مبادئ التنظيم في حياتنا - (4) قسِّم الكبير إلى صغير

منذ 2015-10-16

إننا يا سادة حينما نقول ذلك وننادي: (قسِّم الكبير إلى صغير)، فإننا ننادي لراحة قلوبنا، فالكثير يشتكي من عدم إنجازه لمشاريعه، متذبذب تارة هنا وتارة هناك، وهناك الكثير الذين بدؤوا في مشاريعهم فلم يتم لها النجاح، لا يتصور البعض أنني أعني أرباب العمل والشركات، بل إن أي عمل تقوم به صغيرًا أو كبيرًا هو بحد ذاته مشروع، ولا أبالغ حينما أقول: هناك من المنظمين من يقسم الصغير إلى أصغر منه حتى يخرج عمله بإتقان وتنظيم لا مثيل له!

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.

أمَّا بعدُ:
إطلالة دائمة:
لَمَّا كانت الدعوةُ إلى الله أغْلى وظيفة وأثمنها، كان لزامًا أوَّلاً أن أهتفَ بكَلمات لِمَن جنَّدوا أنفسهم لخِدْمة هذا الدِّين في أيَّة مؤسَّسة دَعَوِيَّة؛ لأنَّهم هم الأَوْلى بمثْل هذه الكلمات، ومِن ثَمَّ ثانيًا فهي كلمات لكلِّ مسلم ومسلمة يستشعران قيمةَ التنظيم وأثرَه في حياتهما؛ عسى أن تُعينَنا على الإتقان المرجوِّ، والإبداع المنتظَر، فلا خيرَ في عملٍ -أيًّا كان- يَمضي صاحبُه مُتخبِّطًا لا يَدري كيف يُنظِّم نفسَه ووقْتَه وعملَه، ويعيش في دَوَّامة الضغوط والتوتُّرات الناشِئة من فقدان مبدأ النظام.

المبدأ الرابع (قسِّم الكبير إلى صغير):
لنفترض أنك قرَّرت اليوم تنظيم منزلك وترتيبه من جديد ماذا ستفعل؟ بحيث إنك قررت تغيير أماكن الغرف، أو تبديل بعض الأماكن وإحداث بعض التغييرات، كيف ستبدأ؟

إنَّ هذا مشروع مصغر قد يَمر عليك في حياتك ما هو أكبر منه.

وللأسف يُخطئ الكثير في أنهم يبدؤون دون تنظيم ولا يَجدون أنفسهم إلا وقد أعياهم التعب والملَل، وغالبًا لا يتم تنفيذُ ما خططوا له، فالمشكلة استهلاك الجهد وعدم المبالاة بالتخطيط والتنظيم.

لنفترض حلاًّ تنظيميًّا لما ذكرته، ونطبق قاعدتنا الذهبية في هذا المقال: (قسم الكبير إلى صغير)، على هذا سنجد أن الأمور تنكشف جزئيًّا، ويتضح لنا الكثير من المهام التي يمكن عملها وإنجازها في وقت وجيز، ويخلق فرصة للتفويض لمن حولنا.

فمثلاً: ترتيب البيت وتنظيمه هو الجزء الكبير، لكن هذا الجزء مقسم لأجزاء أقل منه، وهذا القليل أيضًا مجزأ ومصغر!

ليخرج لنا مثلاً: 6 غرف ومطبخ هي الجزء المصغر من البيت، هذا يعني أنه ظهر لي 6 مهام من الجزء الكبير، لكن لكل مهمة جزء تفصيلي وأكثر.

فمثلاً: غرفة المكتبة نقسمها لمهام مجزأة (ترتيب الأرفف - تنظيم أدوات المكتب - جمع الملفات الخاصة بمشروع ما - التخلُّص مما هو زائد وغير ضروري... إلخ)، ونطبق مثل هذه التقسيمات على بقية الغرف، سنصل في النهاية إلى إنجاز متناهٍ ودقة عالية، والأهم هو جهد أقل، وللتنبيه لا يعني أن يتم كل هذا المشروع في يوم، بل من الطبيعي أن يكون هناك وقت أطول لكل مهمة بحسب طبيعتها!

إننا يا سادة حينما نقول ذلك وننادي: (قسِّم الكبير إلى صغير)، فإننا ننادي لراحة قلوبنا، فالكثير يشتكي من عدم إنجازه لمشاريعه، متذبذب تارة هنا وتارة هناك، وهناك الكثير الذين بدؤوا في مشاريعهم فلم يتم لها النجاح، لا يتصور البعض أنني أعني أرباب العمل والشركات، بل إن أي عمل تقوم به صغيرًا أو كبيرًا هو بحد ذاته مشروع، ولا أبالغ حينما أقول: هناك من المنظمين من يقسم الصغير إلى أصغر منه حتى يخرج عمله بإتقان وتنظيم لا مثيل له!

عليك أيها القارئ وأيها المحب للتنظيم أن تشرعَ من الآن في تطبيق هذه القاعدة، فأي مهمة تقابلك قسمها إلى أجزاء صغيرة، ودائمًا اعمل على المهمة الأولى التي اخترتها ولا تتركها حتى تنتهي منها؛ بحيث ما تأتي الأخرى إلا وأنت متهيئ لها تمامًا، وهذا جزء من اتصال أعمالك، وحريٌّ أن يقضي على فوضى كثرة الأعمال، وقلة إنجازها.


فمثلاً: لديك بحث علمي لمادةٍ ما مطلوب خلال شهر وإلا اعتبرت راسبًا في هذه المادة، بناءً على هذه القاعدة قم بتقسيم هذا العمل، فالبحث هو الجزء الكبير ويُمكن تقسيمه إلى أجزاء (اختيار الموضوع - بحث الكتب المتخصصة وقراءتها - الجمع والترتيب - الصياغة - الكتابة المبدئيَّة - المراجعة - الطباعة النهائيَّة)، وهذه الأجزاء يوضع لها وقت مُعين؛ بحيث اختيارُ الموضوع لا يعطى أكثر من قراءة الكتُب المتخصصة وهكذا، واجعل موعدًا نهائيًّا لكل جزء، وسوف يتحقق المنشود بأقل جهد، وبالتأكيد سيخرج متكاملاً ودقيقًا.

قس على ذلك أمورك الأخرى، اجعل هذه القاعدة واقعًا من خلالها، وتذكر أن التنظيم يَجعلك تهتم بالتفاصيل، وحينما تسير في يومك كله دون مراعاة لهذه القاعدة هو إخلال بالتنظيم المنشود الذي نسعى لأن يكونَ صبغة يومية في حياتنا.

ختامًا: لعلك أيها القارئ الكريم عرفت المقصود، وتنبهت للمكتوب، راجيًا من الله القبول، وداعيًا أن نلتقي في مقالٍ قادم نتحدث فيه عن مبدأ جديدٍ من مبادئ التنظيم، ألا وهو (ضع المتشابه مع بعض)، فحتى ذلك الحين أستودعك الله العظيم الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

بندر بن عبدالله الثبيتي

المقال السابق
(3) قاعدة 80 /20