبلني؟

- ستتعثرين قليلًا أو كثيرًا
ستقابلكِ الوَحشة والوحدة.
حتى تخالين أنهما أعز رفاقك
رُبما تلفحكِ وخزات الضيق بين الفينةِ والأخرى..
قد تبكين وكأنك لم تبكِ من قبل.. تَضحكين كما المَجانين دون توقف..
تطيرين من السعادة، وكأنَّ الدنيا استحالت لِجنّة عرضها السماوات والأرض، هكذا! لا تدري كيف!
تَهوينَ حتى تخالين نفسكِ في أسفل جحيم الدنيا.

تمرّ أيامكِ بسرعة جُنونية حتى تودين لو تركعي على أقدامكِ من التعب..
عساها تهدأ، لتَصلي لشيء مُرضٍ..  ولو قليلًا..
وقد تمرُّ -أيامكِ- ثقيلة بطيئة كئيبة، فتفكرين أن تستجدي الله أن ترحل هذه الأيام.
أو يرحل عمركِ كله سريعًا فقد اكتفيتِ.

ستستوعبين ما يدور حولكِ من كوارث ونزاعات وسياسات مُعقّدة بين البلاد..
حتى وكأنكِ من خيرة الخُبراء المُخضرمين الذين مشوا على وجهِ الأرض.
ثم ستَهيمين.. تَتغافلين ولا تُبالي بأيّ شيءٍ من أحداث ما عُدتِ تعلمي أوّلها من آخرها.
تُصادقين الصّالحين والفاسدين.. وقد تلسَعكِ تقلّباتهم وغَدراتهم وخُذلانهم..
تثقين بسذاجةٍ أو برضا .. فتفيقين يومًا على كونكِ كنتِ بلهاء..  ليس إلّا!

- ثم ماذا!! لقد زدت الأمر عليَّ سُوءً، أيّ حياة هذه؟ بل أيّ تيه هذا !؟
– لن تَصِلي حتى تتشبثي بذاك الحبل العتيق.
– أي حبل؟!
– حبل السماء.


– بربك.. أبْسِط في قَولك.. إني مُتعبة حائِرة خَائفة حَزينة!
– حسنًا .. أصغِ إليَّ بحَقّ!
- كُوني على ثقة أن هذه دنيا، فلا شيء فيها كامل..
لكن هُناك راضٍ يُحدّث بالنّعم ويتغاضى عن البُؤس واليأس، ولا يوجد إنسان خُلِقَ وحياته وردية
لكن بيده ألّا يُحيلها رَمادِيّة، بيده كل الألوان، لديه السماء والدعاء والنور والصباح والأحبَّة والطُفولة والدهشة،
لديه كُل الجمال، إن رأى بعين الجمال

- وكيف أصل للرضا هذا وأنا لم أبلغ بعدُ أعتاب الصّبر!؟
– البداية .. كُوني صادقة.
– صادقة.. إنني كذلك!

– كلا! إنكِ تفرحين حينَ أُذكّركِِ بموعد الصلاة مثلًا..
وقد نُصلّيها معًا أحيانًا ولكن .. ترانا فقهنا المعنى الأكثر تجريدًا
من الوقوف والصلاة على وقتها ومحاولة تدبر معاني الآيات والأذكار أثناءها..
وفي أفضل الأحوال نشهق ونبكي !!
فإن كان ما تفقهين من معنى سَيْرِنا على الدرب للوصول، هو هذا وحسب ..
فأنت مُخطئة تمامًا!

وإن كنت تغفلين النصيحة وكأنها كلمات جوفاء تنتظرين نهايتها
لتخبريني أنك ستحاولين، وفي الحقيقة أنت ِتُكابرين..
تحبسين نفسكِ داخل أسوار الكَسل والظُلمة والفُتور..
تعقدين أقدامك بحبلٍ غليظ.. ثم تَنتحبين كل يوم

لتُخبريني أنكِ لا تستطيعين التحرر من الحُزن والضيق في هذه الدنيا ..

الصلاة الحقيقية بمعناها الواسع ستأخذك لعالمٍ حقيقي يسعى.. لا يستكين أو يَفتُر لحظة
لا .. لا أتحدث عن هذه اللذة أو شعور الروح بشيء من الوَصل للحظات أو دقائق
ثم تعودين لأرض الدنيا والحزن والضعف والفتور مجددًا.
أتحدث عن صلاة تُحيي فيكِ مفهوم الصّدق والعَمل..

مفهوم حياة الروح والتي لن تأتي سوى بحياة قلب ويد تعمل وقدم تسعى على الأرض بين الناس.
نحنُ حين نَصدُق مع أنفسنا.. نصدق مع الناس.. ثُم نصل للصدق مع الله !!
نعم .. ورتبتهم هكذا لأن هذا ما جرَّبت.. وتعثرتُ.. حتى وصلت وأحاول وأحاول أكثر..
إن صدقت نفسي، فسأسعى أكثر في كل لحظة أحياها..
سأصدق الناس .. ثم أصل للصدق مع الله..
ثم محاولة الإحسان معه..
أصدق حتى في كل همسة ونفس أتنفسه في كونه..
والصدق رُغماً عني حتى .. سيأخذني للحُبّ !

أجل.. الحُبّ.. لأحب هذا القلب وهذه الروح التي تسكنني وأسكنها..
لأحبّ الناس .. لأحب الله الذي تفضَّل هو عليّ بكل هذا ..
الذي أنار قلبي للوصول إليه.. حتى أصل لشوق لاحتضان الكون الذي خلقه وأبدعه!
لإلقاء التحيّة على الصباح والنُور وعصافير السماء
للحديث للزهور.. والتربيت على حجر أو شجرة ونعجة عجفاء
لحضن طفل مسكين مُشرد .. يده لطخها غرور الأغنياء وكِبرهم في هذه الدنيا..
سأصِل لتعطير الصدقة وإلقاء السلام على أصمّ ..
إيمانًا مني أن الله من وراء القصد وهو على كل شيء شهيد..

ليس ثمة عُذر .. من يود الوصول سيصل .. سيتعب نعم .. لأنها دنيا جهاد وكد.
ولا يعني هذا بالضرورة أنها كئيبة حزينة لا نستطيع أن نبتسم فيها البسمة ..
أو نضحك ملء القلب قبل الثغر .. إنه التعب المُرضي .. التعب اللذيذ!
معكِ ضحكة الأحبة .. ورغيف ساخن وكتاب قيّم، كانو يسرحون بلادًا لأجله قديمًا!
معكِ عِلم للروح والقلب والجَسد.. أنتِ أحوج ما تكونين إليه ..
معكِ بيت ودفء ووجه عَجوز وكفّ وليد، وعُصفور وقطة تركض.
معكِ بؤس البائسين وصمت المُشردين المغلوبين المُقيدين هناك..
معكِ قلم، وكفّ طليقة وعقل ما زال له أن يسعى ويفكر..
من أجلكِ .. من أجل كُل الحيارى .. وكل الغافلين.

سيقودكِ الصدق مع النفس في كل تفاصيلكِ إلى الصدق مع الآخرين ..
جربي هذا لن تخسري شيئًا! أن تعي قيمة النفس التي بين جوانحكِ..
قيمتها.. وهذا التفضيل العظيم الذي تحظى به في كون الله العظيم ..
ثم كُوني صادقة في احترامها.. ستجدين أنكِ أحببتها، أحببت الناس من حولك،
واحترمت الأنفس التي يحملونها أيضًا..
وتتخلصين من كل زيف وخداع وحياة تافهة كنت تحيينها قبلًا.