بر الوالدين

منذ 2015-09-28

أو تلك الابنة الذين يبروا آبائهم وكأنه واجب عليهم، فيكونوا كالتي نقضت غزلها، فيقوموا بالمساعدة ولكنهم يفعلون وكلهم ضيق وتأفف

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

أطع الإله كما أمر *** واملأ فؤادك بالحذر

الدين حق واجب *** نور البصيرة والبصر

حافظ عليه فإنه *** نعم السعادة تتدخر

وأطع أباك فإنه *** رباك من عهد الصغر

واخضع لأمك وارضها *** فعقوقها إحدى الكبر

حملتك تسعة أشهر *** بين التألم والضجر

فإذا مرضت فإنها *** تبكي بدمع كالمطر

فأطعهما وقرهما *** كيلا تعذب في سقر

أمرنا الله سبحانه وتعالى ورسولنا الكريم على برالوالدين، قال تعالي: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]، كم نري حولنا من أمثلة لعقوق الوالدين، من قول أو فعل أو حتى نظرة عابرة، ولكن ما أقساها من نظراتٍ تؤلم الأبوين وتطعنهم في قلوبهم المُحِبَّة لأبنائهم!. قال تعالي: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء:23]، وهنا فسر العلماء كلمة (أف) بأنها ليست فقط كلمة أو زفرة، ولكن هي كل قول أو فعل، "لكنَّ العلماء حملوا على أُف كُلَّ موقفٍ، وكُلَّ نظرةٍ، وكُلَّ حركةٍ، وكُلَّ تصرُّفِ يُساويها في الإساءة، فلو أُغلِقَ الباب بِعُنفٍ هذهِ كأُف، من شدَّ نظره إلى أبيه، هذهِ كأُف، من أشارَ إشارةً بيده تبرّماً هذهِ كأُف".

معني كلمة البر اصطلاحًا: "البِرُّ بالكسر أي: التوسُّع في فعل الخير، والفعل المرضِي، الذي هو في تزكية النَّفس يقال: بَرَّ العبدُ ربَّه أي: توسَّع في طاعته. وبِرُّ الوالد: التَّوسع في الإحسان إليه، وتحرِّي محابِّه، وتوقِّي مكارهِه، والرِّفقُ به، وضدُّه: العقوق. ويستعمل البِرُّ في الصِّدق؛ لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه.

وقال تعالي: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]، يا الله! الإحسان في البر، كم مرة شاهدنا ذلك الابن أو تلك الابنة الذين يبروا آبائهم وكأنه واجب عليهم، فيكونوا كالتي نقضت غزلها، فيقوموا بالمساعدة ولكنهم يفعلون وكلهم ضيق وتأفف، أو يوزعون نظرات قاتلة لأبويهم، أو تلك النعمة المنتشرة هذه الأيام بين الأبناء الذكور؛ من أن ليس للأم الحق في اختيار زوجاتهم؛ ويستندون لحادثة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل-عليهما السلام-، لن اتناقش معكم في ذلك من حيث مطابقة الشرع له، فلست أهلًا لذلك، ولكن سأتناقش معكم من منطلق الإحسان في البر، اليست تلك التي ربت وتعبت وسهرت؟ اليس من حقها -دون تسلط أو مغالة- أن تفرح بذلك العُرس؟ اختر من تشاء، ولكن حافظ على برّك لأمك وليكن نُصْب عينيك.

إخوتي في الله، اعلموا أن ثمار الغد؛ غِراس اليوم، وأنه كما تدين تُدان، وأنه كلما أحسنتم في البر، وجدتموه في صورة بر جميل من أبنائكم، وفعلًا طيبًا، جعلنا الله وإياكم ممن قال عنهم تعالي: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24]. 

-------------

بقلم: علياء شومان