لماذا نعبد الله؟

منذ 2015-05-26

قد خلقنا الله خلقًا خاصًا جدًا وكرمنا تكريمًا لا مثيل له بأن خلق لنا حرية الإرادة! تلك الحرية التي جزء من سلوكنا، عندما نعلم أنه تعالى كرمنا تكريمًا جليلًا وهو أنه ترك لنا المجال لنطيعه عن حب ورغبة وليس لأننا مخلوقون مطيعون له بطبيعة الخلق كالذرة وباقي الكون المادي، عندما نعلم ذلك هل يكون جزاء تكريمه لنا أن نعصيه، أم أن الشرف والوفاء وحفظ الجميل والشكر هو أن نفعل بإرادتنا الحرة ما كنا سنفعله لو لم يكرمنا بحرية الإرادة؟


حسنًا: ما هو مفهوم العبادة؟
العبادة هي: الطاعة المطلقة دون قيد أو شرط.
أرأيت إن سألت نفس السؤال على الذرة؟ لما تعبد الذرة الله؟ لكن! ما هي الذرة أصلًا؟ الذرة مخلوق لله جزء من خلقها -إن لم يكن كله- هو سلوكها! فالمجالات التي تتحكم في النواة من الداخل وتربط النواة بالإلكترونات الخارجية هي جزء من تكوين الذرة ذاتها! وعليه فإن الذرة -وبالتالي سلوكها- هي كما أرادها الله، أي أنها ببساطة مطيعة لله لأنها خلق الله، ذلك أن الطاعة بالنسبة لها من مقتضيات تعريف الخلق نفسه، بل هي غير منفكة عنه!

نأتي لنا نحن، بني آدم، قد خلقنا الله خلقًا خاصًا جدًا وكرمنا تكريمًا لا مثيل له بأن خلق لنا حرية الإرادة! تلك الحرية التي جزء من سلوكنا، عندما نعلم أنه تعالى كرمنا تكريمًا جليلًا وهو أنه ترك لنا المجال لنطيعه عن حب ورغبة وليس لأننا مخلوقون مطيعون له بطبيعة الخلق كالذرة وباقي الكون المادي، عندما نعلم ذلك هل يكون جزاء تكريمه لنا أن نعصيه، أم أن الشرف والوفاء وحفظ الجميل والشكر هو أن نفعل بإرادتنا الحرة ما كنا سنفعله لو لم يكرمنا بحرية الإرادة؟

هو كان يستطيع ألا يدع لنا الفرصة لنعصيه أصلاً فكرمنا وكأنه قال لنا "أنتم أكرم علي من أن أسوقكم إلى طاعتي قسرًا"! فهل يكون جزاء هذا أن نعصيه، أم أن الطاعة المطلقة -العبادة- هي السلوك الطبيعي جدًا الذي لا يُتَعَجَب منه بل يُتَعَجَب من عكسه وهو هجر العبادة؟

هناك جانب آخر من القضية أكثر لطفًا وخفاءً على الأفهام، وهو أن كل ذرة فينا تعبد الله فعلاً! وأن مجموع الذرات هو الآخر يعبد الله فعلاً! فليس من أجسامنا ما يفعل فعلاً خارجًا عن إرادة الله! إلا أن أرواحنا حرة في الطاعة والمعصية! بمعنى انني لو ارتكبت حرامًا فهذا لا يعني أن جسدي ذاته (مستقلًا عني) قد عصى الله! لكن روحي هي من قد عصته وذلك باتخاذ نية الحرام! ولو أن نفس المعصية بنفس حركات الجسد قد ارتكبتها سهوًا أو تحت تهديد خطر ما فإنها -ولو أنها هي نفس الفعل- لا تكون معصية!

وهذا هو من لطائف معنى "إنما الأعمال بالنيات"، فإن علمنا أن إرادتنا المعصية هي ذاتها المعصية! فنحن لا نملك أن نجبر شيئًا في كون الله -حتى ذرات أجسادنا- على مخالفة قوانين الله، نحن لا نملك إلا نوايانا وأفعالنا ليست من خلقنا، بل هي من خلق الله، فنحن نريد والله -تكريمًا لنا- يخلق ما يشاء من إرادتنا ليكون واقعًا وهذا الواقع المادي -إذا جردناه من نوايانا- لن يخرج بحال عن عبادة الله.

الخلاصة:
فأي خسارة وحماقة -فضلاً عن خسةٍ ولؤم- أن ننشز بنوايانا وإرادات أرواحنا الحرة عن باقي خلق الله ونعصيه، ثم لا تكون معصيتنا تغييرًا في حال طاعة مُلكِه له، بل لا تكون إلا خزيًا ووبالاً علينا؟! نعم فالخزي كل الخزي والوبال كل الوبال في النشوز الإرادي عن الكون في طاعة من كرَّمنا بالحرية، ثم نحن أخزينا أنفسنا في الدنيا باستخدامها في غير محلها، ونشوزنًا عن باقي مُلكِه، فكانت النتيجة الطبيعية في الآخرة هو الوجه الثاني لعملة نشوزنا، وهو نشوز مقابل عن مكاننا الطبيعي في الجنة إلى النار، نشوزٌ بنشوز!

أفلا جعلنا أنفسنا جديرين بالتكريم وأطعنا الله الطاعة المطلقة بحبٍ ورغبة وفاءً وشكرًا أن لم يسُقنا إلى طاعته سَوقًا؟!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي