غزة وأنواع من الدمع
منذ 2009-01-07
إن الذي يحدث على الساحة الآن نصر لحماس بكل معاني الكلمة، حتى ولو شهدت الأيام القادمة أي تغير في دفة الأحداث -نسأل الله -تعالى- أن يكون التغير دائماً في اتجاه نصرة المسلمين ودحر الكافرين-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد:
فالدموع أحد مظاهر المشاعر الإنسانية، وهي تنجم عن سيطرة شعور جارف على صاحبها حتى يطغى هذا الشعور على الإرادة، بل ربما صار هو الإرادة ذاتها؛ ولذلك كان الدمع أحياناً معبِّراً عن الفرح، وإن كان في الأصل يعبر عن الحزن أو الشفقة أو الألم، وفي المشهد الراهن في غزة تشابكت أنواع كثيرة من دمع الحزن مع دمع الفرح، منها:
دموع الشفقة:
على النساء والأطفال الذين فاجأتهم طائرات الجبن والغدر، فتناثرت أشلاؤهم وتفحمت جثثهم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة البروج: 8-9].
وهؤلاء هم أولى من أُرِيق عليهم دمعُ الشفقة؛ فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وأما الدمع الذي يجري على الشهداء فدمع لا كالدمع، فكما أن دماءهم دماء لا تشبه الدماء؛ فهي دماء زكية مباركة تستحيل رائحتها يوم القيامة مسكاً، ولكن المؤمنين يستنشقون عبيره في الدنيا.
دمع البكاء على الشهداء صامت كصمتهم، أَبِيٌّ كإبائِهم، متحدِّرٌ كَزَحْفِهم، ألم تر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي ينعي مقتل قواده الثلاثة في مؤتة، ودمعه الشريف يجري على وجنتيه قائلاً: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم» [رواه البخاري]؟!
وأما دمع المحصورين:
الذي سبقتهم أرواحهم إلى نصرة إخوانهم ثم حبست أبدانهم، فيبكون بكاء المحتضر، ويتألمون ألم السجين، وهم أولى الناس بالمواساة، ألم ترَ إلى مواساة الله -عز وجل- للبكائين السبعة في غزوة تبوك الذين أقعدتهم الحاجة عن الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله مواسياً لهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [سورة التوبة: 92]؟
لعل هذه الأنواع من الدمع كانت هي الغالبة على الأمة في الأيام الثلاثة الأول حيث غلبت على الصورة معنى "المحنة"، ومع استمرار حالة الصمود واستمرار القصف المضاد من جانب حماس لتلك الصواريخ التي يحلو للبعض أن يصفها بالـ"كارتونية"، وهو أمر في حد ذاته يبعث على الفخر، فحجارة الأطفال أخرجت اليهود من غزة، وبارود الكبار -على حد وصفهم- سوف يقلب موازين القوى، ويغير قواعد اللعبة.
إن الذي يحدث على الساحة الآن نصر لحماس بكل معاني الكلمة، حتى ولو شهدت الأيام القادمة أي تغير في دفة الأحداث -نسأل الله -تعالى- أن يكون التغير دائماً في اتجاه نصرة المسلمين ودحر الكافرين-.
ولكن حتى لو حدث شيء من ذلك فيكفي أن إسرائيل بطائرات الـ"أف 16" والقنابل الارتجاجية والغدر والمكر والحيلة، وخرق مهلة الـ48 ساعة، واستباحة عمل السبت، وكل ذلك والحرب ما زالت سجال.
وكلما سمع المرء عن استمرار الروح القتالية العالية للقسَّاميين كلما تحدرت دموع الفرح؛ الفرح بتأييد الله الذي قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: 17].
نفرح بثبات الثابتين، كما فرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بجليبيب -رضي الله عنه- الذي أبلى بلاءً حسناً في المعركة، ووجده مقتولاً بين سبعة من المشركين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه» [رواه مسلم].
فرحة ببشرى نزفها إلى ما يقرب من مليار ونصف مسلم أن واحداً على ألف منهم فقط "مليون ونصف مسلم" -وإن كان هذا في حد ذاته من المضحكات المبكيات- صمدوا أمام أيدي الغدر اليهودية المدعومة بالترسانة العسكرية الأمريكية.
إن النصر الحاصل حتى لحظة كتابة هذه السطور نصر ساحق، وآثار الهزيمة بادية على أفاعي اليهود، وإن حاولوا التستر بابتسامة صفراء باهتة لم تفلح في إخفاء علامات الخوف والهلع من على وجوههم.
بيد أن الأمر لم يخلُ من أنواع أُخَر من الدموع، منها:
دموع أشبه بدموع النائحة التي تذهب إلى المأتم ضاحكة بملء فيها، فإذا تراءى لها مكان المأتم من بعيد قلبت الضحك بكاءً، حتى كأني بها وقد فغرت فاها ضاحكة فقلَبَتْه بحركة مفاجئة إلى بكاء، وجرى من مآقيها ما يشبه الدمع.
وفي القوم من يُرى في عروقه ما يشبه الدم، ولكنه ليس فيه من صفاته شيء، فلا يَسُحُّ دمعُهُ خوفا على أمته، ولا يتحرك قلبه شفقة على أمٍّ ثكلى وطفلٍ صريع، فإذا قيل له المقام مقام بكاء أخذ يستجدي دمع النائحات، ولكن حتى هذا الدمع البارد لا يسعفه ولا يواتيه، وكأن دمع النائحات قد نأى بنفسه عن أن يجري في تلك المدامع.
وأما الدموع التي لو قلبت دماءً لما كان ذلك كثيراً على المُبكى عليه فهي على أقوام من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا استزلهم الشيطان، فشابهوا أعداء الله في عاداتهم وأعيادهم ولهوهم وباطلهم، متذرعين بذرائع شتى، ولقد علموا أنه الهوى لا شيء غيره إلا أن تكون المداهنة في دين الله -تعالى-، ورغم كل ما يحدث مما يوقظ صاحب الهوى من غيه، ويحرج صاحب المداهنة أمام نفسه، إلا أن نفراً غير قليل من هؤلاء بقي في سكرة غَيِّهِ، وأوحال مداهنته.
تُرى هل بقيت في مآقينا مدامعُ فنبكيهم بها، أم أن جُلَّ دموعنا قد ذهبت إلى غزة شفقة وعجزاً، ونصراً وعزاً؟؟
نسأل الله أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً.
فالدموع أحد مظاهر المشاعر الإنسانية، وهي تنجم عن سيطرة شعور جارف على صاحبها حتى يطغى هذا الشعور على الإرادة، بل ربما صار هو الإرادة ذاتها؛ ولذلك كان الدمع أحياناً معبِّراً عن الفرح، وإن كان في الأصل يعبر عن الحزن أو الشفقة أو الألم، وفي المشهد الراهن في غزة تشابكت أنواع كثيرة من دمع الحزن مع دمع الفرح، منها:
دموع الشفقة:
على النساء والأطفال الذين فاجأتهم طائرات الجبن والغدر، فتناثرت أشلاؤهم وتفحمت جثثهم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة البروج: 8-9].
وهؤلاء هم أولى من أُرِيق عليهم دمعُ الشفقة؛ فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وأما الدمع الذي يجري على الشهداء فدمع لا كالدمع، فكما أن دماءهم دماء لا تشبه الدماء؛ فهي دماء زكية مباركة تستحيل رائحتها يوم القيامة مسكاً، ولكن المؤمنين يستنشقون عبيره في الدنيا.
دمع البكاء على الشهداء صامت كصمتهم، أَبِيٌّ كإبائِهم، متحدِّرٌ كَزَحْفِهم، ألم تر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي ينعي مقتل قواده الثلاثة في مؤتة، ودمعه الشريف يجري على وجنتيه قائلاً: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم» [رواه البخاري]؟!
وأما دمع المحصورين:
الذي سبقتهم أرواحهم إلى نصرة إخوانهم ثم حبست أبدانهم، فيبكون بكاء المحتضر، ويتألمون ألم السجين، وهم أولى الناس بالمواساة، ألم ترَ إلى مواساة الله -عز وجل- للبكائين السبعة في غزوة تبوك الذين أقعدتهم الحاجة عن الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله مواسياً لهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [سورة التوبة: 92]؟
لعل هذه الأنواع من الدمع كانت هي الغالبة على الأمة في الأيام الثلاثة الأول حيث غلبت على الصورة معنى "المحنة"، ومع استمرار حالة الصمود واستمرار القصف المضاد من جانب حماس لتلك الصواريخ التي يحلو للبعض أن يصفها بالـ"كارتونية"، وهو أمر في حد ذاته يبعث على الفخر، فحجارة الأطفال أخرجت اليهود من غزة، وبارود الكبار -على حد وصفهم- سوف يقلب موازين القوى، ويغير قواعد اللعبة.
إن الذي يحدث على الساحة الآن نصر لحماس بكل معاني الكلمة، حتى ولو شهدت الأيام القادمة أي تغير في دفة الأحداث -نسأل الله -تعالى- أن يكون التغير دائماً في اتجاه نصرة المسلمين ودحر الكافرين-.
ولكن حتى لو حدث شيء من ذلك فيكفي أن إسرائيل بطائرات الـ"أف 16" والقنابل الارتجاجية والغدر والمكر والحيلة، وخرق مهلة الـ48 ساعة، واستباحة عمل السبت، وكل ذلك والحرب ما زالت سجال.
وكلما سمع المرء عن استمرار الروح القتالية العالية للقسَّاميين كلما تحدرت دموع الفرح؛ الفرح بتأييد الله الذي قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: 17].
نفرح بثبات الثابتين، كما فرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بجليبيب -رضي الله عنه- الذي أبلى بلاءً حسناً في المعركة، ووجده مقتولاً بين سبعة من المشركين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه» [رواه مسلم].
فرحة ببشرى نزفها إلى ما يقرب من مليار ونصف مسلم أن واحداً على ألف منهم فقط "مليون ونصف مسلم" -وإن كان هذا في حد ذاته من المضحكات المبكيات- صمدوا أمام أيدي الغدر اليهودية المدعومة بالترسانة العسكرية الأمريكية.
إن النصر الحاصل حتى لحظة كتابة هذه السطور نصر ساحق، وآثار الهزيمة بادية على أفاعي اليهود، وإن حاولوا التستر بابتسامة صفراء باهتة لم تفلح في إخفاء علامات الخوف والهلع من على وجوههم.
بيد أن الأمر لم يخلُ من أنواع أُخَر من الدموع، منها:
دموع أشبه بدموع النائحة التي تذهب إلى المأتم ضاحكة بملء فيها، فإذا تراءى لها مكان المأتم من بعيد قلبت الضحك بكاءً، حتى كأني بها وقد فغرت فاها ضاحكة فقلَبَتْه بحركة مفاجئة إلى بكاء، وجرى من مآقيها ما يشبه الدمع.
وفي القوم من يُرى في عروقه ما يشبه الدم، ولكنه ليس فيه من صفاته شيء، فلا يَسُحُّ دمعُهُ خوفا على أمته، ولا يتحرك قلبه شفقة على أمٍّ ثكلى وطفلٍ صريع، فإذا قيل له المقام مقام بكاء أخذ يستجدي دمع النائحات، ولكن حتى هذا الدمع البارد لا يسعفه ولا يواتيه، وكأن دمع النائحات قد نأى بنفسه عن أن يجري في تلك المدامع.
وأما الدموع التي لو قلبت دماءً لما كان ذلك كثيراً على المُبكى عليه فهي على أقوام من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا استزلهم الشيطان، فشابهوا أعداء الله في عاداتهم وأعيادهم ولهوهم وباطلهم، متذرعين بذرائع شتى، ولقد علموا أنه الهوى لا شيء غيره إلا أن تكون المداهنة في دين الله -تعالى-، ورغم كل ما يحدث مما يوقظ صاحب الهوى من غيه، ويحرج صاحب المداهنة أمام نفسه، إلا أن نفراً غير قليل من هؤلاء بقي في سكرة غَيِّهِ، وأوحال مداهنته.
تُرى هل بقيت في مآقينا مدامعُ فنبكيهم بها، أم أن جُلَّ دموعنا قد ذهبت إلى غزة شفقة وعجزاً، ونصراً وعزاً؟؟
نسأل الله أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً.
المصدر: صوت السلف
عبد المنعم الشحات
أحد المشايخ البارزين بمسجد أولياء الرحمن بالاسكندرية للدعوة السلفية و منهجه منهج أهل السنة و الجماعه و سلف الأمة من الصحابة و التابعين لهم باحسان
- التصنيف: