ما الذي يجعلك تشعر داخليًا بأن الله موجود؟
الأصل هو العدم، ولا أجد العدم مضطرًا -فضلاً عن كونه قادرًا- للخروج من عدميته ما لم يُجبَرُ على هذا إجبارًا! وعندما يُجبَر يظل متعبًا متململاً ما لم يعد لأصله!
الجواب:
سأخبرك عن ما يجعلني مستشعرا هذا بقوة، لكن مبدئيا أرجو مراجعة صحة كلمة "موجود" على الله تعالى، فهي اسم مفعول، أليس الصحيح أنه: "الواجد" (من وَجَد وليس من وُجِد)، و"واجب الوجود"، و" المُوجِد"؟
أما ما يجعلني أستشعر بقوة وجود الله، فهذه خمس نقاط على سبيل المثال لا الحصر:
1- استشعاري أن الأصل هو العدم والموت والفوضى، والاستثناء هو العكس، فمشاهداتي أن فقاعة الصابون عندما تكون منتفخة تكون أقل استقرارًا، ولا أستشعر أنها استقرت وعادت إلى أصلها إلا عند انفجارها، وأي حي فوق هذه البسيطة يظل يقاوم الأرض من ابتلاعه حتى تبتلعه في قبرها ليعود إلى أصله مهما طال الوقت! وكل شيء تتركه بلا تنظيم مستمر ينتقل لحالة الفوضى..
ففقاعة الصابون لا تحتاج لفاعل كي تنفجر، لكنها تحتاجه كي تنتفخ، والحي لن يحتاج إلا لتركه كي يموت، لكنه يحتاج لعناية وغذاء ودواء وغرفة إنعاش حتى يظل حيًا! والبيت لا يحتاج لشيء كي تتبعثر مكوناته، لكن يحتاج لمن ينظمه وينظفه كي يظل على حالته!
الخلاصة: الأصل هو العدم، ولا أجد العدم مضطرًا -فضلاً عن كونه قادرًا- للخروج من عدميته ما لم يُجبَرُ على هذا إجبارًا! وعندما يُجبَر يظل متعبًا متململاً ما لم يعد لأصله!
2- أتعجب بشدة من (ذاكرة الكون) واستقراره! فكون العالم يسير حسب قواعد ثابتة هذا لا يفسره أبدًا لي إلا وجود من يثبتها، وهذا الذي يثبتها لا يمكن أن يكون معتمدًا عليها وإلا لما قدر على تثبيتها، أشعر أن فقاعة الصابون كانت ستنفجر من فورها -هذا إن كان ثمة أمر يبرر انبثاقها- لو لم يكن هناك ما يمنعها من الانفجار كصيانة مستمرة لجدرانها التي تميل للتفتق! وهكذا هو العالم!
3- وجود نفسي ذاتها من أكثر ما يشعرني بوجود الله، فلا أجد معنى لكل هذا دون أن يكون هناك من أراده! فأنا شخصيًا لا أعرف أي مبرر أن أكون أنا أنا! ولا أن أكون أنا هنا! ولا أن أكون أنا الآن! إلا أن يريد هذا مريد هو أعلى وأقوى وأقدر على تحديد "من أنا"، وأين أنا"، و"متى أنا"، ولماذا "أنأ" على الإطلاق!
4- استشعارى دائمًا أنه لا معنى لشيء دون مرجع ننسب هذا الشيء إليه! فلا معنى للحركة دون مرجع لرصدها، وكذلك لا معنى للوجود المؤقت النسبي دون وجود دائم مطلق يرصد هذا الوجود المؤقت فيكون بعينه! وهذا الرصد في ذاته هو علة الوجود! لا بد من (واجب الوجود) كمرجع لأي وجود آخر! أما (واجب الوجود) فلا معنى للوجود -أي وجود- بدونه!
5- رؤيتي لنقص العالم من حولي وانتشار الظلم والقهر، ويقيني أن هذا تشوه ونقص، رؤيتي لهذا كله تشعرني بشدة بوجود نفس كاملة، أجد نفسي مضطرًا دائمًا لمقارنة هذا النقص بها فأدرك بهذا أصلاً أنه نقص! وإلا فلا داعي أصلاً من العناء باستشعار أمرًا اعتباريًا كان يمكنني اعتباره ببساطة هو الكمال!
هذا بعض مما فاضت به نفسي، فما فيه من صواب فهو من أصل الصواب من الله، وما فيه من نقص فمن نفسي.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: