سلسلة قصصية - وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت
تذكروا وذكروا في الله فإن الذكرى تنفع المؤمنين، واعلموا أنما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، فلا تغرنكم بزينتها ولا تنسيكم يومًا نقف فيه جميعًا بين يدي الله فتُسألون وتُحاسبون، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
الدنيا حلوة خضرة يظل الإنسان يتمنى ويسعى فيها لتحقيق أحلامه وآماله، يتمنى حياة سعيدة بيت وأسرة وأولاد، يحلم بعيشة هانئة مع زوجة حنونة وذرية صالحة وعيشٍ رغد، يحلم بمشاريع كبيرة يقوم بها في حياته، يغترب عن وطنه وأهله من أجل تحقيقها، تلك حال كل الإنسانية على وجه الأرض، وتلك كان حال أصحاب القصة التي ستقرؤون سطورها الآن..
تلك القصة لإحدى الفتيات المصريات حدثت منذ عام ونصف تقريبًا، حيث كان موعد عرسها ولقائها بزوجها لبداية حياتهما معًا، فكان هذا اللقاء هو نفس موعد لقاء الزوج بحياة أخرى، لا تمت للحياة الدنيا بشيء، كان لقاؤه مع الموت وليس مع عروسه، وإليكم وقائع تلك القصة التي يجب علينا أخذ العبرة والعظة منها، ولا تنسوا الدعاء للعريس بالرحمة وللعروس بالصبر وأن يعوضها الله خيرًا..
تبدأ وقائع القصة بتجهيز العروس وارتدائها زي العرس الأبيض، والذهاب إلى مطار القاهرة حيث السفر إلى المملكة، تداعب الأحلام مخيلتها بحياة زوجية سعيدة مع زوجها، الذي كان ينتظرها وقد جهز عش الزوجية ليبدءا معًا حياتهما التي طالما خططا لها..
لم تدرِ العروس وعجلات الطائرة تلامس أرض مطار القصيم بما ينتظرها، فلم تكن تتصور أن القدر يخبئ لها مفاجأة من العيار الثقيل، لم تخطر ببالها أبدًا مفاجأة ستطيح بكل أحلامها، وما رسمته في مخيلتها طوال الطريق ومنذ ودعت أهلها..
تصل العروس للمطار وما أن تخطت حاجز الجوازات حتى كلت عيناها من البحث، فقد أخذت تبحث وسط زحام المستقبلين عن زوجها دون جدوى، العريس لم يحضر لاستقبال عروسه دارت بها الأرض، يا إلهي ماذا تفعل من كانت مثلها أين تذهب ومع من تتحدث، وقفت في حيرة تُعد كل ما تملك من كلمات العتاب لتلقى بها زوجها الذي وضعها في هذا الموقف الحرج..
لم تدم حيرتها طويلًا فقد فوجئت بأحد العاملين بالمطار يرحب بها، ويخبرها بلطف بأن هناك خطأ ما في تأشيرة دخولها المملكة، وعليها المغادرة بالرحلة التالية لتعود من حيث أتت..!
تحتار العروس يتشتت فكرها، تتساءل أين زوجها؟ لم تكن تعلم أن هناك على طريق دخنة بالقرب من مدينة الرس بالقصيم كان الوجه الآخر للمشهد الحزين، سيارة محطمة وجسد شاب قد فارق الحياة وهو ذاهب للقاء عروسه ليبدأ حياته الجديدة..
في لحظة يحول القدر بينه وبين الوصول لاستقبال عروسه بمطار القصيم، فقد اصطدمت سيارته مع سيارة أخرى ونتج عن الحادث وفاة الاثنين، العريس وقائد السيارة الأخرى، وكان بجانب العريس زوج ابنة أخته ولم يصب إلا بعدة كسور وكدمات سبحان الله!
وصلت الأخبار للسفارة المصرية وعلمت بقدوم العروس، فاتصل مندوب السفارة بالمطار وأخبرهم بالوضع فما كان من العاملين بالمطار إلا أنهم تعاملوا مع العروس بتلك الطريقة السابقة لتعود دون أن تعلم شيء عن ذلك الحادث المفجع..
وتم عمل إجراءات ترحيل العروسة في سابقة لم يشهدها مطار القصيم من قبل! لتعلم بمصابها عندما استقبلها أهلها في مطار القاهرة.. فاللهم اجبر كسرها وارحم زوجها ومواتنا وجميع أموات المسلمين، واللهم أحسن ختامنا ولقائنا ولا تتوفنا إلا وأنت راضٍ عنا إنك ولي ذلك والقادر عليه..
فتذكروا وذكروا في الله فإن الذكرى تنفع المؤمنين، واعلموا أنما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، فلا تغرنكم بزينتها ولا تنسيكم يومًا نقف فيه جميعًا بين يدي الله فتُسألون وتُحاسبون، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].
أم سارة
كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام
- التصنيف: