سريان طبيعة المعلم
ليحذر من يعلم الناس؛ فإن شاؤوا أو أبوا فإن روحهم تطبع من يستمعون إليهم، وهذا يجعل العبد لا يحاسب على آفة نفسه فقط، بل يحاسب أيضًا على ما زرع في نفوس الآخرين، وهذا حمل ثقيل نربأ بالمربين أن يعرّضوا أنفسهم له، فإننا نحب للمسلمين ما نحب لأنفسنا.
عبرة وتجربة:
ما رأيناه خلال عقود من العمل الإسلامي: أن المعلّمين يصبغون أتباعهم وتلاميذهم وطلابهم ومريديهم بطابعهم النفسي، بل والشخصي..
رأينا من المعلمين من يغلب عليه طابع التحنث والتعبد فترى أتباعه كذلك، ورأينا من يتعود التجرد ويتربى عليه فتراه يطبع أتباعه بهذا الطابع، ورأينا قامات تعتاد التواضع فترى أتباعهم متسمين كذلك بذلك الخلق، ورأينا من يعتمد القوة الغشمية (بتقفيل الأفراح، وتأديب المتبرجات) فتجد شوب البلطجة يشوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
المعلمون الملأى بالأحقاد الشخصية ولي آيات رب العالمين وتبرير العمالة، تجد الأتباع طُبعوا بها، وبلا جهد.
قد لا يكون تصدير هذا الطابع مقصودًا من المربي والموجِه لكنه مع بثه للعلم يبث سياق علمِه الكامن بقلبه، يبث ذوقه للعلم وشعوره به ووجهته به، وهي أمور تخرج تلقائيًا مع العلم، فهي سياقه وطعمه ووجهته وطريقه.
رأينا تيارات طُبع عامة أفرادها بحب الزعامة والإمارة، بحيث لو اختلف اثنان أو ثلاثة انشقوا وكونوا إمارة جديدة وزعامة! ورأينا معلمين يتسمون بالكبر والعجرفة والتطاول، فكان طلابهم كذلك، فملأوا الدنيا وتعدوا على الخيّرين وأولي العلم وكبار السن، واحتقروا الخلق وتكبروا على من هم خير منهم بكثير، ولم يعرفوا لذي فضل فضله.
منذ حوالي سبع أو ثمانية سنوات توفي أحد أبناء هذا التيار، فوجدت أصحابه يتكلمون عن مآثره بعد موته!
فقال القائل: "كان هذا الأخ رحمه الله شديدًا على الإخوان ويحاربهم، حتى أنه حاربهم في مساحة أرض صلاة العيد، حتى أنه خالف الاتفاق الذي كان قائمًا بيننا وبينهم، وضيق عليهم في مكان صلاتهم"!
فتدخلت قائلاً: إذًا مات الشخص لم تتحول أفعاله إلى أفعال معصومة مقدسة بمجرد وفاته، بل يجب أن تحاكم أفعاله إلى الشرع ليحكم عليها بالصحة أو الخطأ، وهذا الفعل يحتاج إلى المغفرة، ففوجىء الرجل ولم يفهم في البداية فاستفسر مغضبًا، فلما أوضحت له تغير وجهه وزاد غضبه وصمم على تصحيح هذه الأفعال.
صارت سمة أن يتسم أبناء تيار ما بسوء الخلق، بسبب وجود نفس هذه السمة ممن يربي ويعلم، حتى أن أحدهم نصح رجلًا كبيرًا بعجرفة غريبة قائلاً للرجل: "هذه ليست من السنة"، فقال الرجل البسيط: "وهل قلة الأدب هذه من السنة؟!"، فصعق هذا النبت المزعج وسكت.
ليحذر من يعلم الناس؛ فإن شاؤوا أو أبوا فإن روحهم تطبع من يستمعون إليهم، وهذا يجعل العبد لا يحاسب على آفة نفسه فقط، بل يحاسب أيضًا على ما زرع في نفوس الآخرين، وهذا حمل ثقيل نربأ بالمربين أن يعرّضوا أنفسهم له، فإننا نحب للمسلمين ما نحب لأنفسنا.
لهذا تعرف قيمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم تعلموا من رسول الله وانطبعوا به، ومن تتلمذوا على يد أصحابه أو أئمة الهدى من بعدهم أو العُبّاد الكرام، فتجد تلك القلوب الطيبة والأرواح الطيبة والأخلاق، والرغبة في الآخرة التي تطبع أرواح وقلوب هؤلاء المعلِمين إذا بها تطبع قلوب أتباعهم ومريديهم.
ولن يغني عن التصحيح البرطمة بأن لحوم العلماء مسمومة؛ فهؤلاء ليسوا علماء، وهم قد سمموا قلوب الناس وأرواحهم، وسمموا حياتنا، وأفسدوا دين الناس، ومكّنوا لأعداء هذا الدين.
فليتعظ متعظ قبل فوات الأوان.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: