حدث تاريخي في البالتوك

منذ 2009-08-14

فالسخرية جاءت رداً على سخرية أخرى أشد من النصارى في غرفهم، على أن سخرية المسلمين ليس فيها كذب ولا قول قبيح، فقط أوصاف وصفوا بها ما رأوا.


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

في برنامج المحادثة الشهير (البالتوك) مستوى رديء جداً من الطرح القبطي، مما حدى ببعض العقلاء أن يقول أنها حالة نفسية وليست أبداً حالة دعوية (تبشيرية)، استدعت هذه الحالة النقيضَ من المسلمين، أو من سار في مواجهتها على ذات الدرب، وإن كان أرقى في طرحه، وأعمق في علمه، وأصدق في قوله.

وبعد سبع سنوات من قيام البالتوك، وتراجع هذا الطرح الضعيف المنحط وانحساره، وفقدانه لجماهيره، وجدت الكنيسة المصرية أنها مضطرة لتعيين أحد أكبر قساوستها للدفاع عن كتابها (المقدس) الذي بات عارياً لا يجد من يدافع عنه، فعينت واحداً من يحملون أعلى الشهادات في الدفاع عن الكتاب (المقدس) في (البالتوك) وهو القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير، وجاء القمص يعلن أنه مندوب لأنبا شنودة على البالتوك، وجاء القمص يملئ الفضاء بهالة كبيرة من الكلام، فقد بدأ بالإعلان عن رتبته الكنسية (الكبيرة)، وعن درجته العلمية (العالية)، وعن جاهزيته الكبرى للمناظرة، ولم يصمد ساعة، فما لبث أن انزوى ورضي بالإهانة، والقوم ينادون عليه للمناظرة ـ التي جاء لأجلها ـ ولا يخرج!!

وبعد حين خرج. في توقيت حدده هو، وفي موضوعٍ حدده هو، وفي مكانٍ حدده هو، ومع شخص حدده هو، وأخذ من الوقت ما شاء هو.

وكانت المفاجأة أن القمص بدى منهكاً متردداً، ولم يغن عنه طول الوقت في المناظرة، ولم يغن عنه أنه في غرفته.. يدير المناظرة صبيانه، صرخ القمص صاحب الشهادات والتحديات عدة مرات من هول ما يرى، وأعلن أنه لا يناظر واحداً وإنما يناظر فريقاً من العلماء!!

إنه الحق في شخص الشيخ وسام عبد الله، رفع الله قدره وأعلى ذكره، وتقبل منا ومنه، وإنه الباطل لا يعلوا مهما كانت رتبة من يدافع عنه.

استمرت المناظرة خمس ساعات، وشاهدها عشرات الألوف من الناس في البالتوك وعبر البث المباشر، فضلا عن المواقع التي تناقلتها بعد، فيما يعيد ذكرى الشيخ أحمد ديدات ـ رحمه الله ـ ، وليس لنا أن ندع هذا الحدث الضخم عظيم الأثر ـ فيما أرى ـ أن يمر دون أن نعلق عليه محللين ومستنبطين.

في الحدث أمور مهمة:

ـ الباطل ضيعف منزوي، وإن دافع عنه أعلى رموزه، وقد تجلى هذا في هروب القمص بسيط أبو الخير من المناظرة سنوات، ثم حين جاء صرخ من الساعات الأولى، مع أنه اعترف بأن الطرف المسلم (الشيخ وسام عبد الله) صاحب خلق وأدب جم في مناظرته. وحين جاء وجد عصبة من الجادين يتصارعون إليه، كل يترفق به ليخرج لمناظرته، فراح يتعلل للتأجيل.

إنه الباطل مطلوب.. منزوي... وإن خرج لا يصمد.

وإننا أمام تطور ملحوظ في الجبهة الإسلامية، فقد ظهر من يقرأ العبرية، ومن يتقن اليونانية أكثر من أتباع النصرانية، وظهر من يتكلم في (النقد النصي) بمستوى هال كبار المختصين، إننا لسنا أمام متحمسين فقط، إننا أمام متخصصين متحمسين مقدمين غير متراجعين. إننا أمام عزيمة تكسر القيود وتزيل السدود دفاعاً عن دينها وشريعة ربها. فأهلا أهلا، وأهلا أهلا، ثم أهلا أهلا بهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم هدى.

ـ وفي الحدث أن الكنيسة ترقب البالتوك، وترعاه، وتعين عليه أحد أكبر قساوستها، فلا نسمع ـ ولا تسمع ـ بعد ذلك لمن يتكلم بأن أولئك الصغار الذين يتطاولون في البالتوك خارج سيطرة الكنيسة. ويتأكد ذلك من دفاع القمص عبد المسيح بسيط عن الكذاب زكريا بطرس فقط حين عرَّض به الدكتور منقذ السقار.

ـ وفي الحدث بدى واضحاً أن هدفَ القمص عبد المسيح بسيط الرئيس من المناظرة هو أن يوقف التهكم عليه من قبل المسلمين، طلب ذلك عدة مرات في المناظرة، يحسب أن المناظرة باب للمداهنة. يحسب أن مجرد المناظرة سيذهب عنه سخرية من سخر به من المسلمين. وقد حاد عن الصواب.

فالسخرية جاءت رداً على سخرية أخرى أشد من النصارى في غرفهم، على أن سخرية المسلمين ليس فيها كذب ولا قول قبيح، فقط أوصاف وصفوا بها ما رأوا.

وعلى القمص أن يعرف أن المسلمين لم يبدءوا أحداً بسوء، وأنهم فقط دافعوا، وأن عليه أن يقوم بجهد أكبر من أجل وقف سخرية المسلمين منه، عليه أن يأخذ على يد إخوانه الشتامين، أو على الأقل يعلن براءته منه ولا يدافع عنهم كما فعل ودافع عن بطرس الكذاب. وأن عليه أن ينتهي عن دعم المرتدين، المتكلمين بالباطل، كما نجلاء الإمام وأشباهها.

إن القمص في غاية السذاجة حين يظن أننا بلهاء، وأننا سنعانقه فقط حين نناظره.

إن القمص ساذج إن ظن أننا سنبقى في ساحة المناظرات ونتركه يتجول حيث يشاء.. يطبع الكتب التي تفتري الكذب ويضل بها الناس، ويتحدث في الفضائيات بما يشاء.

على القمص أن يتخذ إجراءات أكثر جدية حتى لا يفقد مصداقيته.

لا يسع متابع لهذه الجولة التاريخية من الصدام الفكري بين الحق والباطل إلا أن يشكر الشيخ وسام عبد الله على ما قدم، وأن يدع الله له بالتوفيق، والرفعة في الدنيا والآخرة.

بقلم عبد الحميد بدوي
باحث إسلامي متخصص في مقارنة الأديان
المصدر: طريق الإسلام