إنها العشر الأواخر

منذ 2015-07-06

إنكم تعيشون أوقاتاً هي أنفس الأوقات وساعات هي أغلى الساعات وليال هي أفضل الليالي عند الله سبحانه وتعالى.

عباد الله:
إنكم تعيشون أوقاتاً هي أنفس الأوقات وساعات هي أغلى الساعات وليال هي أفضل الليالي عند الله سبحانه وتعالى.

إنها خلاصة رمضان وزبدة رمضان وتاج رمضان وأعظم الليالي في رمضان تقول أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" وفي رواية مسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها"، فهذا كان دأب النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع العشر الأواخر من رمضان كان يحيي ليله كله أو جله بالصلاة والقيام، فإذا كان في العشرين الأولى من رمضان يقوم وينام فإنه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر يحيي ليله بالعبادة والقيام ولاينام.

وشد مئزره: أي اعتزل نسائه وتفرغ تفرغاً كاملاً لعبادة الله وحده.

وأيقظ أهله حتى لا يفوتهم هذا الخير العميم والأجر الكبير فكان صلى الله عليه وسلم يعتكف وتعتكف معه نسائه رضي الله عنهن رحمة بهن وشفقة عليهن وحباً للخير لهن كل ذلك طلباً لليلة الزهية البهية المشرقة المنورة ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر التي أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم سورة كاملة يتحدث فيها عن هذه الليلة وقدرها وعظيم فضلها سماها باسمها سورة القدر {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:1-5].

إنها ليلة القدر ليلة العتق والمباهاة والقرب والمناجاة من قامها إيماناً بالله واحتساباً للأجر عند الله غفر له ما تقدم من ذنبه يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». 

أيها الصائمون:
إن الأعمار قصيرة وقد رأينا كيف مضى رمضان وانطوى في غمضة عين وها نحن اليوم في الأيام الأخيرة والليالي الختامية منه، فإذا كان العمر يمر سريعاً ورمضان قد مضى منه أكثر من ثلثيه فكيف بعشر ليال نحن الليلة في الليلة الثالثة من هذه العشر، فاغتنموا هذه الليالي المباركة وعظموها كما عظمها الله وأكثر فيها من الصلاة وأطيلوا فيها الركوع والسجود، وأكثروا فيها من تلاوة القرآن الذي أنزل في مثل هذه الليالي الفاضلة، وأكثروا من ذكر الله ودعائه، واستغفاره وسؤاله الرحمة والمغفرة من الذنوب والنجاة من النار، وقدموا لأنفسكم أعمالاً تجدونها عند الله يوم العرض، عليه فهذا شهركم قد أوشك على الرحيل وأيامه الفاضلة قد اقتربت من الختام وما فرطنا فيه في العشرين الأولى من رمضان فلستدركه في العشر الأواخر من رمضان.

التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر، والتمسوها في الأوتار فيها ومن أراد فعلاً أن ينالها ويحصل عليها ويفوز بها فليعتكف وليتفرغ تفرغاً تاماً داخل المسجد حتى يظفر بها؛ لأن الإنسان إذا اعتكف من أجلها وجدّ في تلمسها فإنه سينالها قطعاً، وعلى المعتكف أن يجعل ذكر الله أنيسه والقرآن جليسه والصلاة راحته والدعاء والتضرع لذته ومتعته. يأوي الناس إلى بيوتهم وأهلهم وأولادهم، والمعتكف يأوي إلى بيت ربه ويحبس نفسه من أجله ويقف عند أعتابه يرجوا رحمته ويخشى عذابه ويكون في جو إيماني رائع لا يذوق حلاوته ومتعته إلا من جربه وطعمه، ولهذا فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يحافظ أشد المحافظة على هذه السنة سنة الاعتكاف ويقوم بها في كل عام، بل اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوماً فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تحمل هموم الأمة كلها يعتكف ويتفرغ فماذا تساوي أعمالنا وأشغالنا نحن مقابل أعماله وانشغالاته صلى الله عليه وسلم؟!

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل عام ويحافظ على تطبيق هذه السنة في كل سنة فهل يليق بأحدنا أن يبلغ من العمر ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو خمسين سنة ولم يعتكف ولو في سنة واحدة؟!

بل ربما يعيش ويموت ولم يقم بأداء هذه السنة وتطبيقها ولو في العمر مرة واحدة فهذا أمر لا ينبغي ولا يستحسن منا يا أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا أهل السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا ضغطت على الإنسان مشاغله ولم يجد لها مخرجاً، فلا أقل من أن يعتكف في الليل وينشط في العبادة في الليل فإنما هي ليال وليترك النهار لأشغاله وأعماله ويترك الليل للقيام، وتلاوة القرآن وذكر الله وتسبيحه واستغفاره وليقرأ القرآن أو يسمعه حتى وهو في تجارته ومحله.

فإن المغبون من انصرف عن طاعة الله في هذه العشر، والمحروم من حرم رحمة الله في هذه العشر، والمأسوف عليه من فاتته فرصة العشر وفرط في هذه العشر وفاتته ليلة القدر مغبون من ضيّع تلك الساعات المباركة في الملاهي والشوارع والأسواق، ولم يرفع يديه بدعوة ولم تذرف عينه بدمعة ولم يخشع قلبه لله لحضه، ولم يصلي صلاة القيام بركعة.

محروم من أحاطت به خطيئته في هذه العشر، ولم تقل عثرته في تلك الليالي الفاضلة المباركة، مسكين من فرط في الصلاة في هذه العشر فتركها، أو وجبت عليه الزكاة فمنعها، أو أمد الله في عمره فأدرك هذه العشر فضيعها.

آه لمن فاتته تلك الليلة وياحسرة على من ضيّع هذه الليالي وفاتته عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة.

ألا تستحق منا ليلة القدر أن نضحي من أجلها ونترك أمورنا من أجلها ونتفرغ من كل شيء من أجلها وقد قال الله فيها: {حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ . رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[الدخان:1-6]. 

 

مراد باخريصة