من يستحق التاج؟!

منذ 2015-08-05

ما هذه المنافسة؟ ومن رائدها؟ ومن المتنافسون فيها؟ والمتسابقون عليها؟ ومن الفائز بالتاج؟ والحائز على الكنز الوهَّاج؟!

إنه صراع محموم بين مجموعة من الخصوم! 

ومنافسة (غير شريفة!) يجتمع عليها أعضاؤها من كلِّ الفجاج!

تدور رحاها بين يدي سيِّد قومه، وسلطان عشيرته، ليعلن عنها في الملأ، وينادي عليها فوق رؤوس الأشهاد من بني جنسه، فتثار همم الرِّمم، وتستنفر جهود كلِّ مجهود، وتستفزّ لها طاقات من لديه طاقة أو قدرة للخوض في غمار المنافسة المحمومة.

ولك أن تتصوَّر معي لُعاب هؤلاء الأصحاب كيف يسيل بين الأنياب، ويتحدَّر من بين مفارق الأشداق!

فالنجاح فيها يعني دخول بلاط الملك، والعيش في سرادقه، والدنو من كنفه، والقرب من رواقه، والفوز بالتاج على الرأس، وإعلان الانتصار على المنافسين الخاسرين، وأيّ انتصار!

ولعلّك تسألني في لهفة ما هذه المنافسة؟ ومن رائدها؟ ومن المتنافسون فيها؟ والمتسابقون عليها؟ ومن الفائز بالتاج؟ والحائز على الكنز الوهَّاج؟!

فتعال معي لتنظر إلى خبايا في زوايا هذه المنافسة، وعلى من تدور رحاها حتى لا نكون من ضحاياها وإليك فصول الحكاية في هذه الرواية..

فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح إبليسُ بثَّ جُنودَه فيقولُ: مَن أخْذَل اليومَ مسلِمًا أُلْبِسُه التَّاجَ؟
قال: فيجيءُ هذا فيقولُ: لَم أزلْ بهِ حتَّى طلَّق امرأتَه، فيقولُ: أوشَكَ أنْ يتزوجَ.
ويجيءُ هذا فيقولُ: لَم أزَلْ بهِ حتَّى عقَّ والدَيْه، فيقولُ: يُوشِكُ أن يَبرَّهُما.
ويَجيءُ هذا فَيقولُ: لَم أزلْ بهِ حتَّى أَشرَكَ، فيُقولُ: أنتَ أنتَ.
ويجيءُ هذا فيقولُ: لَم أزلْ بهِ حتَّى قَتَلَ. فيقولُ: أنتَ أنتَ، ويُلْبِسُهُ التَّاجَ
» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [2449]، والصحيحة؛ برقم: [1280]).

هذه المنافسة الأولى..

وفاز فيها العدو اللدود على أقرانه، وكان الضحية فيها من بني الإنسان من قتل مسلمًا بغير حق، فأوبق دينه ودنياه، وأهلك حياته وآخرته..

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزالُ المَرْءُ في فُسحةٍ مِن دِينِه ما لَمْ يُصِبْ دمًا حرامًا» (صحيح البخاري؛ برقم: [6862]).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «والَّذي نفسي بيدِهِ لقَتلُ مؤمنٍ أعظمُ عندَ اللَّهِ من زوالِ الدُّنيا» (صحيح سنن النسائي؛ برقم: [3997]).

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَزوالُ الدُّنيا أَهْوَنُ على اللَّهِ مِن قتلِ مؤمنٍ بغيرِ حقٍّ» (صحيح سنن ابن ماجه؛ برقم: [2138]).

 

وإليك المنافسة الثانية..

وفيها منافسة أكبر بين شياطين أكثر.. وإليك هذا الخبر:‍‍

فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ ثمَّ يبعثُ سراياهُ فأدناهم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنةً يجيءُ أحدُهم فيقولُ فعلتُ كذا وَكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا. قال ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بينَه وبينَ امرأتِه. فيدنيهِ منهُ ويقولُ: نِعمَ أنتَ» (صحيح مسلم؛ برقم: [2813]).

أرأيت كيف يضمُّه إليه، ويقرِّبه منه، ويدنيه من رواقه وبلاطه؟‍ لأنه هدم كيان أسرة، وشتت شمل بيت، وفرَّق بين أحباب، وتسبب في الألم والندم، والكمد والنكد، والحسرة المرَّة للأبناء والآباء، والأحفاد والأجداد، وكلَّ محبٍّ ودود!

فلا تفتح له الباب، ليدخل إلى بيتك العامر، فيحيله إلى خراب وعذاب، وأحزان وآلام، ويغدو العمر رحلة مكدودة تغشاها الوحدة، وتغمرها الأوجاع، ويكون الشيطان هو الفائز والحائز على تاج النصر فوق رفات بيت متهدِّم يسكنه قلبٌّ متألم وعقلٌّ متندِّم!‍‍

عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدير فرع لجنة العفو واصلاح ذات البين - بجدة .