كيف الحصول عليه؟

منذ 2009-07-31

نحنُ أمَّةٌ مجاهدةٌ، أمَّةٌ جادةٌ، أمَّةٌ مغلوبةٌ، وكانت غالبةً، أمَّةٌ في ذَيلِ القافلة، وما كان لِمَن هذا حالُه أن يلعبَ أو يَستكين، فاللَّعبُ ترويحٌ، ترويحٌ ليسَ إلاَّ.


كالجملِ أو كالجبلِ تلكَ الفكرةُ التي أحاولُ عرضَها في هذا المقال، أقفُ أمامَها بقلمي حائرةً: كيف أبسطها؟، وكيف أُجْمِلُها؟، وكيف أُقدِّمُها في ثوبٍ قشيب لتسرَّ الناظرينَ، فيرحِّبوا ويقبلوا، ومِن ثَمَّ يعملوا، فيكتبَ اللهُ الأجرَ ويرفعَ الذِّكْر؟

وجدتُ القَصَصَ أيسرَ الطُّرقِ وأسهلَها، وهي طريقةُ القرآنِ في عرْضِ المفاهيمِ والأفكار، وهي قصَّةٌ حقيقيَّةٌ من الواقعِ أتلوها عليكم، وفي طيَّاتها تلكَ المفاهيمُ التي عمدتُ إليها من كتابةِ المقالِ، والله المستعان.

كلُّنا يحبُّ الوَلَدَ؛ {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، وجُلُّنا يتألَّمُ لمصابِ أمَّتِه، وودَّ أن لو قدَّم شيئًا يُعيدُ به للأمَّةِ مَجْدَها، ويأخذُ بيدِ البشرية من ظَلامِ المعصيةِ البهيم إلى نُور الإيمان الوضيء.

بدأتِ القَّصةُ بيومِ (عقدِ النكاحِ)، كنتُ - كغيري - أنتظرُ ما تنتظرهُ عروسٌ من زوجِها، وسألتُهُ: مَنْ دَفعكَ؟، ما الذي جاءَ بك؟، أَسْتَنْفِرُهُ للثناءِ ومَعسولِ الكلماتِ التي يَطيب بها خاطرُ البَناتِ.

فقالَ: يَرغبونَ في الجمالِ، ويَرغبونَ في ذاتِ المالِ، ويَرغبونَ في الحَسيبةِ النَّسيبةِ، وجئتُ كما أوصاني الرسولُ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أبحثُ عن ذاتِ الدِّينِ، أرجو الذُّريَّةَ الصالحةَ المصلِحةَ، وبركةَ العيشِ، وحسنَ الخاتمةِ، والمُدْخلَ الحسنَ يومَ القِيامةِ مع النبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصالحينَ.

لفَتَ نظري إلى أنَّ الخُطوةَ الأولى في الحُصولِ على الذريَّةِ الصالحةِ المصلحةِ هي اختيارُ الزَّوجةِ، وكذا تختارُ المرأةُ الرَّجلَ المناسب.

وهذا حقيقيٌّ، فكما أنَّ الصِّفاتِ الخِلْقيَّةَ وراثيةٌ، فكذا الصِّفاتُ الخُلقيَّةُ وراثيةٌ هِيَ الأُخرى، فلا يخرجُ الشَّهمُ الكريمُ من النذلِ البخيلِ اللئيمِ إلاَّ نادرًا، وكلُّ العظماءِ - ومنهم الأنبياءُ - من بُيوتِ الفضلِ، والخروجُ عن هذه القاعدةِ استثناءٌ، لا يُقاسُ عليه، ولا يُلتفتُ إليه.

وراحَ زَوجي يُحسِّنُ إليَّ وإلى مَنْ أُحِبُّ بلسانهِ وبكلتا يديهِ، فما لا يدركهُ بيدهِ لا يَفوتُه بلسانهِ، لم يَتَكلَّم إليَّ يومًا بما أكره، ولم يُملِ عليّ شروطًا وتعليمات؛ بل كان يسمعُ ويُشجِّعُ، ويُجاريني على أفكاري، ثم يناقشُ بهدوءٍ، ويعطي لعاملِ الزَّمنِ فرصَتهُ، حتَّى تمكنتْ محبَّتُه من قلبي، وصِرتُ على هواه، أطلبُ رِضا الله برضاه، وبعدَها فهمتُ أشياء، فهمتُ أنَّ العملَ الخارجيَّ (السلوك) ثمرةٌ من ثمارِ المعرفة، وعملِ القلْب، أو ما في القُلوب خيرًا، أو شرًّا تترجمه الجوارحُ، أو الظاهرُ مرتبطٌ بالباطنِ، فمحل التغيُّرِ هو القلْب، هو المعرفة، نبدأُ من المعرفةِ ونصبرُ، ونتعهدُ من نُعَلِّمه بترغيبٍ وترهيبٍ، حتَّى تتحوَّلَ هذه المعرفةُ إلى عزيمةٍ في القلْب، ومن ثَمَّ تنضبطُ الجوارح، ونضبطُ الجوارحَ بكِتاب الله وسُنَّةِ رسولهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كما فهمها سلفُنا الصالِحُ - رضوانُ الله عليهم - لا بالعُرْف، ولا بعاداتِ وتقاليدِ الآخَرِين من الكافرينَ أو الفاسقين.

وهي قاعدةٌ في التعامُل معَ كلِّ الناسِ، مع الزَّوجِ، ومع الزَّوجة، ومع الأبناءِ، وهي وسيلةٌ مريحةٌ؛ نشرحُ ونبيِّنُ ما نريدُ، ونصبرُ حتَّى يفهمَ الآخرُ ويَمتثِلُ، لا داعيَ للأوامر التي لا تَقبلُ النِّقاش، بلْ لا داعيَ للأوامرِ من الأساسِ، إلاَّ حالَ الاضطرارِ - وهو استثناءٌ - ما أجملَ أن تسيرَ الأمورُ بهدوءٍ، نحترمُ العقولَ، ونخاطبُ القُلوبَ، فتقبلُ بحبٍّ وتسيرُ بعزمٍ، وهي طريقةُ القرآنُ.

فمَا جاءَ الأمرُ بتوحيدِ الأفعالِ (توحيد الألوهيَّة أو توحيد الإرادةِ والطلب) إلاَّ وتقدَّمَه توحيدُ الربوبيَّة والأسماءِ والصِّفاتِ كمقدِّمةٍ له، أو قلْ: توحيدُ الرُّبوبيَّةِ والأسماءِ والصِّفاتِ في القرآنِ مقدِّمةٌ لتوحيدِ الألوهيةِ، أو توحيدُ الألوهيَّةِ في القرآنِ يُطْلَبُ بموجبِ توحيدِ الرُّبوبية والأسماء والصِّفاتِ؛ قال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]، والمعنى مَن له الخَلق يكون له الأمر، وقال - تعالى -: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت: 9]، والمعنى: أنَّ مَنْ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ في يومَينِ يُوحَّدُ ولا يكفَرُ به، ولا يُتَّخذ من دونه أنداد.

ثُمَّ كانَ الحوارُ في التخصُّصاتِ، مالي وما لَهُ، فقال: خلقَ اللهُ كائنينِ بصفاتٍ جسديَّةٍ وخُلُقيةٍ وخِلْقيَّة متباينة، فليسَ الذَّكرُ كالأنثى، كلٌّ له دورٌ يؤيِّده بما استودعهُ الله من صفاتٍ نفسيَّة، والعلاقةُ بينهما عَلاقةُ تكامُل، لا علاقةُ تضاد، ولا بدَّ من هيمنةِ أحدِهما على البيتِ، وليسَ إلاَّ الرجلُ، فتلكَ طبيعتهُ وهذا شأنُه؛ قال اللهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وهذهِ هي الفِطرةُ التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها، وهو أمرُ الله نُسلِّمُ به ونَرتَضيهِ؛ {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، فكانَ هو خارجَ البيتِ، وكنتُ بداخلِ البَيتِ، نتشاورُ في أمرِنا، وإن اختلفْنا يسيرُ كلامُ الرَّجلُ؛ لأنَّه أقوى وأدرى، ولا تعتريه عواطفُ المرأةِ.

نعم، هناك استثناءاتٌ، ولكنَّها استثناءاتٌ، ولا يُقاسُ على الاستثناءات، بل ولا يُلتفتُ إليها.

ما قبلَ الإنجاب وحتَّى يَكبَرَ الأبناءُ فترةٌ لإعدادِ الزَّوجةِ لتربيةِ الأولاد، وقد أتقنتُ كتابَ الله حفظًا، وأُجِزْتُ في تلاوتهِ، وحفظتُ عددًا من المتونِ، والوسيلةُ هي الذَّهابُ للمختصِّينَ في هذا الشأنِ؛ أعني: مراكزَ التحفيظ والدَّوراتِ التربويَّةِ، وهي - ولله الحمدُ - كثيرةٌ ومنتشرةٌ هنا وهناك، أو استدعاؤهم للبيت عن طَريقِ الشَّريط، أو (الفيديو)، أو الهاتفِ إنْ تعذَّرَ الذَّهابَ إليهم، والشريطُ التربويُّ متوفرٌ في مواقعِ (الإنترنت) وفي المحلاَّت، فقط تسألُ المرأةُ، ويسألُ الزَّوجُ ويتعلَّمانِ ماذا ينبغي على كلِّ واحدٍ منهما تُجاهَ الآخرِ، وماذا ينبغي عليهما تُجاهَ أولادِهما؟

والأمر سهلٌ ميسورٌ ولله الحمدُ والمنَّةُ، وهذا الأمرُ في كلِّ شأن، فعندَ بَدء تَعلُّمِ الأولاد نسألُ عن طُرق تعليمِ الأطفال، ووسائلِ التَّعليمِ، فهذا يُسَهِّلُ كثيرًا.

رزقني الله بولدٍ وطفلتَينِ، وقد نفعني اللهُ بمدارستي لكتابه، وبما استمعتُ إليه، وما قرأتُ من دروسٍ في التربية، وأرجو مِن اللهِ تعالى أن يُتمَّ أطفالي حفظَ كتابه قبلَ دخول العامِ الدِّراسي الأوَّل، والبدايات مُبشِّرة - ولله الحمد - ثم إلى حِفظِ السُّنَّةِ، فالمتونِ العلميَّة، فالعملِ للدِّينِ، كلٌّ بما يحبُّ، كلٌّ فيما ينبغُ فيه من تخصُّص.

وعلَّكَ تسألُ: أين اللَّعبُ؟ وأين الأُنسُ؟ وأينَ..وأينَ..؟

نحنُ أمَّةٌ مجاهدةٌ، أمَّةٌ جادةٌ، أمَّةٌ مغلوبةٌ، وكانت غالبةً، أمَّةٌ في ذَيلِ القافلة، وما كان لِمَن هذا حالُه أن يلعبَ أو يَستكين، فاللَّعبُ ترويحٌ، ترويحٌ ليسَ إلاَّ.

هذا هو الطريق كما أراه للحُصولِ على صالحٍ مُصلحٍ ينفعُ اللهُ به أهلَهُ وأمَّتَه: اختيارُ الزَّوج، واختيارُ الزوجة، وإقامةُ عَلاقةٍ أساسُها الرَّحمةُ والتَّفاهُم، والتخصُّصُ في البيت كلٌّ له، وكلٌّ عليه، وعِلْمٌ يُنير الطريق.

أسألُ اللهَ العظيمَ أن ينفعَ ويَرْفع.

عزة عبد الرحيم سليمان
كاتبة ومتخصصة تربوية


المصدر: منقول