يا أهل العِزة في غزة لا تحسبوه شراً لكم
منذ 2009-01-03
ومع ظهور هذه الخيانات والمؤامرات من بعض حكام العرب وجامعتهم العربية نجد اليوم من بعض الدعاة من يؤمل فيهم النخوة فيوجه لهم المطالبة بالتدخل ونصرة المستضعفين في غزة، فسبحان الله وبحمده وهل يجني من الشوك العنب وكيف يطلب من العدو النصرة؟!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن مما يحزن قلب كل مسلم صادق ويشغل ذهنه وتفكيره في هذه الأوقات ما يلاقيه أهلنا في غزة الصابرة المحاصرة وذلك على أيدي اليهود الكفرة ومن ورائهم أمريكا الطاغية الباغية وأيدي المنافقين الخونة من بني الجلدة والنسب.
وهنا لن نضيع الوقت في الإدانة والشجب لما يقوم به أحفاد القردة والخنازير وعملاؤهم من الفظائع والمذابح هناك لأن الصراع مع اليهود وأذنابهم ليس صراع كلام وشتم إنما هو أعظم من ذلك إنه صراع دم وهدم وحياة وموت، وهذا ما قاله سعد ابن معاذ لسعد ابن عبادة رضي الله عنهما حينما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب إلى بني قريظة اليهود داخل المدينة ليتثبت من نقض اليهود للعهد وغدرهم بالمسلمين فلما تأكد من ذلك سبهم سعد ابن عبادة فأمره سعد ابن معاذ أن يعرض عن ذلك وقال إن الأمر الذي بيننا وبينهم أربى من ذلك.
وإنما المقصود بهذه الكتابة مواساة إخواننا أهل العزة والكرامة في غزة ومشاركتهم في مصابهم، وذلك ببيان بعض الألطاف الربانية التي يتضمنها هذا المصاب علَّها أن تساهم في هذا العزاء وفي شحذ الهمم واللجوء إلى الله عز وجل وإحسان الظن به سبحانه، وقطع الطريق على أسباب اليأس والإحباط والهزائم النفسية والثبات على الحق والصبر على مرارته التي يعقبها النصر والفلاح إن شاء الله تعالى.
وقبل ذكر هذه الألطاف يحسنُ التذكير بأن من عقيدة المسلمين الراسخة يقينهم بأن ما يجري اليوم من كيد وقتل وهجوم شرس من الكفار وأذنابهم على بلدان المسلمين ولا سيما ما يدور اليوم في غزة إنما هو بعلم الله عز وجل وإرادته وتدبيره قال سبحانه: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سورة الأنعام: 112].
ومشيئته وإرادته سبحانه وتعالى لا تنفكُّ عن حكمته بل له سبحانه الحكمة البالغة في خلقه وأمره والعارفون بربهم عز وجل يعلمون ذلك، ولذا فهم يحسنون الظن بربهم سبحانه ويرون أن عاقبة هذه الأحداث خير ومصلحة ولطف بالموحدين إن شاء الله تعالى. فها هو يوسف عليه السلام بعد المحن والمصائب التي مر بها حتى آتاه الله الملك وجمع شمله بأهله يقول الله عز وجل عنه: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [سورة يوسف: 100].
يعلِّق الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على قوله سبحانه {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} ويقول: "أخبر أنه يلطف لما يريده فيأتي به بطرق خفية لا يعلمها الناس. واسمه (اللطيف) يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية... فكان ظاهر ما امتحن به يوسف بمفارقة أبيه وإلقائه في الجب وبيعه رقيقاً ثم مراودة التي هو في بيتها عن نفسه وكذبها عليه وسجنه محناً ومصائب وباطنها نعماً وفتحاً جعلها الله سبباً لسعادته في الدنيا والآخرة. ومن هذا الباب ما يبتلي به عباده من المصائب ويأمرهم به من المكاره وينهاهم عنه من الشهوات هي طرق توصلهم إلى سعادتهم في العاجل والآجل" (شفاء العليل ص34).
وبالنظر إلى هذه الأحداث الجارية في فلسطين في ضوء سنن الابتلاء والتمحيص نرى أن هذه السنة المطردة الثابتة تعمل الآن عملها بإذن ربها سبحانه وتعالى لتؤتي أكلها الذي أراده الله عز وجل ومنه اللطف والرحمة من الله عز وجل، والمتمثل في تمحيص المؤمنين في فلسطين وخارجها وتمييز الصفوف حتى تتنقى من المنافقين وأصحاب القلوب المريضة وينكشف أمرهم للناس.
وكذلك يتعرف المؤمنون أنفسهم على أنفسهم وما فيها من الثغرات والعوائق التي تحول بينهم وبين التمكين والنصر فيتخلصوا منها ويغيروا ما بأنفسهم، فإذا ما تميزت الصفوف والمتساقطون في أتون الابتلاء وخرج المؤمنون الصابرون الموحدون الصادقون منها كالذهب الأحمر الذي تخلص من شوائبه بالحرق بالنار حينها تهب رياح النصر على عباد الله المصطفين الذين يستحقون أن يمحق الله من أجلهم الكافرين ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وقبل هذا التمحيص والتمييز فإن سنة محق الكافر وانتصار المسلمين التي وعدها الله عز وجل عباده المؤمنين لن تتحقق.
هكذا أراد الله عز وجل وحكم في سننه التي لا تتبدل: إن محق الكافرين لا بد أن يسبقه تمحيص المؤمنين، ولذلك لما سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "أيها أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟"، كان من دقيق استنباطه وفهمه لكتاب الله عز وجل أن قال: "لا يمكن حتى يبتلى"، ولعله فهم ذلك من قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران: 141].
ومن الحكم العظيمة والألطاف التي ظهرت لنا في أحداث غزة الموجعة في ضوء أسماء الله الحسنى:
أولاً: ظهور المنافقين المندسين في الصفوف وفضحهم سواء كان ذلك في صفوف الفلسطينيين أو خارجها وفي هذا رحمة للمسلمين حيث انكشف أمر المنافقين وافتضح نفاقهم وخيانتهم وبذلك يحذرهم المسلمون وينفروهم.. وما أمر محمود عباس وبطانته من المنافقين بخفيِّ عن المسلمين بعد هذه الأحداث التي يتواطأ فيها مع اليهود في تصفية المجاهدين ومؤسساتهم في غزة.
ثانياً: فضح المنافقين في بلدان العرب والمسلمين خارج فلسطين من العلمانيين والليبراليين وكثير من الحكام العرب الخانعين؛ فلقد أظهرت هذه الأحداث خبثهم وموالاتهم للأعداء حيث لم نسمع لهم صوتاً، ولم نر لهم موقفاً مشرفاً ينصرون به إخوانهم المسلمين في الأرض المحتلة، ويا ليتهم سكتوا وكفوا شرهم بل ذهب أكثرهم إلى مباركة ما يفعله العدو اليهودي من مذابح لأهلنا في غزة وحاكوا المؤتمرات للتخلص من حماس وسيطرتها على غزة.
وعلى رأس هذه الحكومات الخائنة حكومة مصر العميلة وذلك لتسلم غزة لعصبة عباس العميلة لكي تخلوا الساحة من أي رافض للسلام (الاستسلام) وحتى يتم تمرير التسوية التي يريد اليهود والأمريكيون فرضها على الفلسطينيين.
وإلا فماذا يعني أن تطلق وزيرة الخارجية لدولة اليهود ليفني تهديداتها بتدمير حماس من القاهرة قبل بدء المجزرة بيومين؟!، وكأنها قد حصلت على الضوء الأخضر من أكبر دولة عربية لكي تجتاح غزة ويصاب في أول يوم 200 قتيل و 400 جريح بدون أن يرد عليها وزير الخارجية المصري!!
ومن خيانات الحكومة المصرية تطمينها لحماس بأنها لن تضرب حتى لا يخلوا مقراتهم ويتم تصفيتهم وقد أكدت صحيفة (القدس العربي) عن قيادات فلسطينية رفيعة المستوى من أن رئيس جهاز المخابرات المصرية عمر سليمان أثناء لقائه مسئول من وزارة الدفاع اليهودي عاموس جلعاد: "أنه في غاية الغضب من مقاطعة حماس للحوار الوطني التي كانت مصر تعتزم عقده في القاهرة"، وقال: "إن مشعل وعصابته سيدفعون ثمن هذا الموقف"، وقال لجلعاد: "إن حماس أصابها الغرور وأنه لابد من تأديب هذه القيادات".
ومما يؤكد خيانة مصر للمسلمين المحاصرين في غزة إصرارها على غلق المعابر المؤدية إلى غزة وترك أهل غزة يموتون جوعاً ومرضاً..
وفي سؤال من مذيع قناة الجزيرة لمسئول إسرائيلي عن صحة ما أعلنت القناة العاشرة الإسرائيلية أن عشر دول عربية طلبت من إسرائيل الاستمرار في العدوان فتهرب الضيف الإسرائيلي من الإجابة فلم ينفي ولم يؤكد.
ويأتي بعد دولة مصر في الخيانة كثير من الدول العربية التي تتفرج اليوم على أهلنا وهم يذبحون وظاهر حالهم أنهم مغتبطون، وبعض هذه الدول لا زال يحتفظ علاقات دبلوماسية رسمية كالأردن التي تحمي الجهة الشرقية لليهود من المجاهدين، وفيها سفارة لليهود، وفيها جنود الموساد يسرحون ويمرحون، كحكومة قطر المخذولة التي تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع اليهود بوجود مكتب تمثيل لليهود في الدوحة، وبعض العلاقات الاقتصادية والسياسية. وفي مهاتفة بين رئيس وزراء قطر ووزيرة الخارجية اليهودية وبكل ذلة يفصح عن الحرج الذي تواجهه قطر من هذا الاعتداء حيث سيؤثر على العلاقات الودية بين البلدين!!!... خابوا وخسروا.
ومع ظهور هذه الخيانات والمؤامرات من بعض حكام العرب وجامعتهم العربية نجد اليوم من بعض الدعاة من يؤمل فيهم النخوة فيوجه لهم المطالبة بالتدخل ونصرة المستضعفين في غزة، فسبحان الله وبحمده وهل يجني من الشوك العنب وكيف يطلب من العدو النصرة؟!
ثالثاً: كما أظهرت هذه الابتلاءات خبث دولة الرفض والتشيع في إيران وربيبها حزب الشيطان في لبنان، وفضحت نفاقهم وكذبهم وخداعهم لمن كان مخدوعاً بهم من المجاهدين في فلسطين وخارجها؛ فأين وقوفهم ونصرتهم للمجاهدين في غزة الصابرة وأين عنترياتهم وصواريخهم؟!!
وهذا من حكمة الله عز وجل ورحمته ولطفه في هذه الأحداث...
رابعاً: تعرف المجاهدين أنفسهم على بعض الآفات والهنات الكامنة في نفوسهم، وعلى قوة صبرهم وثباتهم وكل هذا لم يكن ليعرف وينقدح زناده لولا هذه الابتلاءات والتمحيصات. وفي هذا خير إذا أدى إلى العلاج والتخلص مما يكدر القلوب ويؤخر النصر، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [سورة الرعد: 11].
خامساً: ظهر في هذه الأحداث معرفة الولي المناصر من العدو المخذل، وفي هذا خير للمجاهدين هناك حيث تميز لهم الموالي من المعادي وذلك على مستوى الأفراد والهيئات والحكومات.
وفي هذا العدوان البشع ظهر للمسلمين أن غزة والمسلمين فيها لا يتعرضون لعدوان يهودي فقط بل يتعرضون لعدوان ثلاثي: هم اليهود، وحكومة عباس العميلة داخل فلسطين، وفي الخارج يتولى كبر الدعم والتآمر مع اليهود النظام الرسمي العربي وعلى رأسه دولة مصر الخائنة. وفي معرفة ذلك خير لأن في هذه المعرفة تمييز للصفوف ومعرفة العدو فتتبرأ وتحذره والولي فتواليه وتحبه.
سادساً: ومن ألطاف الله عز وجل في هذه الأحداث قطع الطريق على الحلول الاستسلامية ومبادرات التطبيع مع اليهود، والذي لو حصل لكانت الذلة والعار على الفلسطينين ومن وراءهم من المسلمين حيث يرضون ببيع فلسطين والإقرار للعدو باحتلالها كما أن في ذلك إخماد لجذوة الجهاد والمقاومة.
ولكن هذه الأحداث قد قلبت الموازين ولم يبقى لأحد عذر في الانخداع بالحلول الاستسلامية.. ولقد تخوف أحد الدعاة وحذر من أن تعود نغمة الحلول الاستسلامية والمفاوضات بعد أن تخمد نار المحرقة فقال وهو د. عبد العزيز كامل: "فبعد أن تخمد نار المحرقة، نخشى أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه، من الركود والخمود عند فريق، ومن الخيانة والجحود عند آخرين من المتاجرين بالقضية، لأن مواقف التبعية، ستظل هي الظل الذي يسير تحته المنتفعون، والسقف الذي يتحرك تحته المنافقون، وستسمعون - أيها المسلمون - عن المتحدثين عن ضرورة الثبات على "الواقعية" السياسية، وحتمية التعاطي مع النوايا السلمية، والمبادرات التاريخية التي لا حل بدونها ولا حد لنفعها، وستستثمر دماء الشهداء لأجل تسويغ الفصل الجديد من الاستسلام الجماعي بدعوى العجز الجماعي عن الوقوف بوجه اليهود.
وبعد أن تخمد نار المحرقة، ستجدون (النظام الدولي) القائم على تقنين الظلم، يجر أطرافاً جديدة إلى طاولة المفاوضات مع المعتدين علنياً، كما يحصل بعد كل مصيبة تحل بالفلسطينيين، وذلك بعد أن يعيد الأطراف القديمة إليها راغمة بالرغم من إفلاسها وظهور عوارها، ولذلك علينا من الآن وضع الأجيال القادمة أمام حقيقة هذا النظام الدولي المتآمر منذ أكثر من ستين عاماً على أمتنا وحدها دون بقية "الأمم المتحدة" علينا.
وبعد خمود نار المحرقة، سيعود اللاعبون إلى اللعب بالشعوب العربية، بدءاً بضرورة احترام مقررات الشرعية الدولية، ومروراً بأهمية تفعيل نتائج القمم العربية، وانتهاءاً بحتمية احترام الاتفاقات الرسمية مع دولة الاحتلال الصهيونية، وهنا لابد من توعية الشعوب بحصيلة الحصاد المر لهذه المقررات وتلك المؤتمرات والاتفاقات التي كان الواحد منها يكفي لنزع الشرعية عن المتورطين فيها والمتشبثين بها.
وبعد خمود تلك النار، ستفتح شهية المنافقين والكفار والفجار لمزيد من الاتجار بدماء الشرفاء من الشهداء، بالدعوة إلى "وحدة الصف الفلسطيني تخت قيادته "الشرعية" العلمانية، التي تخضع حماس لبأس الأرعن عباس أو من يأتي بعده بضغوط دولية، ووساطات عربية، لا ترى لفلسطين مستقبلاً إلا تحت زعامة علمانية هزلية خائنة، وهنا لا يقبل - حتى من حماس - أن يعاد تلميع رموز الخيانة، بدعوى المصلحة القومية، أو اللحمة الوطنية، فكفى الأمة ما خدعت به عبر عقود طويلة من تقبيح الحسن، وتحسين القبيح باسم "توحيد الصف" في الاتجاه المعاكس للدين" ا.هـ (عن موقع لواء الشريعة).
سابعاً: ولعل في هذه الأحداث رد على من كان متهالكاً على حوار الأديان وداعياً إليه زاعماً أنه باب إلى إحلال السلام والوئام بين بني البشرية، وهاهم الذين يراد محاورتهم لا يعرفون إلا الذبح والدماء لأمة المسلمين، لا يرحمون في ذلك طفلاً ولا شيخاً، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فهل هذا هو المراد من الحوار؟!، تباً له من حوار، والحمد لله الذي أظهر فشله وسقوطه.
ثامناً: ولعل في هذه الأحداث عبرة لمن يعول على العملية السياسية ويظن أنها طريق إلى التمكين وبناء الدولة الإسلامية، وهل بعد ما فعله اليهود والحكام العرب من مؤمرات وضغوط لتركيع حماس من عذر في التهالك على السلطة والألاعيب السياسية؟!
تاسعاً: ومن رحمة الله عز وجل ولطفه في هذه الأحداث أنها حركت العزائم، وشحذت الهمم، وألهبت حماس المسلمين لجهاد الكفرة المحتلين من اليهود والصليبيين في كل مكان، وأثبتت للمسلمين عامة والمجاهدين خاصة أنه لا حل مع الغزاة والمعتدين إلا بالسيف والجهاد، وأن الحديد لا يفله إلا الحديد، وسيظهر من خلال هذه الأحداث وبعدها أن المجاهدين الصادقين هم طليعة الأمة وأشرافها.
ولذلك تداعت عليهم الأمم في جنبات الأرض الأربعة، ولم يكن المجاهدون في فلسطين وما حولها - ولن يكونوا - استثناءاً من هذه الطليعة فلسوف ينجلي أثر المعركة عن أن فيهم وفيمن يلتحق بهم الأمل - بعد الله - وقت التنكر للفداء والعطاء والعمل، فلهؤلاء المدافعين عن بوابات وحرمات الأمة دعاؤنا بالتأييد على أرض فلسطين كما أيد الله المجاهدين في أرض الرافدين، فالمعركة لازال في فصولها بقية على الأرضين، ورجاؤنا أن يلتحم الفريقان ويلتقيا بعد عبور النهر محققين خبر الصادق المصدوق: «لتقاتلن المشركين، حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه، وهم غربيه» [ضعفه الألباني في ضعيف الجامع].
وليس على الله بعزيز أن يذل تحالف اليهود والمشركين والمنافقين في فلسطين، كما أذل تحالف الأمريكان في العراق وتحالف الناتو في أفغانستان، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: 39-40].
وإن مثل هذه الأحداث لن تكون نتيجتها إن شاء الله تعالى إلا إخراج أجيال أصلب عوداً وأكثر عناداً وأطول نفساً وأكثر وعياً لحقيقة المعركة التي تدور في الأرض بين أولياء الله عز وجل وأعدائه.
عاشراً: إن المبتلى الأكبر في هذه الأحداث هم أهل الكفر والنفاق أما ابتلاء المؤمنين ففيه التمحيص وتمييز الصفوف واصطفاء الشهداء وفي هذا خير عظيم لهم، أما الكفار المعتدون فهم مبتلون الآن بسنة الإملاء والاستدراج لهم مما يزيدهم كبراً وغطرسةً وحماقةً وغروراً حتى يأتي الموعد الذي أجله الله لمحقهم، قال سبحانه: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [سورة آل عمران: 178] وقال سبحانه: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً} [سورة الكهف: 59].
وفي الوقوف مع سنة الإملاء فوائد منها:
عدم الخوف والاغترار بقوة العدو لأنهم في قبضة الله عز وجل ونواصيهم بيده وتركهم يظلمون ويقتلون هو إملاء من الله عز وجل ليسارعوا إلى ساعة محقهم لا ليدوم ظلمهم، ولو شاء الله عز وجل لقصمهم في لمح البصر، ولكن له سبحانه الحكمة في تأجيل القصم.. وهذا الإيمان يذهب اليأس عن النفوس ويزيل الإحباط والخوف ويحل محله العزة والثبات على الحق والتضحية في سبيله.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واجعل لإخواننا في غزة من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.. والحمد لله رب العالمين.
بقلم: عبد العزيز بن ناصر الجليِّل.
المصدر: يا له من دين
- التصنيف: