إقامة الشريعة والتسرع في التكفير
منذ 2009-03-27
لاشك أن الأمة الإسلامية مرت بمراحل من المتغيرات المتلاحقة خلال القرن المنصرم وبداية القرن الحالي، ومن أهم تلك المتغيرات العودة الظاهرة للأمة إلى شريعة ربها واختيارها للإسلام بمحض رغبتها وعاطفتها الدينية الجارفة....
لاشك أن الأمة الإسلامية مرت بمراحل
من المتغيرات المتلاحقة خلال القرن المنصرم وبداية القرن الحالي، ومن
أهم تلك المتغيرات العودة الظاهرة للأمة إلى شريعة ربها واختيارها
للإسلام بمحض رغبتها وعاطفتها الدينية الجارفة.
وقد تواكب مع هذه التغييرات ظهور حركات إسلامية منها من أجاد وبذل ومنها من جانبه الصواب، فكانت النتيجة أن ساهم كل من أجاد في دفع الدفة الإسلامية للسير في مسارها الصحيح, وكانت النتيجة الحتمية لكل انحراف عن جادة الصواب وسبيل المسلمين أن انحرفت معه السفينة الدعوية، ليبذل المخلصين من أبناء الدعوة والعلم من وقتهم ووقت الدعوة الكثير للعودة بالسفينة إلى مسارها الصحيح, فكان التأخر في أوقات الأمة في أشد الحاجة فيها إلى التقدم، لذا فهذا تذكير لشباب الأمة بلزوم جادة الصواب والتزام الصراط المستقيم وعدم الانحراف الناتج عن الجهل حتى لاتنحرف معهم السفينة وتتأخر إقامة الشريعة بسبب غلو أو انحراف من ينتسبون إلى الدعوة بجهل وبسبب حماسة غير محكومة بعلم ولا مسترشدة بأهل علم.
الصدامات التي حدثت بين بعض الجماعات الإسلامية ومجتمعاتها في القرن الماضي ووصلت ببعض الشباب المتحمس إلى سفك الدم الحرام، وتخريب أموال المسلمين، ثم كانت النتجية الحتمية من صراع غير متكافيء أن تغلبت المفاسد على المصالح، وتعطلت الدعوات واضطهد أهلها، وسجن من سجن وعذب من عذب وقتل من قتل.
وهنا ننوه إلى الفرق بين التكفير والتسرع والغلو في التكفير فالفرق كبير.
يقول الشيخ عبد الرحمن الجار الله:
"وهناك فرق بين التحذير من التكفير وبين التحذير من الغلو في التكفير، فالنصوص تحذر من الغلو فيه وليس التحذير منه، ومن تلك النصوص ما رواه البخاري في صحيحه (5698) من طريق أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة قال: حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك».
ولذا قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في (إحكام الأحكام، 4/76): "وهذا وعيدٌ عظيمٌ لمن كفَّر أحداً من المسلمين وليس كذلك وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لمَّا اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم وخرق حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشوية وهذا الوعيد لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم كذلك..."ا.هـ.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في (السيل الجرار، 4/578):"اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» هكذا في الصحيح وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما: «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» أي: رجع وفي لفظ في الصحيح «فقد كفر أحدهما» ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير..." ا.هـ.
لذا فعلى الشباب المسلم العاقل أن يرجع إلى الثقات من أهل العلم ممن لهم الدراية والخبرة التامة بأحكام الشريعة, كذا الإلمام بالمفاسد والمصالح, حتى لا تترتب على تلك الأفعال مفاسد تؤخر من إقامة الشريعة, وتوقف سفينة الدعوة الإسلامية أو تتسبب في تأخيرها.
ومن أهم القواعد التي يحتاجها الشباب حتى لا يقع في الإفراط في هذا الجاني وهو التسرع في التكفير ثم اتخاذ قرارات تنفيذية تابعة لهذا الحكم دون الرجوع لأهل العلم أنهم لا يفرقون بين كفر النوع وكفر العين.
قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى، 12/501): "فليس لأحدٍ أن يُكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلِط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة.
ومن ثبت إيمانه بيقين لم يَزُلْ ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"ا.هـ.
وقال رحمه الله في (مجموع الفتاوى، 35/99): "لكنَّ تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين فإن بعض العلماء قد يتكلم في مسألة باجتهاده فيخطئ فيها فلا يُكفر وإن كان قد يُكفر من قال ذلك القول إذا قامت عليه الحجة المكفرة..."ا.هـ.
وقال رحمه الله في (مجموع الفتاوى، 3/230): "وكنت أُبين لهم أنما نُقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضًا حقٌ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة (الوعيد)..."ا.هـ.
ومن أمثلة ما حدث هو تكفير بعض الشباب لحكام دولهم ثم ما تبع ذلك من خطوات تنفيذية غير محسوبة أو مدروسة من محاربة الحكام، دون الرجوع إلى العلماء الثقات من أهل السنة، ومشاورتهم فيما ينوون من تحركات ومن خطوات، وما هي المصالح أو المفاسد المترتبة عليها ومن ثم الحكم الشرعي في تلك الأفعال، ولو سألوا أهل العلم لارتاحوا وأراحوا، فلو رأي العالم الثقة خروج الحاكم عن الإسلام فهل سينصح هؤلاء بالخروج المسلح على هذا الحاكم وما يترتب عليه من مفاسد في إهلاك النفس والمال وتأخر الدعوة واضطهاد أهلها فهذه مسألة وتلك مسألة.
لذا لابد من عودة العلماء لقيادة الأمة، ولابد للشباب من الالتفاف حول علماءهم, ويجب سؤال الهيئات المعنية بالفتوى والاسترشاد بهم في كل كبيرة وصغيرة وعلى رأس هذه الهيئات: هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والتي لا تتأخر عن الإجابة على سؤال سائل من أي بقاع الأرض, كذا فلله الحمد والمنة العلماء الأفاضل في كل بلدان العالم الإسلامي معروفون والجامعات الإسلامية الشرعية بها من الأفاضل والعلماء الأجلاء الكثير والكثير وكل بلد إسلامي لا يخلو من عالم ثقة أو فقيه ثبت ولله الحمد والمنة.
لذا فعلى الشباب أن يستثمر جهده في تعلم الشريعة وتعليمها للناس ونشر أحكامها والعمل بها والدعوة إليها والمثابرة على ذلك, فقيام الشريعة هو خير وسيلة لرد الكفر عن التسلل للأمة.
وفيما يلي سرد لموضوعين من الأهمية بمكان:
الأول: شروطُ تكفير المعيَّنِ
الشرط الأول: إقامة الحجة: قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: من الآية15]. ومن ذلك مارواه مسلم في صحيحه (153) من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو أنَّ أبا يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار».
والمراد ببلوغ الحجة أي: الحجة الرسالية. قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى، 3/229): "ومن جالسني يعلم ذلك مني أنِّي من أعظم الناس نهياً عن أنْ ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى"ا.هـ.
ويُشترط لقيام الحجة: أن يتمكن من العلم بما أنزل الله ويقدر على العمل به .
وشرط فهم الحجة: هو فهم الدلالة والإرشاد.
وشرط قيام الحجة تتعلق به أحكامٌ في الدنيا وأحكامٌ في الآخرة، ففي الآخرة لا يعذبُ الله أحداً إلا بعد قيامها للآية السابقة. وأما ما يتعلق بأحكام الدنيا، فالشخص الكافر الذي لم تبلغه دعوة الإسلام فإنه يُحكم عليه بأنه كافر، فلا يُقال كما يقول البعض: أنه ليس بمؤمنٍ ولا كافر.
وشرط إقامة الحجة في من ارتكب شيئاً من المُكفرات وهو مسلمٌ أصلًا مسألةٌ مرتبطة بالتفاصيل والقواعد التي سبق ذكرها فلا يُكفر في مسائلٍ تخفى عليه، أو قد تخفى على مثله, إلا بعد إقامة الحجة عليه, وأما إنْ كانت من المعلوم من الدين بالضرورة فإنه لا يحتاج أن تُقام عليه الحجة بها؛ لأنها معلومةٌ لديه أصلاً، وأما إنْ لم تكن معلومةً لديه كان عدم العلم بها بتقصيرٍ وتفريطٍ منه, وهذه المسألة كما سيأتي مرتبطة بمسألة الإعذارِ بالجهل فهناك جهلٌ يُعذر به وهناك جهلٌ لا يُعذر به.
و أما فهمُ الحجة فهل هو شرطٌ أم لا؟
أطلق بعضهم القول بأنَّ فهم الحجة شرط، وبعضهم أطلق القول بأنه ليس بشرطٍ، وكليهما خطأ، ففهم الحجة بمعنى أنه لابد أن يعلم ما خُوطب به علماً تفصيلياً، لم يدل عليه دليل، فالشخص الكافر مثلًا لتقُمْ عليه الحُجة فلابد أنْ يعلم دقائقَ ما خُوطب به وتُشرح له تفاصيلُ الإيمان فهذا ليس بشرطٍ في الحقيقة، بدليلِ أنَّ هناك من يكون منه عدم العلم لإعراضه وتقصيرٍ منه.
قال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية في معرض كلامه عن الحُجة، 1/159): "فهمها نوعٌ وبلوغها نوعٌ آخر, فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها"أ.هـ.
وإنما معنى الشرط في فهم الحجة أنْ يُخاطب بخطابٍ يفهمه، فلا يصح أن نُخاطب الأعجمي بلسانٍ عربي لا يفهمه ونقرأ عليه القرآن وهو لا يفهمه ثم نقول: قد قامت عليه الحجة، فلابد أن يفهم فهم دلالةٍ وإرشادٍ.
فالنصوص جاءت بالسماع وليس الفهم فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «لا يفهم», بل قال: «لا يسمع بي»... وكذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: من الآية6].
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (الرسائل الشخصية، 1/244): "فإنَّ الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يُعرَّفُ, وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة, ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 44]..." ا.هـ.
وقال رحمه الله في (الرسائل الشخصية، 1/220): "بأنَّ المعين لا يُكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أنَّ قيامها ليس معناه أنْ يفهم كلام الله ورسوله مثلَ فهمِ أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن..."ا.هـ.
الشرط الثاني: شروط الفاعل:
1- أن يكون مكلفاً: أي بالغاً عاقلاً.
2- أن يكون متعمداً: أي قاصداً لفعله.
3- أن يكون مختاراً بإرادته.
الشرط الثالث: شروط الفعل:
1- أن يكون الفعل مكفراً لا شبهة فيه.
2- أن يكون فعل المكلف أو قوله صريح الدلالة على الكفر.
والفرق بين هذين الشرطين: فالأولُ: أنْ لا تكون فيه شبهة، فالشبهة في مثلِ القولِ بخلق القرآن. والثاني: أنْ يكون الفعلُ صريح الدلالة, مثل: قولِ الرجل: (لا صلى الله على من صلى عليه) فهذا القول محتملٌ وليس بصريحٍ في الدلالة، فهل يريد بالضمير (ـه) أنَّه يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم أم على الشخص؟.
3- أن يكون الدليل الشرعي المُكفِّر لذلك الفعل صريحَ الدلالة على التكفير.
الشرط الرابع: يشترطُ في إثباتِ فعل المكلف أنْ يثبت بطريقٍ شرعيٍ صحيحٍ, لا بظنٍ أو بتخريصٍ أو بشكٍ, وذلك بأنْ يكون الإثبات إما بالإقرار أو البينة.
الثاني: موانع تكفير المُعيَّن
فإن الموانع تنقسم إلى عدة أقسام كما قرر ذلك أهل العلم من خلال الاستقراء، وهي:
أ- موانع في الفاعل: وهي ما يعرض له فتجعله لا يؤاخذ بأفعاله وأقواله، وتسمى عند الأصوليين بـ(العوارض الأهلية), انظر التقرير والتحبير (2/230)، وتيسير التحرير (2/258)، وشرح التلويح على التوضيح (2/348)، وهي قسمان:
1- عوارض غير مكتسبة (سماوية): ونُسبت إلى السماء لأنها نازلةٌ منها بغير اختيار العبد وإرادته, فلا دخل له في كسبها, وهي أنواع كالصغر والجنون، ولا يُؤاخذ بما يفعلُ إنْ تلبست به, وإنما يؤاخذ بما يتعلق بحقوقِ العباد كالضمان.
2- عوارض مكتسبة: وهي التي للعبد نوع اختيارٍ في اكتسابها أو ترك إزالتها، وهي سبعةٌ ستةٌ من العبد, وهي: الجهل، والسفه، والسُكر، والهزل، والخطأ، والسَفَرُ، وواحدٌ من غيره وهو: الإكراه، والمتعلقة بموضوعنا والتي قد يعذر بها هي أربع وهي:
العارض الأول: الخطأ: وهو انتفاء القصد, مثلَ: سَبْقِ اللسان, والدليل قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: من الآية5].
والعبرة في الخطأ كمانعٍ من موانع التكفير، أنْ يقصد المكلف بفعله إتيانَ الفعل المُكَفِر لا أنْ يقصد الكفر به.
العارض الثاني: التأويل: والمراد به: وضع الدليل الشرعي في غير موضعه باجتهادٍ أو شبهةٍ تنشأ عن عدم فهم دلالة النص، أو فهِمَهُ فهماً خاطئاً ظنهُ حقاً، أو ظنَّ غير الدليل دليلاً.
فيُقدم المكلف على الفعل الكفري وهو لا يراه كفراً، فينتفي شرطُ العمد، فإنْ أُقيمت عليه الحجة وبُيِّنَ خطأه وأصرَّ على فعله كَفَرَ حينئذٍ.
والتأويل المانع: هو التأويل السائغ، وهو الذي له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة ، مثاله: تأويل المتكلمين لليد بالقدرة .
وأما التأويل غير السائغ: فهو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، ويكون صادراً عن محض رأي وهوى. مثاله: تأويل الرافضة لقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة:64] بالحسن والحسين. وهو غيرُ مقبولٍ, وغير مُؤثرٍ في الحكم بالكفرِ.
وقد نقلَ العبدري في التاج والإكليل لمختصر خليل (6/285) عن ابن أبي الربيع قوله: "لأنَّ ادعاءه للتأويل في لفظٍ صُراحٍ لا يُقبل..."ا.هـ.
قال ابن الوزير في كتابه إيثار الحق على الخلق في (رد الخلافات، 1/377): "وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله, كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعادِ الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار"ا.هـ.
العارض الثالث: الجهل: ويكون مانعاً إذا كان من الجهل الذي لا يتمكن المكلف من دفعه أو إزالته. مثل شخصٍ في مكان منقطع وليس لديه أي وسيلة للعلم وللتعلم.
والعلماء متفقون على عدم عذر المُعْرض إن تمكن من العلم, والمراد هنا هو عُذرُ من لم يتمكن من العلم.
قال القرافي في (الفروق، 4/448): "لأنَّ القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لاسيما مع طول الزمان واستمرار الأيام فإنَّ الذي لا يُعلم اليوم يُعلم في غدٍ ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فسادٌ فلا يكون عذراً"ا.هـ.
وقال البعلي في قواعده (1/58): "جاهل الحكم هل هو معذورٌ أم لا؟"، ثم قال: "فإذا قلنا يُعذر فإنما محله إذا لم يُقصِّر ويُفرِّط في تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرَّط فلا يعذر جزماً"ا.هـ.
فيُعتبر الجهل مانعاً لمن كان عنده أصل التوحيد لكن خفيت عليه بعض المسائل التي قد تخفى أو تُشكل على مثله.
وقال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية، 1/116): "وليس كلُّ جهلٍ يكون عذراً لصاحبه فهؤلاء جُهال المقلدين لأهل الكفر كفارٌ بإجماع الأمة، اللهم إلا من كان منهم عاجزاً عن بلوغ الحق ومعرفته لا يتمكن منه بحالٍ مع محبته له وإرادته وطلبه وعدم المرشد إليه أو من كان حديث عهدٍ بالإسلام أو من نشأ بباديةٍ بعيدةٍ فهذا الذي ذكر أهل العلم أنه معذورٌ؛ لأن الحجة لم تقم عليه، فلا يكفر الشخص المعين حتى يعْرِفَ وتقوم عليه الحجة بالبيان وأما التمويه والمغالطة من بعض هؤلاء بأنَّ شيخ الإسلام توقف في تكفير المعين الجاهل فهو من التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر، فإنما المقصود به في مسائلَ مخصوصةٍ قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية، من ردِّ أدلة الكتاب والسنة المتواترة فيكون القول المتضمن لردِّ بعض النصوص كفراً ولا يُحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع يمنع منه، كالجهلِ وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته؛ فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها، ولذلك ذكرها في الكلام على بدع أهل الأهواء وقد نصَّ على هذا، فقال في تكفير أُناسٍ من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة،قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم الكفر, وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجليَّة أو ما يُعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله".
[قلت: ولم أجد قول شيخ الإسلام مع بالغِ التتبع، فلعله نقله بمعناه والله أعلم].
ثم قال: "وهؤلاء الأغبياء أجملوا القضية وجعلوا كُلَّ جهلٍ عذراً ولم يفصلوا وجعلوا المسائل الظاهرة الجليَّة وما يعلم من الدين بالضرورة كالمسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وكذلك من كان بين أظهر المسلمين كمن نشأ بباديةٍ بعيدةٍ أو كان حديث عهدٍ بالإسلام فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل"ا.هـ.
العارض الرابع: الإكراه، قال تعالى : {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ} [النحل: من الآية106].
وحكم الأخذ به رخصة: كفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه فقد أخرج الحاكم في مستدركه (3362)، والبيهقي في الكبرى (16673)، من طريق عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان عن هلال بن العلاء الرقي عن أبيه عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما وراءك؟»، قال: "شر يا رسول الله، ما تُركتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير". قال: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئن بالإيمان. قال: «إنْ عادوا فعُدْ»، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وعدم الأخذ به عزيمة: كفعل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه, وهي كما رواها ابن الجوزي في كتابيه الثبات عند الممات (1/53)، وفي المنتظم (4/320), بسنده إلى ابن عباس قال: أسرَتِ الروم عبدالله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الطاغية: تنصَّر وإلا ألقيتك في النقرة النحاس، فقال: ما أفعل. فدعا بنقرة من نحاس فمُلئت زيتاً وأُغليت ودعا رجلاً من المسلمين فعرض عليه النصرانية فأبى فألقاه في النقرة فإذا عظامه تلوح, فقال لعبد الله ابن حذافة: تنصَّرْ وإلا ألقيتك، قال: ما أفعل، فأمر أن يُلقى في النقرة فكتفوه فبكى, فقالوا: قد جزع, قد بكى, قال: ردوه, فقال: لا تظنّن أني بكيت جزعاً؛ ولكن بكيت إذ ليس لي إلا نفسٌ واحدة يُفعل بها هذا في الله عز وجل, كنت أحب أن يكون لي أنفسٌ عدد كلَّ شعرةٍ فيَّ, ثم تُسلط عليَّ فتفعل بي هذا, قال: فأعجبه وأحبَّ أنْ يُطلقه, فقال: قبِّلْ رأسي وأُطلقك، قال: ما أفعل، قال: تنصَّر وأُزوجك ابنتي وأُقاسمك ملكي، قال: ما أفعل، قال: قبِّل رأسي وأُطلق معك ثمانين من المسلمين، قال: أما هذا فنعم, فقبل رأسه فأطلقه وثمانين معه. فلما قدموا على عمر قام إليه عمر فقبَّل رأسه, وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمازحون عبد الله ويقولون: قبَلْتَ رأسَ عِلْجٍ.
وللإكراه شروطٌ لا يكون مانعاً بدون توفرها:
1- أنْ يكون المُكْرِهُ قادراً على إيقاع ما يهدد به، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار.
2- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به.
3- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه, بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء.
4- أنْ يُظهِّر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه.
5- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به، ويعبر عنه عند الأصوليين بـ(الإكراه الملجئ) كأن يُقطع منه عضوٌ.
فيجب التفريق بين النطق بكلمة الكفر أو فعله, ثم العودة إلى إظهار الإسلام، وبين الإقامة على الكفر والبقاء عليه .
وقال ابن قدامة في (المغني، 9/31):"وروى الأثرم عن أبي عبد الله- يعني الإمام أحمد- أنه سُئل عن الرجل يُؤمر فيعرض على الكفر ويكره عليه، أله أن يرتد؟ فكرهه كراهةً شديدة، وقال: ما يُشبه هذا عندي الذين أُنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أولئك كانوا يُرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا، وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم" ا.هـ.
ب- موانع في الفعل:
1- كون الفعل أو القول غير صريح في الدلالة على الكفر.
2- كون الدليل الشرعي الذي استُدِل به غير قطعي في دلالته على أن ذلك الفعل أو القول مكفراً.
ج- موانع في الثبوت: وذلك بأن لا يكون قد ثبت الكفر على فاعله أو قائله الثبوت الشرعي .
والله أسأل أن يهدينا سبله وأن يثبتنا على صراطه المستقيم حتى نلقاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
مراجع للاستفادة:
قواعد في التكفير
http://saaid.net/Doat/aljarallh/15.htm
شروطُ تكفير المعيَّنِ
http://saaid.net/Doat/aljarallh/16.htm
موانع تكفير المُعيَّن
http://saaid.net/Doat/aljarallh/17.htm
وقد تواكب مع هذه التغييرات ظهور حركات إسلامية منها من أجاد وبذل ومنها من جانبه الصواب، فكانت النتيجة أن ساهم كل من أجاد في دفع الدفة الإسلامية للسير في مسارها الصحيح, وكانت النتيجة الحتمية لكل انحراف عن جادة الصواب وسبيل المسلمين أن انحرفت معه السفينة الدعوية، ليبذل المخلصين من أبناء الدعوة والعلم من وقتهم ووقت الدعوة الكثير للعودة بالسفينة إلى مسارها الصحيح, فكان التأخر في أوقات الأمة في أشد الحاجة فيها إلى التقدم، لذا فهذا تذكير لشباب الأمة بلزوم جادة الصواب والتزام الصراط المستقيم وعدم الانحراف الناتج عن الجهل حتى لاتنحرف معهم السفينة وتتأخر إقامة الشريعة بسبب غلو أو انحراف من ينتسبون إلى الدعوة بجهل وبسبب حماسة غير محكومة بعلم ولا مسترشدة بأهل علم.
الصدامات التي حدثت بين بعض الجماعات الإسلامية ومجتمعاتها في القرن الماضي ووصلت ببعض الشباب المتحمس إلى سفك الدم الحرام، وتخريب أموال المسلمين، ثم كانت النتجية الحتمية من صراع غير متكافيء أن تغلبت المفاسد على المصالح، وتعطلت الدعوات واضطهد أهلها، وسجن من سجن وعذب من عذب وقتل من قتل.
وهنا ننوه إلى الفرق بين التكفير والتسرع والغلو في التكفير فالفرق كبير.
يقول الشيخ عبد الرحمن الجار الله:
"وهناك فرق بين التحذير من التكفير وبين التحذير من الغلو في التكفير، فالنصوص تحذر من الغلو فيه وليس التحذير منه، ومن تلك النصوص ما رواه البخاري في صحيحه (5698) من طريق أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة قال: حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك».
ولذا قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في (إحكام الأحكام، 4/76): "وهذا وعيدٌ عظيمٌ لمن كفَّر أحداً من المسلمين وليس كذلك وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لمَّا اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم وخرق حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشوية وهذا الوعيد لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم كذلك..."ا.هـ.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في (السيل الجرار، 4/578):"اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» هكذا في الصحيح وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما: «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» أي: رجع وفي لفظ في الصحيح «فقد كفر أحدهما» ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير..." ا.هـ.
لذا فعلى الشباب المسلم العاقل أن يرجع إلى الثقات من أهل العلم ممن لهم الدراية والخبرة التامة بأحكام الشريعة, كذا الإلمام بالمفاسد والمصالح, حتى لا تترتب على تلك الأفعال مفاسد تؤخر من إقامة الشريعة, وتوقف سفينة الدعوة الإسلامية أو تتسبب في تأخيرها.
ومن أهم القواعد التي يحتاجها الشباب حتى لا يقع في الإفراط في هذا الجاني وهو التسرع في التكفير ثم اتخاذ قرارات تنفيذية تابعة لهذا الحكم دون الرجوع لأهل العلم أنهم لا يفرقون بين كفر النوع وكفر العين.
قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى، 12/501): "فليس لأحدٍ أن يُكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلِط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة.
ومن ثبت إيمانه بيقين لم يَزُلْ ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"ا.هـ.
وقال رحمه الله في (مجموع الفتاوى، 35/99): "لكنَّ تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين فإن بعض العلماء قد يتكلم في مسألة باجتهاده فيخطئ فيها فلا يُكفر وإن كان قد يُكفر من قال ذلك القول إذا قامت عليه الحجة المكفرة..."ا.هـ.
وقال رحمه الله في (مجموع الفتاوى، 3/230): "وكنت أُبين لهم أنما نُقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضًا حقٌ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة (الوعيد)..."ا.هـ.
ومن أمثلة ما حدث هو تكفير بعض الشباب لحكام دولهم ثم ما تبع ذلك من خطوات تنفيذية غير محسوبة أو مدروسة من محاربة الحكام، دون الرجوع إلى العلماء الثقات من أهل السنة، ومشاورتهم فيما ينوون من تحركات ومن خطوات، وما هي المصالح أو المفاسد المترتبة عليها ومن ثم الحكم الشرعي في تلك الأفعال، ولو سألوا أهل العلم لارتاحوا وأراحوا، فلو رأي العالم الثقة خروج الحاكم عن الإسلام فهل سينصح هؤلاء بالخروج المسلح على هذا الحاكم وما يترتب عليه من مفاسد في إهلاك النفس والمال وتأخر الدعوة واضطهاد أهلها فهذه مسألة وتلك مسألة.
لذا لابد من عودة العلماء لقيادة الأمة، ولابد للشباب من الالتفاف حول علماءهم, ويجب سؤال الهيئات المعنية بالفتوى والاسترشاد بهم في كل كبيرة وصغيرة وعلى رأس هذه الهيئات: هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والتي لا تتأخر عن الإجابة على سؤال سائل من أي بقاع الأرض, كذا فلله الحمد والمنة العلماء الأفاضل في كل بلدان العالم الإسلامي معروفون والجامعات الإسلامية الشرعية بها من الأفاضل والعلماء الأجلاء الكثير والكثير وكل بلد إسلامي لا يخلو من عالم ثقة أو فقيه ثبت ولله الحمد والمنة.
لذا فعلى الشباب أن يستثمر جهده في تعلم الشريعة وتعليمها للناس ونشر أحكامها والعمل بها والدعوة إليها والمثابرة على ذلك, فقيام الشريعة هو خير وسيلة لرد الكفر عن التسلل للأمة.
وفيما يلي سرد لموضوعين من الأهمية بمكان:
الأول: شروطُ تكفير المعيَّنِ
الشرط الأول: إقامة الحجة: قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: من الآية15]. ومن ذلك مارواه مسلم في صحيحه (153) من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو أنَّ أبا يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار».
والمراد ببلوغ الحجة أي: الحجة الرسالية. قال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى، 3/229): "ومن جالسني يعلم ذلك مني أنِّي من أعظم الناس نهياً عن أنْ ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى"ا.هـ.
ويُشترط لقيام الحجة: أن يتمكن من العلم بما أنزل الله ويقدر على العمل به .
وشرط فهم الحجة: هو فهم الدلالة والإرشاد.
وشرط قيام الحجة تتعلق به أحكامٌ في الدنيا وأحكامٌ في الآخرة، ففي الآخرة لا يعذبُ الله أحداً إلا بعد قيامها للآية السابقة. وأما ما يتعلق بأحكام الدنيا، فالشخص الكافر الذي لم تبلغه دعوة الإسلام فإنه يُحكم عليه بأنه كافر، فلا يُقال كما يقول البعض: أنه ليس بمؤمنٍ ولا كافر.
وشرط إقامة الحجة في من ارتكب شيئاً من المُكفرات وهو مسلمٌ أصلًا مسألةٌ مرتبطة بالتفاصيل والقواعد التي سبق ذكرها فلا يُكفر في مسائلٍ تخفى عليه، أو قد تخفى على مثله, إلا بعد إقامة الحجة عليه, وأما إنْ كانت من المعلوم من الدين بالضرورة فإنه لا يحتاج أن تُقام عليه الحجة بها؛ لأنها معلومةٌ لديه أصلاً، وأما إنْ لم تكن معلومةً لديه كان عدم العلم بها بتقصيرٍ وتفريطٍ منه, وهذه المسألة كما سيأتي مرتبطة بمسألة الإعذارِ بالجهل فهناك جهلٌ يُعذر به وهناك جهلٌ لا يُعذر به.
و أما فهمُ الحجة فهل هو شرطٌ أم لا؟
أطلق بعضهم القول بأنَّ فهم الحجة شرط، وبعضهم أطلق القول بأنه ليس بشرطٍ، وكليهما خطأ، ففهم الحجة بمعنى أنه لابد أن يعلم ما خُوطب به علماً تفصيلياً، لم يدل عليه دليل، فالشخص الكافر مثلًا لتقُمْ عليه الحُجة فلابد أنْ يعلم دقائقَ ما خُوطب به وتُشرح له تفاصيلُ الإيمان فهذا ليس بشرطٍ في الحقيقة، بدليلِ أنَّ هناك من يكون منه عدم العلم لإعراضه وتقصيرٍ منه.
قال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية في معرض كلامه عن الحُجة، 1/159): "فهمها نوعٌ وبلوغها نوعٌ آخر, فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها"أ.هـ.
وإنما معنى الشرط في فهم الحجة أنْ يُخاطب بخطابٍ يفهمه، فلا يصح أن نُخاطب الأعجمي بلسانٍ عربي لا يفهمه ونقرأ عليه القرآن وهو لا يفهمه ثم نقول: قد قامت عليه الحجة، فلابد أن يفهم فهم دلالةٍ وإرشادٍ.
فالنصوص جاءت بالسماع وليس الفهم فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «لا يفهم», بل قال: «لا يسمع بي»... وكذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: من الآية6].
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (الرسائل الشخصية، 1/244): "فإنَّ الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يُعرَّفُ, وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة, ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 44]..." ا.هـ.
وقال رحمه الله في (الرسائل الشخصية، 1/220): "بأنَّ المعين لا يُكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أنَّ قيامها ليس معناه أنْ يفهم كلام الله ورسوله مثلَ فهمِ أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن..."ا.هـ.
الشرط الثاني: شروط الفاعل:
1- أن يكون مكلفاً: أي بالغاً عاقلاً.
2- أن يكون متعمداً: أي قاصداً لفعله.
3- أن يكون مختاراً بإرادته.
الشرط الثالث: شروط الفعل:
1- أن يكون الفعل مكفراً لا شبهة فيه.
2- أن يكون فعل المكلف أو قوله صريح الدلالة على الكفر.
والفرق بين هذين الشرطين: فالأولُ: أنْ لا تكون فيه شبهة، فالشبهة في مثلِ القولِ بخلق القرآن. والثاني: أنْ يكون الفعلُ صريح الدلالة, مثل: قولِ الرجل: (لا صلى الله على من صلى عليه) فهذا القول محتملٌ وليس بصريحٍ في الدلالة، فهل يريد بالضمير (ـه) أنَّه يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم أم على الشخص؟.
3- أن يكون الدليل الشرعي المُكفِّر لذلك الفعل صريحَ الدلالة على التكفير.
الشرط الرابع: يشترطُ في إثباتِ فعل المكلف أنْ يثبت بطريقٍ شرعيٍ صحيحٍ, لا بظنٍ أو بتخريصٍ أو بشكٍ, وذلك بأنْ يكون الإثبات إما بالإقرار أو البينة.
الثاني: موانع تكفير المُعيَّن
فإن الموانع تنقسم إلى عدة أقسام كما قرر ذلك أهل العلم من خلال الاستقراء، وهي:
أ- موانع في الفاعل: وهي ما يعرض له فتجعله لا يؤاخذ بأفعاله وأقواله، وتسمى عند الأصوليين بـ(العوارض الأهلية), انظر التقرير والتحبير (2/230)، وتيسير التحرير (2/258)، وشرح التلويح على التوضيح (2/348)، وهي قسمان:
1- عوارض غير مكتسبة (سماوية): ونُسبت إلى السماء لأنها نازلةٌ منها بغير اختيار العبد وإرادته, فلا دخل له في كسبها, وهي أنواع كالصغر والجنون، ولا يُؤاخذ بما يفعلُ إنْ تلبست به, وإنما يؤاخذ بما يتعلق بحقوقِ العباد كالضمان.
2- عوارض مكتسبة: وهي التي للعبد نوع اختيارٍ في اكتسابها أو ترك إزالتها، وهي سبعةٌ ستةٌ من العبد, وهي: الجهل، والسفه، والسُكر، والهزل، والخطأ، والسَفَرُ، وواحدٌ من غيره وهو: الإكراه، والمتعلقة بموضوعنا والتي قد يعذر بها هي أربع وهي:
العارض الأول: الخطأ: وهو انتفاء القصد, مثلَ: سَبْقِ اللسان, والدليل قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: من الآية5].
والعبرة في الخطأ كمانعٍ من موانع التكفير، أنْ يقصد المكلف بفعله إتيانَ الفعل المُكَفِر لا أنْ يقصد الكفر به.
العارض الثاني: التأويل: والمراد به: وضع الدليل الشرعي في غير موضعه باجتهادٍ أو شبهةٍ تنشأ عن عدم فهم دلالة النص، أو فهِمَهُ فهماً خاطئاً ظنهُ حقاً، أو ظنَّ غير الدليل دليلاً.
فيُقدم المكلف على الفعل الكفري وهو لا يراه كفراً، فينتفي شرطُ العمد، فإنْ أُقيمت عليه الحجة وبُيِّنَ خطأه وأصرَّ على فعله كَفَرَ حينئذٍ.
والتأويل المانع: هو التأويل السائغ، وهو الذي له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة ، مثاله: تأويل المتكلمين لليد بالقدرة .
وأما التأويل غير السائغ: فهو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، ويكون صادراً عن محض رأي وهوى. مثاله: تأويل الرافضة لقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة:64] بالحسن والحسين. وهو غيرُ مقبولٍ, وغير مُؤثرٍ في الحكم بالكفرِ.
وقد نقلَ العبدري في التاج والإكليل لمختصر خليل (6/285) عن ابن أبي الربيع قوله: "لأنَّ ادعاءه للتأويل في لفظٍ صُراحٍ لا يُقبل..."ا.هـ.
قال ابن الوزير في كتابه إيثار الحق على الخلق في (رد الخلافات، 1/377): "وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله, كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعادِ الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار"ا.هـ.
العارض الثالث: الجهل: ويكون مانعاً إذا كان من الجهل الذي لا يتمكن المكلف من دفعه أو إزالته. مثل شخصٍ في مكان منقطع وليس لديه أي وسيلة للعلم وللتعلم.
والعلماء متفقون على عدم عذر المُعْرض إن تمكن من العلم, والمراد هنا هو عُذرُ من لم يتمكن من العلم.
قال القرافي في (الفروق، 4/448): "لأنَّ القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لاسيما مع طول الزمان واستمرار الأيام فإنَّ الذي لا يُعلم اليوم يُعلم في غدٍ ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فسادٌ فلا يكون عذراً"ا.هـ.
وقال البعلي في قواعده (1/58): "جاهل الحكم هل هو معذورٌ أم لا؟"، ثم قال: "فإذا قلنا يُعذر فإنما محله إذا لم يُقصِّر ويُفرِّط في تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرَّط فلا يعذر جزماً"ا.هـ.
فيُعتبر الجهل مانعاً لمن كان عنده أصل التوحيد لكن خفيت عليه بعض المسائل التي قد تخفى أو تُشكل على مثله.
وقال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية، 1/116): "وليس كلُّ جهلٍ يكون عذراً لصاحبه فهؤلاء جُهال المقلدين لأهل الكفر كفارٌ بإجماع الأمة، اللهم إلا من كان منهم عاجزاً عن بلوغ الحق ومعرفته لا يتمكن منه بحالٍ مع محبته له وإرادته وطلبه وعدم المرشد إليه أو من كان حديث عهدٍ بالإسلام أو من نشأ بباديةٍ بعيدةٍ فهذا الذي ذكر أهل العلم أنه معذورٌ؛ لأن الحجة لم تقم عليه، فلا يكفر الشخص المعين حتى يعْرِفَ وتقوم عليه الحجة بالبيان وأما التمويه والمغالطة من بعض هؤلاء بأنَّ شيخ الإسلام توقف في تكفير المعين الجاهل فهو من التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر، فإنما المقصود به في مسائلَ مخصوصةٍ قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية، من ردِّ أدلة الكتاب والسنة المتواترة فيكون القول المتضمن لردِّ بعض النصوص كفراً ولا يُحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع يمنع منه، كالجهلِ وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته؛ فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها، ولذلك ذكرها في الكلام على بدع أهل الأهواء وقد نصَّ على هذا، فقال في تكفير أُناسٍ من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة،قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم الكفر, وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجليَّة أو ما يُعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله".
[قلت: ولم أجد قول شيخ الإسلام مع بالغِ التتبع، فلعله نقله بمعناه والله أعلم].
ثم قال: "وهؤلاء الأغبياء أجملوا القضية وجعلوا كُلَّ جهلٍ عذراً ولم يفصلوا وجعلوا المسائل الظاهرة الجليَّة وما يعلم من الدين بالضرورة كالمسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وكذلك من كان بين أظهر المسلمين كمن نشأ بباديةٍ بعيدةٍ أو كان حديث عهدٍ بالإسلام فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل"ا.هـ.
العارض الرابع: الإكراه، قال تعالى : {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ} [النحل: من الآية106].
وحكم الأخذ به رخصة: كفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه فقد أخرج الحاكم في مستدركه (3362)، والبيهقي في الكبرى (16673)، من طريق عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان عن هلال بن العلاء الرقي عن أبيه عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما وراءك؟»، قال: "شر يا رسول الله، ما تُركتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير". قال: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئن بالإيمان. قال: «إنْ عادوا فعُدْ»، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وعدم الأخذ به عزيمة: كفعل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه, وهي كما رواها ابن الجوزي في كتابيه الثبات عند الممات (1/53)، وفي المنتظم (4/320), بسنده إلى ابن عباس قال: أسرَتِ الروم عبدالله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الطاغية: تنصَّر وإلا ألقيتك في النقرة النحاس، فقال: ما أفعل. فدعا بنقرة من نحاس فمُلئت زيتاً وأُغليت ودعا رجلاً من المسلمين فعرض عليه النصرانية فأبى فألقاه في النقرة فإذا عظامه تلوح, فقال لعبد الله ابن حذافة: تنصَّرْ وإلا ألقيتك، قال: ما أفعل، فأمر أن يُلقى في النقرة فكتفوه فبكى, فقالوا: قد جزع, قد بكى, قال: ردوه, فقال: لا تظنّن أني بكيت جزعاً؛ ولكن بكيت إذ ليس لي إلا نفسٌ واحدة يُفعل بها هذا في الله عز وجل, كنت أحب أن يكون لي أنفسٌ عدد كلَّ شعرةٍ فيَّ, ثم تُسلط عليَّ فتفعل بي هذا, قال: فأعجبه وأحبَّ أنْ يُطلقه, فقال: قبِّلْ رأسي وأُطلقك، قال: ما أفعل، قال: تنصَّر وأُزوجك ابنتي وأُقاسمك ملكي، قال: ما أفعل، قال: قبِّل رأسي وأُطلق معك ثمانين من المسلمين، قال: أما هذا فنعم, فقبل رأسه فأطلقه وثمانين معه. فلما قدموا على عمر قام إليه عمر فقبَّل رأسه, وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمازحون عبد الله ويقولون: قبَلْتَ رأسَ عِلْجٍ.
وللإكراه شروطٌ لا يكون مانعاً بدون توفرها:
1- أنْ يكون المُكْرِهُ قادراً على إيقاع ما يهدد به، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار.
2- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به.
3- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه, بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء.
4- أنْ يُظهِّر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه.
5- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به، ويعبر عنه عند الأصوليين بـ(الإكراه الملجئ) كأن يُقطع منه عضوٌ.
فيجب التفريق بين النطق بكلمة الكفر أو فعله, ثم العودة إلى إظهار الإسلام، وبين الإقامة على الكفر والبقاء عليه .
وقال ابن قدامة في (المغني، 9/31):"وروى الأثرم عن أبي عبد الله- يعني الإمام أحمد- أنه سُئل عن الرجل يُؤمر فيعرض على الكفر ويكره عليه، أله أن يرتد؟ فكرهه كراهةً شديدة، وقال: ما يُشبه هذا عندي الذين أُنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أولئك كانوا يُرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا، وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم" ا.هـ.
ب- موانع في الفعل:
1- كون الفعل أو القول غير صريح في الدلالة على الكفر.
2- كون الدليل الشرعي الذي استُدِل به غير قطعي في دلالته على أن ذلك الفعل أو القول مكفراً.
ج- موانع في الثبوت: وذلك بأن لا يكون قد ثبت الكفر على فاعله أو قائله الثبوت الشرعي .
والله أسأل أن يهدينا سبله وأن يثبتنا على صراطه المستقيم حتى نلقاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
مراجع للاستفادة:
قواعد في التكفير
http://saaid.net/Doat/aljarallh/15.htm
شروطُ تكفير المعيَّنِ
http://saaid.net/Doat/aljarallh/16.htm
موانع تكفير المُعيَّن
http://saaid.net/Doat/aljarallh/17.htm
محمد
أبو الهيثم
المصدر: طريق الإسلام
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: