في الصراع السويدي الإسرائيلي العرب يمتنعون!!
منذ 2009-09-19
إنها تجارة رائجة وتحقق أرباحاً خيالية، فنحن نستورد الأعضاء من إسرائيل بسعر عشرة ألاف دولار، ونبيعها للمحتاجين في أمريكا بمائة وستين ألف دولار للعضو الواحد، وتجارتنا مستمرة منذ فترة طويلة.
بهذه الكلمات التي تقطر دماً سجل المجرم اليهودي "ليفي اسحق روسينيوم" إعترافاً بجريمته التي تكشفت خيوطها عن تنظيم صهيوني ممتد في عدة مدن أمريكية، تورط فيه العديد من رموز اليهود والحاخامات والسياسيين، وكانت فضيحة مدوية بكل المقاييس، ولكن التحقيقات الأمريكية لم تكشف الحقيقة كاملة في هذه الجريمة البشعة، هذه الحقيقة كانت تحتاج لقلم شجاع وبصيرة ناقدة لم يتوافر عند الصحافة الأمريكية المشهورة بانحيازها التام للجاني الإسرائيلي، هذا القلم كان للصحفي السويدي الشهير "دونالد بوستروم" الذي كشف في تحقيقه الشهير كيف قام الجنود الإسرائيليون بسرقة أعضاء بشرية من جثث 137 شاب فلسطيني، بعد قتلهم بلا أدنى جريرة، وقد تضمن التحقيق أسماء بعض هؤلاء الشبان الذين سرقت أعضاؤهم، وقد أحدث هذا التحقيق الصحفي أزمة دبلوماسية كبيرة بين السويد والكيان الصهيوني الذي تعمد إثارة ضجة كبيرة على المستوى الدولي، وهي المعركة المرشحة للتصاعد في الأيام القادمة، في ظل الإصرار السويدي بعدم الاعتذار أو الرضوح للضغوط الإسرائيلية التيبدت وكأنها نوع من تصفية الحسابات مع الجانب السويدي.
أسباب العداء الإسرائيلي للسويد:
الصراع الدبلوماسي المحتدم الآن بين دولة السويد والكيان الغاصب الإسرائيلي، ليس وليد هذا التحقيق الصحفي الذي كشف عن بشاعة ووحشية جنود الإحتلال الصهيوني، الذي كان يتغنى بأخلاقياته أبواق الدعاية الصهيونية المأجورة في أوروبا وأمريكا، فالصراع بين السويد وإسرائيل يعود لسنوات طويلة للوراء.
السويد التي تعتبر أكبر الدول الإسكندنافية من حيث المساحة وعدد السكان، كانت تعتبر في النصف الأول للقرن العشرين الميلادي الملاذ الأوروبي الأكثر آمناً لسفاحي وقادة الحركة الصهيونية، واليهود عموماً خاصة في أعقاب وصول النازيين لسدة الحكم في ألمانيا سنة 1933 ميلادية، حيث تدفقت أعداد كبيرة من يهود ألمانيا وأوروبا على السويد باعتبارها من دول الحياد أيام الحروب العالمية الأولى والثانية، وتمكن الدكتور ماركوس إيهرنبر وهو أحد أقطاب الحركة الصهيونية العالمية، والأمين المساعد لحاييم وازيرمان، وكان زعيم الجالية اليهودية في السويد، من إقناع القيادة السويدية بجعل مدينة استوكهولم ملاذاً آمناً لقادة الوكالة الصهيونيةالمسؤولة عن تهجير اليهود إلى فلسطين، وجعلها أيضاً نقطة مواصلات بين شرق أوروبا وغربها أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومع بداية عملية تبادل الأدوار بين اليهود اللاجئين والفلسطينيين المقيمين، بحيث أخذت الوكالة اليهودية في تهجير يهود أوروبا اللاجئين في الدول الأوروبية ومنها السويد لأرض فلسطين، في حين أجبر الفلسطينيون على ترك بلادهم، حل الفلسطينيون تدريجياً محل اليهود في عدة دول أوروبية، ومنها أيضا السويد، وأصبح للفلسطينيين تواجد لافت بالسويد، وبلغت عدادهم أربعين ألفاً، في حين تناقص عدد اليهود بالسويد بصورة كبيرة جداً، ونجح الفلسطينيون في السويد في تنظيم صفوفهم، والإستفادة من هامش الحرية الكبير الموجود في السويد، المعروفة بأنها واحدة من أكثر الدول حرية وانفتاحاً، ولا يكاد يوجد عندهم أي محاذير مسبقة أو قيود تعيق حركة الناس، وحققت القضية الفلسطينية بالسويد مكاسب عديدة جراء ذلك التنظيم، وكسبت أنصاراً داخل النسيج السويدي خاصة مع تزايد الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، والمشاهد المروعة التي حملتها وسائل الإعلام المرئية العالمية، والتي أثرت كثيراً على قرار واختيار الشعب السويدي الذي لا يطيق فيه رجل الشارع العادي أن تفرض عليه إملاءات من أي جهة أو نوع.
وعندما وقعت مذبحة جنين المروعة سنة 2002 ميلادية، كانت السويد من أكثرالدول الأوروبية إدانة لهذه المجزرة، وقامت وزيرة الخارجية "أنا ليندا" بقيادة حملة دبلوماسية قوية داخل الإتحاد الأوروبي، ووجهت نقداً غير مسبوق للتحالف الإسرائيلي الأمريكي، وقامت بنفسها بطبع عشرات آلاف من النسخ من كتاب يتحدث عن الدين الإسلامي، وأشرفت على توزيعها على الشعب السويدي، وجاء الرد الصهيوني على هذه الوزيرة الشجاعة بمنتهى الخسة، إذ قام أحد عملاء الموساد الإسرائيلي باغتيال الوزيرة في بداية سنة 2003 أثناء تسوقها في أحد متاجر استوكهولم.
بعد هذه الجريمة الخسيسة دخل الصراع السويدي الإسرائيلي بعدها حيز العلانية والمواجهة الدبلوماسية المتكررة والمعلنة، فيتم طرد السفير الإسرائيلي من أحد المعارض الفنية الكبيرة في العاصمة استوكهولم سنة 2004 بسبب إتلافه للوحة تعرض صورة إحدى الفدائيات الفلسطينيات وهي هنادي جرادات، وطالبت إسرائيل السويد بالإعتذار ولكن السويد رفضت، وفي سنة 2006 يتجدد النزاع بين السويد وإسرائيل، بسبب إنسحاب السويد من المناورات الجوية المشتركة لدول الإتحاد الأوروبي، لإشتراك طيارين إسرائيليين في المناورات، وفي نفس السنة يتجدد النزاع بسبب استقبال السويد لوفد حكومي فلسطيني بقيادة حماس، ورفضت السويد كل محاولات الإعتراض الإسرائيلي على مثل هذا الإستقبال، وعندما حولت السويد عقد مؤتمر دولي في أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006، لتقديم المساعدة وإعادة الإعمار السريع للبنان، أحبطت إسرائيل الخطط السويدية الرامية لعقد مثل هذا المؤتمر.
وفي النزاع الأخير كشفت أحدث استطلاعات الرأي أن غالبية الشعب السويدي يرفض تقديم أي إعتذار لإسرائيل من جراء التحقيق الصحفي، ويؤيد موقف حكومته الشجاع في مواجهة الغطرسة والصلف الصهيوني الذي يمارس الآن ضغوطاً كبيرة وإستباقية على الجانب السويدي، لمنع المخططات السويدية الرامية لحمل الاتحاد الأوروبي الذي تتولى السويد رئاسة دورته هذه المرة، من الضغط على إسرائيل لوقف عملية الاستيطان بالأراضي المحتلة.
السؤال المعتاد: أين العرب والمسلمون؟
في أتون هذا الصراع المحتدم بين السويد وإسرائيل لم نكد نسمع صوتاً واحداً من إحدى الدول العربية والإسلامية، تدين الجريمة أو تطالب بالتحقيق الدولي فيها، حتى من الفلسطينيين أصحاب الشأن الأساسي، الذين قتل أبناؤهم، وقطعت أعضاؤهم، أين صوت محمود عباس والذين معه من منتفعي أوسلو، ومسترزقي دايتون، ممن نهب ثروات الشعب الفلسطيني وأضاع قضيته، بل نقول بكل حسرة أين أصوات رجال حماس وكوادرهم الذين كان جل شغلهم في الأيام السابقة تبرير أحداث رفح، والفتنة التي قام سوقها بأرض غزة، والتي لا يعلم متى يتوقف نزيفها إلا الله عز وجل وحده، وأين أصوات المنظمات الإسلامية والهيئات الحكومية داخل البلاد العربية والإسلامية، لم نسمع أن أي جهة عربية أو إسلامية وقفت مثل الموقف الشجاع الذي وقفته وما زالت تقفه دولة السويد ، ولم نسمع أن دولة أو جهة أو هيئة تبنت موقفاً ولو رمزياً بخصوص هذه الجريمة الشنعاء، كأن الأمر لا يعنينا من قريب ولا بعيد، وهو ما كشف عن حالة الضعف والذلة والأنانية التي أصبحت عليها الدول العربية والإسلامية، بحيث لا تستطيع أن تقف مثل موقف السويد، وأمثال هذه المواقف المخزية والتجاهل العربي والإسلامي للجرائم الصهيونية هو الذي شجع وما زال يشجع الصهاينة علي مواصلة جرائمهم ومجازرهم بحق أبناء الأمة، وحقيقة لا أدري متى يستيقظ العرب والمسلمون، فالصهاينة قد سرقوا كل شيء، الأرض والعرض والمقدسات والحرمات، وحتى جثث الموتى قد سرقوها وباعوها، ولكن الحاضر يشهد بكل أسى ومرارة أن هذا الإستيقاظ لن يكون في المستقبل القريب أو البعيد.
كتبه/
شريف عبد العزيز
المصدر: مفكرة الإسلام
- التصنيف: