خوَنة الداخل
خوَنة الداخل .. بلاء الأمّة كلّ زمان ومكان !!
وكم أفسد الإحسان إليهم .. أمر الملوك، وأضاع ممالكهم !
قال محمد رشيد رضا رحمه الله:
أتدرون أيها الإخوان .. لماذا رفع الإنكليز الحماية عن مصر ؟!
إنهم لم يرفعوها لِما قتل الثائرون من رجالهم القليلين ؛
وإنما رفعوها .. للثورة السلبية التي اتفق عليها الموظفون في الحكومة، بامتناعهم من حضور الدواوين، واشتغالهم فيها تحت سيطرة الإنكليز !
بل ما تسنَّى للإنكليز احتلال مصر، إلا باستعداء حكومتها إياهم على
طلاب النّصفة والإصلاح من شعبها، وبخيانة الخونة من باشاواتها لها ... !
ثم لم يتمكنوا من سلب نفوذ حكومتها، وجعلها آلة صماء في أيدي مستشاريهم، ومن دونهم المفتشين وغيرهم؛ إلا بأيدي تلك الجماعة التي كانوا يسمونها مجلس النظار أو الوزراء، وأطلق عليها شيخنا الأستاذ الإمام اسم " جمعية الصم البكم " ).
انظر: مجلة المنار
قلتُ :
وهكذا دومًا دور الخونة والمرتزقة والمنافقين، من كل فئة وطائفة، من أهل البلد الواحد !
تجدهم كالسرطان المتجذّر، والورم الخبيث، الذي استفحل وتمدّد في جسد الأمّة وبِنيتها !
ينخرون في خفاء، ويكيدون في دهاء، ويمكرون مكر السّيّء، ويُدبّرون بليل .. ويقودون الثورات السلبيّة حال علوّ المُصلحين، فلا يزالون كذلك حتى تسقط الدُّول، وتزول الأمم، ويُقضَى على المُصلحين ومُلكهم، وتعود الدولة من جديد، ليَعلوها الفسدة والقتلَة والماجنون والمنافقون، ليكونوا فيما بعد وكلاء لأسيادهم بالخارج، في احتلال البلاد ونهب ثرواتها، وتزييف هُويتها وطمسها !
ومن ثمّ يصبحون كالآلة الصمّاء، في أيدي الأعداء .. أينما وُجِّهَت لا تأت بخير !
وكذلك يكون حال المُعارضات الكارتونية فيما بعد، في أيّ زِيٍّ كانت .. سياسية، أو رياضية، أو دينية، أو فنيّة ... !
فما أكثرها اليوم .. جمعيات " الصم البكم " والله المُستعان !
لذا .. صار الأصل هو مُخاشنة أمثال هؤلاء، ودفع شرّهم بما يُستطاع، وتخليص البلاد والعباد من رِقّهم وتسلّطهم على مقاليد الأمور .. لا تقريبهم وتقديمهم على المُخلصين، وتقليدهم الأوسمة والنياشين .. فذاك مُؤذنٌ بالخسار والضياع والذِّلة والهوان ..
وفي ذلك يقول رشيد رضا رحمه الله:
( هذا وإن معاشرة الرئيس من إمام وملك وأمير، لمنافقي قومه بمثل ما يعاشر به المخلصين منهم .. فيه توطين لأنفسهم على النفاق، وحمل لغيرهم على الشقاق !
فكيف إذا وضع المحاسنة موضع المخاشنة ؟!!
والإيثار لهم حيث تجب الأثرة عليهم !!
وبالغ في تكريمهم بالحباء والاصطفاء، لمبالغتهم في التملّق له، ودهان الدهاء، والإطراء في الثناء !!
فإن هذه المعاملة مُفسدة لأخلاق الدهماء، ومثيرة لحفائظ المخلصين الفضلاء .. وكم أفسدت على الملوك الجاهلين أمرهم، وكانت سببًا لإضاعة ملكهم ). انظر: تفسير المنار
فمتى يُفيق النائمون، وينتبه الغافلون، ويعتبر المُبصرون ؟!!
أبو فهر المسلم
باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله
- التصنيف: