إصلاح القلوب - (1) اختبار الصخرة

منذ 2015-05-07

سريرة العبد لها أثر عظيم في صلاح علانيته فمن كان مصلحًا لسريرته صلحت علانيته، ومن اعتنى بعلانيته وهجر سريرته كانت علانيته مظهرًا أجوف كالجسد بلا روح، وكانت ثمرتها ناقصة وخشي عليه من الانتكاسة لأن إصلاح السريرة من أعظم أسباب الثبات على الإيمان..

بعد موقعة الحمام! ولمن لا يعرف (موقعة الحمام)، هي لما اتحبست فى الحمام وعيالي بره معاهم جدتهم، كان ساسبينس عالي! الباب عصلج وما من سبيل للخروج! المهم افتكرت حديث الثلاثة اللي أووا إلى غار فوقعت صخرة سدت باب الغار، وقالوا تعالوا نتوسل إلى الله بأعمال صالحة خالصة لوجه الله، وقصة ورا قصة انفرجت الصخرة وخرجوا.

فعن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها، لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني، وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء..

وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم، وقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا بفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورعاءها، فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني حقي، قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فقال اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر ورعاءها فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ففرج الله ما بقي
» (صحيح مسلم).

قعدت أعصر دماغي على عمل صالح يكون خالص لوجه الله! عد غنمك يا حجا غنمة قايمة وغنمة نايمة، وأقلب في الدفاتر القديمة وأجرب كده إنه (اختبار الصخرة) لصلاحية الأعمال! اللهم إن كنت تعلم أن العمل الفلاني كان خالصًا لوجهك فافتح الباب، الباب ما فتحش! طب اللهم إن كنت تعلم أن العمل العلاني كان خالصًا لوجهك افتح الباب، الباب مش راضي يفتح! يا دي الخيبة مفيش ولا عمل ظننته صالح خالص لوجه الله إلا وطلع فشنك! كل الأعمال مفاتيح سنانها مكسورة منتهية الصلاحية!

لأ بقى وقفة مع النفس يا ماما! قبل ما يوم القيامة نروح فلا نجد إلا الهباء المنثور! شقى عمري، شقى عمري ضاااع! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (صحيح مسلم:2985).

وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إنّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعَرَّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت! ولكنك قاتلت لأن يقال جريء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعَرَّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت! ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم! وقرأت القرآن ليقال هو قارئ! فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار» (صحيح الجامع:2014).

كذبت كتبت من أجل إرضاء الناس وكلمات الثناء! فقد قيل هذا هو أجرك! طيب بما إن أغلب أعمالنا الظاهرة سهل يتسلل لها الرياء وابتغاء السمعة، يبقى لازم يكون لنا (سر بيننا وبين الله) لا يعلمه بشر، ولا حتى ملك، ولا حتى كاتب اليمين! كيف؟! إنها (عبادة القلوب) مراقبة القلب من الخواطر والوساوس الرديئة، ودفعها مناجاة الله وذكر الله بالقلب، تمني الطاعة وكراهية المعاصي ودفعها.

ولعلمكم كان في أيام نزول الوحي على رسول الله نزلت آية رعبتهم!
لما نزلت هذه الآية: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ} [البقرة من الآية:282]، اشتدت على المسلمين، وشقت مشقة شديدة، فقالوا: "يا رسول الله، لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به وأخذنا الله به؟ قال: «فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل سمعنا وعصينا»! قالوا: بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله! فنزل القرآن يفرجها عنهم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} إلى قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة من الآيات:285-286]، فصيره إلى الأعمال، وترك ما يقع في القلوب".

العبرة: إن اللي حصل ده كان طريقة لتربية الصحابة وتدريبهم على (مراقبة القلوب)، من الوساوس والأفكار السيئة وتدريبهم على الطاعة والاستسلام لله، وساعتها نزل التخفيف بعد ما قالوا حاضر سمعنا وأطعنا! ولكن إحنا كمان محتاجين التدريب ده (مراقبة القلب) والعبادات القلبية، فقال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة من الآية:235].

يقول الكاتب خالد بن سعود البليهد في مقاله مراقبة الله في السر:
"وسريرة العبد لها أثر عظيم في صلاح علانيته فمن كان مصلحًا لسريرته صلحت علانيته، ومن اعتنى بعلانيته وهجر سريرته كانت علانيته مظهرًا أجوف كالجسد بلا روح، وكانت ثمرتها ناقصة وخشي عليه من الانتكاسة لأن إصلاح السريرة من أعظم أسباب الثبات على الإيمان..

قال ابن القيم: (وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته)، ولذلك: من كان قلبه مدمن على دسيسة خبيثة راضٍ بها فيُخشى أن تغلب عليه عند موته فيختم له بسوء والعياذ بالله، ومن كانت له سريرة سوء أظهرها الله للخلق في الدنيا ولو بالغ في إخفائها عقوبة له، وربما أخرها ثم فضحه على رؤوس الخلائق في الآخرة" (انتهى كلام الكاتب).

والعبادة القلبية مش مكلفة وأجرها عظيم ومضمون:
فعن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر رجل آتاه الله مالًا وعلمًا فهو يعمل به في ماله فينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالاً فهو يقول لو كان لي مثل ما لهذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء! ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علمًا فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علمًا فهو يقول لو كان لي مال مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل! قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء» (صحيح ابن ماجه).

حد هيسألني: أمال خرجتى إزاي من الحمام؟! أقول له بدعوة ست طيبة، حالة مرتحلة مع القرآن، ربنا يحفظها ويبارك فيها بتسمي قراءة القرآن: "قعدت أشرب" وهنا رجعنا تاني لأهمية (الصحبة الصالحة)، لأن من جاور السعيد يسعد.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

ريهام فوزي

كاتبة إسلامية

 
المقال التالي
(2) أخرج خبيئة قلبك