البلايا تمحو الخطايا

منذ 2015-07-01

الثواب والجزاء هو نتيجة الصبر على البلاء في الدنيا.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:
فإن الإنسان مجزي بعمله إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر؛ يقول الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن -يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]؛ فمن عمل الخير أجر وأثيب، ومن عمل الشر أثم وعوقب.

هذا الثواب والجزاء هو نتيجة الصبر على البلاء في الدنيا، وهذا من فضل الله على المؤمن أن يعجل العقوبة لهم في الدنيا، يقول الله تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} [النساء:123].

فهذه أخوف آية في كتاب الله، ولذلك فإنها لما نزلت بلغت من المسلمين مبلغًا عظيمًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها» (رواه مسلم)..

وقال زياد بن الربيع قلت لأبيّ بن كعب: آية من كتاب الله قد أحزنتني؟ قال: ما هي؟ قلت: مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ قال: ما كنت أراك إلا أفقه مما أرى! إن المؤمن لا يصيبه عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر..

وسئلت عائشة عن هذه الآية فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله، فقال النبي: «يا عائشة هذه معاقبة الله تعالى لعبده بما يصيبه من الحمى والمليلة والشوكة وانقطاع شسعه، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها، فيفزع لها فيجدها في ضبنه -ضبن الإنسان ما تحت يده- حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج الذهب الأحمر من الكير» [1].

وقال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيهًا كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة، ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء، وصاحب الرخاء ينتظر البلاء [2].

وثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه»..

فالله لم يقدر المصائب على هذا الإنسان المؤمن إلا لحكم كثيرة ومنها تكفير ذنوبه وخطاياه؛ لما أخرجه البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها» أي أن الله يمحي بسبب هذه الشوكة التي أصابت المسلم من ذنوبه..

وقد جاءت أحاديث أخرى تبين هذا الأمر فمن ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب-تعب- ولا وصب -مرض- ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم -ما يضيق القلب والنفس- حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»..

وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: «مالك؟ يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟» قالت: "الحمى لا بارك الله فيها"، فقال: «لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد».. فالهموم والغموم والأمراض والأسقام والابتلآت التي تصيب المرء المسلم يكفر الله بها من ذنوبه، ويرفع بها من رصيد حسناته، كما صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة السابقة، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


_____________________
[1]- هكذا ذكره ابن القيم في عدة الصابرين (ص75) ولم نجد له أثرًا.
[2]- عدة الصابرين(75).