فوارق - بين وجود الاحتياج الحقيقي وبين اصطناعه!
و فارق بين وجود الاحتياج الحقيقي وبين اصطناعه!
إعلانات التلفزيون نموذج واضح لاصطناع الاحتياج الذي أعنيه
هل سبق أن شعرت يوما بعد مشاهدة إعلان ما أنك تريد شراء شيء لم تشعر قط باحتياجك إليه قبل ذلك؟!
تلك هي ببساطة فلسفة الإعلانات
فلسفة صناعة الوهم واصطناع مشكلة أو أزمة أو المبالغة في افتعال احتياج غير موجود لتحريك دوافع الشراء لدى المتلقي
تأمل مثلا إعلانات شبكات المحمول وكيف أنها تلخص احتياجات الناس في (الرغي) وتجعل من عروضها ودقائقها المجانية شيئا عظيما مبهرا ينبغي للمرء أن تتهلل له أساريره ويسارع لشراء مزيد ومزيد من الخطوط وكروت الشحن
لاحظ أيضا إعلانات الأطعمة والحلويات والمشروبات الغازية وانظر إلى سمات السعادة والانتعاش والفرحة الظاهرة على وجوه من يلتهمون هذا (الساندوتش) أو يتلذذون بتلك الشيكولاتة أو يستمتعون بـ(الحاجة الساقعة) وانظر إلى حالة اللهفة التي يصنعونها والتي تهيىء للمشاهد أن منتهى السعادة في هذه القضمة وغاية السرور في تلك الرشفة
أما عن إعلانات مساحيق الغسيل فحدث ولا حرج
انظر دائما إلى حالة (ست البيت) التي تستعمل المسحوق المنافس وكيف أنها في حالة يرثى لها بينما الحزن العميق والأسى الدامس يرتسم على وجهها فإن مشكلة حياتها المعقدة هي تلك البقعة العنيدة التي تقاوم الغسيل!!
ثم لا تلبث تلك الحالة أن تزول ويزول معها كل العبوس والحزن حين تستمع لنصيحة جارتها المبتهجة المبتسمة طوال الوقت حيث أنها تستعمل المسحوق الذي سد جميع احتياجاتها وحلَّ كل مشاكل حياتها الشاقة المعقدة
ثمة فارق كبير بين وجود الحاجة وبين اصطناعها وادعاء وجودها
ذلك الفارق هو ما تقوم عليه فلسفة البروباجندا و الإعلانات التي يُعرِّفها البعض بأنها فن خلق احتياجات غير موجودة أو غير حقيقية وتحويلها من خلال الصورة الجذابة أو العرض الأنيق إلى احتياجات أساسية وعاجلة مع الإيهام بوجود مشكلة والمبالغة في تضخيمها
أسلوب إعلاني متعارف عليه وقد يكون مقبولا كنوع من أنواع الترويج و(أكل العيش) وما دام المستهلك قد قبله فهو حر ولسنا أوصياء على أحد
لكن ما ينبغي أن ينتبه إليه الإنسان هو المنهج والطريقة التي ينتهجها كثير ممن حوله وتعد من أهم الوسائل التي استعملها الشيطان ويستعملها لإضلال بني آدم
إن بداية المنهج الشيطاني كانت تكمن دائما في ذلك الإيهام والتغيير المستمر لتوصيف الأشياء مع غرس التململ من الشرع وتصويره على أنه أصل المشكلة والحائل بين المرء وبين تحقيق أهدافه وآماله
{مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
لقد اختلق الشيطان هنا مشكلة غير حقيقية وزين شهوة معينة ثم ربط وصول سيدنا آدم وزوجه إلى تلك الغاية المفتعلة بالتخلص من التشريع الذي أمرهما الله به
ولقد كان في سبيل ذلك مستعدا للقسم وقادرا على أن يتلبس بثياب الناصح الحريص على المصلحة "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" ليغير بذلك أولوية المطالب والطموحات لدى آدم وزوجه
لكن لحظة..
من قال أصلا أن مطلب التحول لملكين أو الخلود كان من ضمن أهداف سيدنا آدم وزوجه؟!
إنهما يعيشان بالفعل في جنة يأكلان منها رغدا حيثما شاءا فما الذي طرح فكرة التحول أو الخلود أصلا؟
إنها نفس النظرية الإعلانية
نظرية صناعة الوهم واختلاق الاحتياجات واصطناع المطالب وإبراز الأطماع التي ربما لم يُنتبه إليها ولم تكن مطروحة من قبل
بالتالي يصير الوصول إلى تلك الغايات هو الهدف العاجل ويصبح التحرر من أي حوائل تقف بين المرء وبين تلك الأهداف ضروريا
ستظهر بعد حين حقيقة ذلك الوهم والخداع بمجرد أن يمد الإنسان يده ويقطف ثمرة الشجرة المحرمة فلا يستسيغ طعمها ويدرك أنها لم تكن كما تصور {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ }
لكن البداية تظل دوما في الإيهام والتلبيس في توصيف المشاكل والحلول وطمس #الفوارق بين ما يحتاجه الناس حقا وبين ما يراد لهم أن يتصوروا احتياجهم إليه من خلال تلك الفلسفة السحرية
فلسفة الإعلانات وصناعة الوهم..
وهم الاحتياج…
- التصنيف: