مبادئ التنظيم في حياتنا - (1) أنا المَعْنِيُّ أنا المنظِّم

منذ 2015-10-16

لا نستغرب -معاشر القُرَّاء- أننا نجد في أنفسنا لومًا وتذمُّرًا حينما نُشاهد مَن هم أقلُّ كفاءةً منا وقد سبقونا وتقدَّموا أمامنا بخطوات، ونحن نرى في أنفسنا مثلاً عملاً دؤوبًا، وجهدًا متواصلاً، وفي المقابل ذلك الطَّرف أقلُّ جهدًا وأكثر إنتاجًا منَّا، ونجد ذلك في المؤسَّسات والشركات واضحًا جليًّا، فالسرُّ -وللأسف- نجده في أحد مبادئ التنظيم التي نفتقدها، فإذًا لا بد أن نستوعب بقلوبنا هذه المبادئَ، ونحاول استذكارها يوميًّا، ونركِّز عليها فترة من الوقت، كلٌّ حسبَ تكيُّفِه معها، فالبعض قد يتكيَّف معها من أول أسبوع، والآخر قد يحتاج إلى شهر، والآخر إلى شهرين، والثالث إلى أكثر... فالفوضى التي تريديون أن تزيحوها عن حياتكم تحتاج إلى وقفةٍ جادَّة، ومُواجَهة جريئةٍ لِمَحْوها من حياتكم!

الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.

أمَّا بعد:
إطلالة دائمة:

لَمَّا كانتِ الدعوةُ إلى الله أغْلى وأثمنَ وظيفة، كان لزامًا أوَّلاً أن أهتفَ بكَلماتٍ لِمَن جنَّدوا أنفسهَم لخِدْمة هذا الدِّين في أيَّة مؤسَّسة دَعَوِيَّة؛ لأنَّهم هم الأَوْلى بمِثل هذه الكلمات، ومِن ثَمَّ ثانيًا فهي كلمات لكلِّ مسلِم ومسلمة يستشعران قيمةَ التنظيم وأثرَه في حياتهما؛ عسى أن تُعينَنا على الإتقان المرجوِّ، والإبداع المنتظَر، فلا خيرَ في عملٍ -أيًّا كان- يَمضي صاحبُه مُتخبِّطًا لا يَدري كيف يُنظِّم نفسَه ووقْتَه وعملَه، ويعيش في دَوَّامة الضغوط والتوتُّرات الناشِئة من فقدان مبدأ النِّظام.

تمهيد:
مبادئ النِّظام -معاشر القرَّاء الكرام- لا يمكن -في ظنِّي- تقييدها بعددٍ معيَّن، فبعض المبادئ يمكن أن نقول: إنَّها موجودة في حياتنا سلفًا، وقد يكون بعضها موجودًا عند بعضٍ دون الآخر، لكن يهمُّنا أن تكون هذه المبادئ كاشفةً لحياتنا، ولو كانت موجودة من قبل، فذِكْرُها لا يَخْلو من فائدة.

مُجْمَل القول أنَّ المبادئ نَعني بها الأسس أو القواعد التي تضعها لكي تنظِّم حياتك، فهي تعني قواعدَ تسير عليها، وتحاول أن تتكيَّف معها سريعًا؛ لتعيش حياة التنظيم، وتودِّع عالم الفوضى والتوتُّرات والتشَنُّجات!

لا بدَّ -قبل أن نبدأ ونسرد هذه المبادئ- أن نهمس إليكَ -أخي القارئ- بأنَّك تحتاج إلى عزيمةٍ صادقة، وتوكُّل على مولاك؛ لِتَربأ بنفسك عن حياة الفوضويِّين، وتَذكَّر بأنَّك طِيلةَ أعوام عديدة وأنت في دوَّامة الصراع مع الفوضى، وما سبَّبَتْ لك من تراجُع، ولو كنت ناجحًا، فأنت في عالم الفوضى قد تأخَّرت كثيرًا، وسبَقَك مَن هُم أقلُّ كفاءةً منك، وأنجزوا ما لم تنجزهُ؛ لأنَّهم ساروا على طريق التنظيم الذي يصنع النجاح بأقصر الطُّرق الممكنة!

لا نستغرب -معاشر القُرَّاء- أننا نجد في أنفسنا لومًا وتذمُّرًا حينما نُشاهد مَن هم أقلُّ كفاءةً منا وقد سبقونا وتقدَّموا أمامنا بخطوات، ونحن نرى في أنفسنا مثلاً عملاً دؤوبًا، وجهدًا متواصلاً، وفي المقابل ذلك الطَّرف أقلُّ جهدًا وأكثر إنتاجًا منَّا، ونجد ذلك في المؤسَّسات والشركات واضحًا جليًّا، فالسرُّ -وللأسف- نجده في أحد مبادئ التنظيم التي نفتقدها، فإذًا لا بد أن نستوعب بقلوبنا هذه المبادئَ، ونحاول استذكارها يوميًّا، ونركِّز عليها فترة من الوقت، كلٌّ حسبَ تكيُّفِه معها، فالبعض قد يتكيَّف معها من أول أسبوع، والآخر قد يحتاج إلى شهر، والآخر إلى شهرين، والثالث إلى أكثر... فالفوضى التي تريديون أن تزيحوها عن حياتكم تحتاج إلى وقفةٍ جادَّة، ومُواجَهة جريئةٍ لِمَحْوها من حياتكم!

يبقى أن أُشير إلى أنَّ المبادئ لا تَعني أن تلتزم حرفيًّا بها بقدر ما تلتزمُ بما تتطلَّبه منك تجاهها، وتذكَّر -أيُّها القارئ الكريم- أنَّ كل خطوة نحو النِّظام تعني خطوةً نحو حياةٍ أسهل، لن تعبأ بعدها بفقدان حاجياتك، لن تتذمَّر من تأخُّر عائلتك، ولن ترتَبِك في مواعيدك الخاصَّة، أو مُناسباتك العائليَّة؛ لأنَّك وصَلْت لما أنت تبحث عنه، وهو التنظيم.

المبدأ الأول: "أنا المَعْنِيُّ أنا المنظِّم":
نعم، أنت المعنيُّ بنفسك، لا تطلب من أحدٍ أن يقومَ بتنظيم حياتك، تجاهَلْ رسائل الذُّعر في داخلك، لا تستجِبْ لمن يقول لك: "يا فوضوي"؛ فهو يريدك أن تقع كما وقع هو، كوِّن علاقةً جديدة مع نفسك، اجعَلْها صديقًا يقودك للتَّنظيم، لا تجعل حصار الفوضى يوقفك عما أنت بصدده، بل اجعل من نفسك صديقًا يُعينك، بدلاً من أن تنتَظِر أحدًا قد لا يسرُّك كلامه أو فعله.

إنَّك إنْ حرَّكت ما بداخلك وجعلت التَّغيير برغبةٍ منك، سوف تصل -بإذن الله- إلى ما تريد، ستأتيك نفسُك التي اعتادَت على الفوضى أعوامًا تقول لك: لِم كلُّ هذا؟ إنه تَقْييد! بل ستسمع من نفسك أنَّها تقول: هذا ضيق لا أُطِيقه!

لا تعبأ وقْتَها، بل تذكَّرْ بأن البدايات مُحْرقة، بل ما ستقوم به هو في مصلحتك الشخصيَّة! واجعل نفسك ورغباتك الداخليَّة صديقًا، وحاول ترويضَه لمصلحتك!

قبل أن تخرج من مكتبك، قُم بجمع أوراقك، ورتِّب أغراضك ترتيبًا جيدًا، وأَرجِع كلَّ شيءٍ كما كان، وضَعْ مهامَّ الغد على طاولة المكتب، وستَعود في الصَّباح وأنت سعيدٌ جدًّا على هذا الإنجاز، وعلى رؤية مكتبك بهذا الشكل المنظَّم!

وأنتِ -أيَّتُها القارئة الكريمة- إذا اعتدْتِ على رؤية المطبخ كلَّ صباح، وهو في حالةٍ من الفَوضى، فقُومي قبل نومِك، ورتِّبِي مطبخَكِ، ودَعي لنفسكِ في الغد رسالةً طيِّبة تُشْعركِ بالإنجاز.

وأنتم -معاشر المُعلِّمين والمعلِّمات- قبل خروجِكم من الفصول، اغرسوا في الطُّلاب هذه الثَّقافة، وجِّهوهم لترتيب مقاعدهم الدراسية وحقائبهم، اجعلوهم يَستمتعون بالتَّنظيم الذي يفتقدونه في منازلِهم.

معاشر القراء الكرام:
تعوَّدوا على أن تَقْضوا دقائق قليلةً في ترتيب الأشياء كلَّما انتهيتم من استخدام شيءٍ ما، إنَّها كفيلة بأنْ تبعث في أنفسكم الرِّضا عند استخدامها مرَّة أخرى، وهي تعكس لغيركم عنايتَكم بالتنظيم، فتكونون أيضًا دُعاة خير لذلك.

هذا المبدأ من مبادئ التنظيم مهم، وهو في نظري إن لم يكن في الشخص فغيره من باب أولى ألا يقوم به، إنَّه يعني أنَّ التغيير من دواخلنا إنْ أردنا فعلاً التغيير.

سوف تكونُ سعيدًا؛ لأنَّك قمتَ بنفسك بترتيب حياتك، سوف تصل إلى مرحلة الاعتِماد على النَّفْس قريبًا -إن شاء الله- ولن تنظر لغيرك ليقوم بإدارة حياتك؛ فالأمر يتوقَّف عليك بالفعل، أُريدك أن تصل إلى مرحلة: كلّ ما هو خاصٌّ بي فعليَّ أن أقوم به، لا تعتمِدْ كثيرًا على زوجةٍ أو ابنٍ أو صديق، بل اعتمد على نفسك، وتذكَّر أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَخْصِف نعله، ويَخِيط ثوبه؛ ليقول لي ولك: إنَّنا مسؤولون عن أمورنا الخاصة بنا.

قبل أن تغادروا مكاتبكم، أو غُرَفكم، استرجعوا النَّظر إليها؛ هل هناك شيءٌ ما يحتاج إلى أن يُرتَّب أو يُنظَّف؛ فنحن أولى مِن غيرنا بترتيب ما عبثنا به، علِّموا حتَّى الأبناء ألا يعتمدوا على الخدَم في ترتيب غرفهم؛ فكلُّ ابنٍ مسؤولٌ عن غرفته, وما دور الخدم إلاَّ إعانة الأم، لا الإعانة على الاتِّكال التي تقتل الاعتماد في حياتهم!

إنَّها همسةٌ لكم جميعًا:
قبل أن تَخْرجوا من أماكنكم، استرجعوا النظر؛ هل هناك شيءٌ ما يحتاج إلى ترتيب؟ هل نسيت شيئًا لآخذه؟ هل وضعت الشيء في مكانه؟ لأنَّنا وبتلك النَّظرة سنصنع مع أنفسنا صداقةً مع مرور الوقت، وخلال أسابيع قليلةٍ ستجدون أنَّكم تتعاملون مع أنفسكم بِلُطف, وستَعودون لأماكنكم، وستجدون كلَّ شيءٍ جاهزًا، وستَبدو على أنفسكم علامة الرِّضا التي حُرِمتموها أعوامًا طويلة!

أرجو أن نعي هذه القاعدة الذهبيَّة: (أنا المعنيُّ)؛ فهي بحقٍّ رأس المبادئ وأساسها التي لا يُستغنى عنها أبدًا، وإلى أن ألقاكم في مقالةٍ قادمة مع مبدأ جديد في حياتنا نحو التنظيم، وسنكون مع مبدأ (15 دقيقة فقط).

وحتى يتيسَّر ذلك، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


بندر بن عبدالله الثبيتي

 
المقال التالي
(2) قاعدة 15 دقيقة فقط