رحلة القطار [4] أنا من المهاجرين
ماذا كنت فاعلا لو أني صاحبت النبي ﷺ في زمانه، وعاهدت أحواله، وعاينت مصابه، وذقت ما ذاقه من أذى المشركين؟
في ذكرى هجرة الحبيب ﷺ منا من يطالع الأفلام والمسلسلات التي تتناول هذا الحدث العظيم من تاريخ الأمة على ما فيه من ضلال، ويظل أمامها ماصا للشفاه أو عاضا لأنامله أو ضاربا على كفيه متعجبا من صبر النبي ﷺ وصحابته على أذى الكافرين، ومنا من هداه الله إلى خطبة أو درس علم أو طالع سيرة النبي وصحابته، فتصيبه الحمية والحماسة، حتى إذ ما قام من مقامه وانشغل بأحواله تبلدت شدة حميته وانطفأت حدة حماسته وعاد إلى سابق عهده لم يبال بعام من عمره مضى فيه ما فيه، ولم يخطط لما هو آت وما هو عامل فيه.
قف أخي الحبيب وسل نفسك: ماذا كنت فاعلا لو أني صاحبت النبي ﷺ في زمانه، وعاهدت أحواله، وعاينت مصابه، وذقت ما ذاقه من أذى المشركين؟
انتظر! لا تتسرع في الإجابة ولا تأخذك الحماسة والحمية، فقد يلقى بك وسط الصحراء ويوضع على صدرك حجر ثقيل ومن تحتك رمال تجمرت من حرارة الشمس، أو تكوى بالنار، أو تجلد بالسياط، أو تربط أطرافك وتجذب حتى تنخلع أركانك وقد تتمزق أوصالك أو تحبس وراء القضبان مقيدا بالأغلال، أو يقاطعك الناس ويمنعونك الطعام والشراب أو تضطر إلى الفرار بنفسك وتترك دارك ومالك.
هل تصبر على هذا البلاء؟!
قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة من الآية:256].
أعلم أن هذا البلاء هو اختيارك، فيمكنك العيش في أمانهم والتمتع بحياتهم، ويمكنك أن تنال ملكهم وتصبح ثريهم، نعم هذا ما عرض على النبي ﷺ ومن بعده صحابته: [1]، ولكنهم هاجرو إلى الله ورسوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50]، وفروا إليه بدينهم، فآواهم الله ،فكانت الهجرة الأولى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة من الآية:256]، هجرة معتقد والثبات عليه والصبر على الكيد والاستهزاء والافتراء بالكذب ونشر الشائعات والسحل والتعذيب والسجن والحرق والموت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، فلما تحققت الهجرة الأولى في النفوس وتمكنت منها جاءت الهجرة الثانية هجرة دار الكفر: هجر الأهل والعشيرة، هجرة الأم والأب والأخت والأخ، هجرة الزوجة والولد، هجرة المال والديار والوطن، هان كل شيء في النفوس، وعظم شيء واحد: الله الواحد الصمد
هل أنا من المهاجرين؟ّ!
نعم يمكنك أن تلحق بركب المهاجرين قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: هاجروا ولا تهجّروا، قال أبو عبيد: يقول أخلصوا الهجرة للّه ولا تشبّهوا بالمهاجرين على غير صحّة منكم. فهذا هو التّهجّر، وهو كقولك فلان يتحلّم وليس بحليم، ويتشجّع أي أنّه يظهر ذلك وليس فيه[2]
قال الرّاغب: المهاجرة في الأصل: مصارمة الغير ومتاركته[3]، وأقول أن المهاجرة في الأصل: مصارمة الشيء على إطلاقه ومتاركته من قول أو فعل أو حال من دار ومال ... أو أي شيء يعصي الله فيه.
اهجر ما نهاك الله عنه تكن من المهاجرين إلى الله، دعك من ديار الفجار وألزم ديار الإبرار تكن من المهاجرين إلى الله، ابحث عن الحق أينما كان وتمرس خلفه فليس للحق مكان معين ولا فرد بعينه حينها فقط يمكن أن تقول بحق انأ من المهاجرين إلى الله.
__________________
(1) حسنه ابن حجر في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية برقم [4227])، والألباني في (السلسلة الصحيحة [1/ 194] رقم [92])، وورد بلفط : (الراوي: يعقوب بن عتبة بن المغيرة (المحدث: السلسلة الضعيفة [909]) خلاصة حكم المحدث: ضعيف.
(2) الموسوعة الشاملة (كتاب نضرة النعيم _الصفات المستحبة _ الهجرة).
(3) الموسوعة الشاملة (كتاب نضرة النعيم _الصفات المستحبة _ الهجرة).
محسن العزازي
كاتب إسلامي
- التصنيف: