قرار التقوى، والخطوات إليه

منذ 2015-10-27

القلب السليم الذي هو مدار التقوى عماده الأساس؛ نقاء العقيدة، والبعد عن الشبهات، والإيمان بصفات الله وأسمائه وأعمال القلوب التي أساسها الثقة بالله سبحانه واللجوء اليه.

أهم ما يبتدىء به أي ناصح حول التقوى هو باب العقيدة في الله، فهي أول ما ينبغي أن يتفقده المؤمن إذا أراد ولوج باب التقوى، فالقلب السليم الذي هو مدار التقوى عماده الأساس؛ نقاء العقيدة، والبعد عن الشبهات، والإيمان بصفات الله وأسمائه وأعمال القلوب التي أساسها الثقة بالله سبحانه واللجوء اليه.

ثم يهمني هنا أن أؤكد على خطوات أساسية في سبيل التقوى قد توفر على الإنسان وقتًا طويلًا وبحثًا مرهقًا، فالمرء إذا ذهبت به مدارات الحياة بعيدًا عن التقوى استشعر فقدانًا ما في قلبه، وتجويفًا فارغًا في صدره، لا يدري سببه ولا يفهم كيف يسده، فيبقى متقلبًا بين وجهات مختلفات، يبحث فيها عن شفاء لعلته فلا يجد.

ذلك المرء يحتاج أن يكون صادقًا مع نفسه، واضحًا بشأن حاله، وعليه أن يقرر بكل حزم، هل هو يحتاج إلى القرب من الله سبحانه والولوج في كنف التقى، أم أنه سعيد بحياته التافهة الهشة الفانية تلك التي يحياها باحثًا عما يشتهيه مكتفيًا بالقرب على استحياء من معاني الاستقامة؟

فإن قرر السعي النوراني المخلص قربًا من مرضات الله سبحانه، فليعلم أن لذلك تبعات ومسئوليات، أهمها تقديم محبات الله سبحانه ومرضاته على شأن الحياة وما فيها، والسعي بشكل تصاعدي نحو العبودية التامة لله رب العالمين، والتطهر من كل ذنب مضى والندم عليه، والعزم الأكيد على الإصلاح المستقبلي مستعينًا في ذلك بالإخلاص لله والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.

الدافع الذي يمكن أن يستعين به هذا الساعي نحو التقوى ليخرجه من حال الركون إلى الدنيا إلى حال السعي للجاد للعبودية؛ هو الإيمان باليوم الآخر، ووضعه نصب عينيه والعمل له والاستعداد للموت والرحيل عن الحياة في وقت ما، لا أقول هنا أن يدع دنياه وينطوي أو ينزوي عنها بالكلية، بل يأخذ منها ما يصلح آخرته، من إصلاح فيها وإيجابية نحوها ونحو الناس من حوله فيما يرضي الله سبحانه ويكون عونًا له في طريقه.

يأتي هنا دور المراجعة الذاتية للنفس ومحاسبتها والوقوف على مدى تقصيرها في جنب الله سبحانه، ومن ثم المسارعة إلى التوبة النصوح والاستغفار المتكاثر المتتابع الملح، حتى يستشعر من نفسه أنه وضع قدمه على باب الطهارة القلبية والنقاوة النفسية، عندها يلجأ إلى المناجاة بالدعاء والرجاء لربه الرحمن الرحيم سبحانه معترفًا صادقًا مخلصًا، يسأل ربه من كل خير ويستعيذ به من كل سوء، ويتوكل عليه في كل شأنه متبرئًا من حوله وقوته إلى حول الله سبحانه وقوته.

إنها خطوات غير منقطعة، بل متداخلة ومستمرة ودائمة ومتجددة، والمرء في كل خطوة يستطيع أن يرتقي في درجات تطبيقها أكثر فأكثر تبعًا لمدى إخلاصه وصدقه وجديته نحو هدفه، ولاشك أنه عبر سيره ستعترضه العوائق وتعتوره العلائق، لكنه عندئذ يستعين بربه لجوئًا ورجاءً ودعاءً أن ينصره على تلك العوائق ويقويه على تخطي العلائق، فإن هبط به مسار الإيجابية في طريق الاستقامة ساعة فلا ينزعج، بل يسارع بالتوبة والاستغفار ويحزم أمره ويعود إلى السبيل من جديد، فالإيمان يزيد وينقص، وللشيطان لمة وللملك لمة، فلينتهز لمة الملك ويستعيذ بالله من لمة الشيطان.

ذلك المؤمن الجاد سيجد قلبه بعدها يبتدىء بالاستشعار بلذة التقوى وأثر سريانها في عروقه، قال سبحانه :{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]، فيثبت على الخير الذي بلغه، ويسأل الله الزيادة، ويتعلم العلم الذي به يحافظ على صواب الأداء في العبودية، ويتخذ الخطوات التي بها يؤكد جديته في قرار التقوى، فالصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة، والأخلاق شعار الإيمان، وذكر الله أكبر. 

 

د. خالد رُوشه