من ألطف المسائل في صوم عاشوراء !!
لاحَرج على فضل الله وكرَمِه، فأحسِنُوا الظنَّ بالله، وأقبِلُوا! فذُنوبُنا حقيرةٌ في كبير عَفْوِه، وسيئاتُنا ضئيلةٌ في عظيم فضلِه! وأمرُك بين كلّ هذا؛ دائرٌ بين مغفرةٍ للسيّئات، ورفعةٍ في الدّرجات.
من المعلوم من ديننا؛ أن صومَ يوم عَرفة؛ يُكفِّر ذُنوبَ سنتين؛ سنةٍ ماضية، وسنةٍ باقية. وصوم يوم عاشوراء؛ يُكفِّر ذنوبَ سنةٍ ماضية فقط، وهاهنـــا إشكالان:
- الأول: إذا كان صومُ يوم عَرفة؛ سيُكفر ذنوبَ سنةٍ قادمة، وعاشوراء يأتي بعد عرفة بتمام شهرٍ فقط، وهو أيضًا يغفر ذنوب سنة، لكنّها ماضية. فالظاهر حينئذٍ.. أن صومَ عاشوراء لا قِيمة له؛ لأن يومَ عَرفة كفيلٌ بمغفرة ذنوب هذه السَّنة التي سيُكفّرها صومُ عاشوراء!
- الثاني: إذا قلنا: إن صومَ عَرفة؛ يُكفِّر ذنوبَ سنتين، سنةٍ قبله إلى عَرفة السابق، وأخرى بعده إلى عَرفة القادم، هكذا سَنتان، وبينهما فقط؛ عاشوراء واحد، يُكفِّر هو الآخر ذنوبَ سَنة.
فكيف تُكفَّر ثلاثُ سنوات، مابين سنتين فقط؟
وقد أجاب ابنُ القيِّم رحمه الله، عن هذه الإشكالات، جوابًا شافيًا وافيًا في كتابه الطيّب "الوابِل الصيِّب"؛ أُلخِّصُه في نقاط:
أولًا : هاهنا قاعدتان مُهمَّتان، بهما تزولُ هذه الإشكالات، وغيرها!
- تفاضل الأعمال عند الله تعالى، بتفاضل ما في القلوب، من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها.
- تكفير العمل للسيئات، بحسب كماله ونقصانه.
وعلى هذا، فليس كلّ صيامٍ مقبولًا، ولا كلّ عاملٍ مرضيًّا؛ فلا تنشغل بصورة العمل، واجتهد في إتقانه وإتمامه.
ثانيًا: ويالله العجَب! فلَيتَ العبدَ إذا أتَى بهذه المُكفرات كلِّها؛ أن تُكفّر عنه سيئاتِه باجتماع بعضها إلى بعض؛ والتكفيرُ بهذه؛ مَشروطٌ بشروط، موقوفٌ على انتفاء الموانع كلِّها، فحينئذٍ يقع التكفير. وأما عملٌ شَملتْه الغفلةُ أو لأكثره، وفقَد الإخلاصَ الذي هو روحُه، ولم يُوفِّ حقَّه، ولم يَقْدره حقَّ قَدْره؛ فأيُّ شيءٍ يُكفِّر هذا؟ وعليه؛ فلا تغترّ بعظيم الأجر، فقد يعجز عن إزاحة جبال عصيانك!
ثالثًا: ومُحبطاتُ الأعمال ومُفسداتها؛ أكثر مِن أن تُحصَر، وليس الشأنُ في العمل، إنما الشأن في حِفظ العمل، مما يُفسدُه ويُحبطُه؛ وأكثرُ الناس؛ ما عندهم خبرٌ من السيئات، التي تُحبط الحسنات؛ فمعرفةُ ما يُفسد الأعمال، في حال وقوعِها، ويُبطلها ويُحبطها بعد وقوعها؛ مِن أهمِّ ما ينبغي أن يُفتِّش عليه العبدُ، ويحرصَ على عملِه، ويَحذَره. وعليه؛ فتحسَّس مُحبطات الأعمال، من رياءٍ وعُجب وسُمعَة وأخواتها؛ لِيُنظَر في عملك، وما بعد النظرات إلا الرحمات.
رابعًا: لو سلَّمنا بأن الله قد قبِلَ العملَ، وكُفِّرت ذنوبُ سنتين؛ فما فضَل عن التكفير؛ يَنال به العبدُ عُلوًّا في الدرَجات.
** وما أجمل ما قاله النّوويّ رحمه الله: "صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة ؛ وكل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يُكفّره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرةً ولا كبيرة؛ كُتبت به حسنات، ورُفعت له به درجات؛ وإن صادف كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغائر؛ رجونا أن تُخفّف من الكبائر" المجموع.
قلتُ:
ولاحَرج على فضل الله وكرَمِه، فأحسِنُوا الظنَّ بالله، وأقبِلُوا؛ فذُنوبُنا حقيرةٌ في كبير عَفْوِه، وسيئاتُنا ضئيلةٌ في عظيم فضلِه؛ وأمرُك بين كلّ هذا؛ دائرٌ بين مغفرةٍ للسيّئات، ورفعةٍ في الدّرجات.
وخُذها منّي غضَّةً طريَّة.. ألقاك بها عند ربّ البريّة: متى أخلصتَ في عملك، واستفرغتَ وُسعَك في تنظيف طُرق القبول؛ أدهشَك القليلُ من فيض الكريم .. فكيف بكثيره؟ بل كيف وقليلُه لا يُقال له قليلُ؟ فالأجور تشويقيّة؛ لكنّ ما عند الله؛ لم يَخطر على قلب بشر!
"وتحَار في تفهُّمه؛ عقول أهل الدنيا!".
أبو فهر المسلم
باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله
- التصنيف:
- المصدر: