آخر شيخ للأزهر

منذ 2009-10-17

كان الشيخ جاد الحق - رحمه الله - يُحافظ على الدين، ويبذُل في ذلك وسعه؛ لذا وجدناه يُقاوم المؤامرات التي حِيكت في مؤتَمر الأسرة والسُّكَّان بالقاهرة في التسعينيَّات...


04/01/2009 ميلادي - 7/1/1430 هجري

يُعَدُّ الشيخُ "جاد الحق علي جاد الحق" آخِرَ شيخٍ للأزهر الذي نعرفه، الأزهر الذي أنْجب علماء عظامًا على مدار تاريخه، والذي تولَّى مشيختَه العديدُ من فطاحل العلماء، الذين جمع بينهم قاسم مشترك، وهو أنَّهم يحافظون على الدين من الإفْساد والتَّحريف، وأنَّهم لا يَخافون في الله لومةَ لائم، ولا بطْش سلطان غاشم، ولا يطْلُبون رضا أحدٍ غيْر الله تعالى.

كان الشيخ جاد الحق - رحمه الله - يُحافظ على الدين، ويبذُل في ذلك وسعه؛ لذا وجدناه يُقاوم المؤامرات التي حِيكت في مؤتَمر الأسرة والسُّكَّان بالقاهرة في التسعينيَّات؛ من أجل إقْرار موادَّ تُخالف الشَّرع؛ كزواج الشَّواذِّ، وغيرها، وقْتَها وقف الشَّيخ صامدًا رافضًا لهذا الفساد، مانعًا الدَّولة أن توافِق على ما أرادت الدول الغربيَّة، وبدا الأزهر قلعةً حصينةً ضدَّ موجات التغْريب والإفساد.

ثمَّ بدأ أذْناب الغرب يُحاولون استِصْدار قوانين تنفِّذ ما كان يُريده مؤتمر السكَّان؛ مثل تَجريم ختان الفتيات، والذي شرعه الإسلام صيانةً ومكْرمةً لهنَّ، وهنا وقف الشَّيخ وقفةً قويَّة بعد أن استصْدَر هؤلاء فتوى من المفتي وقْتها - شيخ الأزهر الحالي - بأنَّ ختان الفتيات ليس من الإسلام، فقام الشيْخُ - رحمه الله - وأصْدر كتيِّبًا وُزِّع مع مجلَّة الأزهر، يبيِّن فيه حكم الشَّرع من هذه القضيَّة، مفنِّدًا لدعوى المفتِي ومَن وراءَه.

في عهد الشيخ جاد الحقِّ، وجدنا الأزهر قلعة أبيَّة على التغْريب، بيْنما نجد الآن معاهد إنجليزيَّة في قلْب جامعة الأزهر؛ لتعليم الأئمَّة والخطباء مبادئَ الحضارة الغربيَّة، وتعليمهم الخطاب الديني المستنير!

في عهد الشيخ جاد الحق، لم يكن مسؤولٌ غربي معادٍ للإسلام يحلم - مجرَّد حُلم - أن يرضى شيخ الأزهر بِمقابلتِه؛ ما دام بلدُه على العداء للإسلام، بينما الآن نَجد يدَ شيخ الأزهر ممدودةً لجميع أعداء الإسلام من كل صنفٍ ولونٍ ومِلَّة - حتَّى السفَّاحين الصهاينة - مرحبةً بهم في أيِّ مكان، وكل مكان، في مكتبه بالأزْهر، أو في نيويورك!

كان الشيخ جاد الحق - رحمه الله - مدافعًا عن قضايا المسلمين، فكان من أوائل المسؤولين الذين أرْسلوا مبعوثًا للبوسنة والهرسك في التسعينيَّات؛ لمطالعة نكْبة المسلمين هناك على أرض الواقع، والنَّظر في كيفيَّة المساعدة، بيْنما شيخ الأزهر الحالي يدَّعي أنَّه لا يعرف أنَّ غزَّة محاصَرَة من اليهود!

كان شيخ الأزهر يقول ما يُرْضِي الله - تعالى - من الفتاوى - كما نحسبه، ولا نزكِّي على الله أحدًا - ولم يكن يُلَوِّن فتاواه بلوْن النِّظام الحاكم؛ لذا لم نسمعْ في عهده فتوى أنَّ القائمين بالعمليَّات الاستِشْهاديَّة منتحِرون، ولَم نَجد فتوى أنَّ ربا البنوك حلال حلال حلال؛ بل وجدْناه يقف صامدًا لمحاولة النظام تَحليل ربا البنوك، فأفتى ومعه ثُلَّة من خيرة علماء الأمَّة بتَحْريم فوائد البنوك؛ لأنَّها هي عيْن الرِّبا المحرَّم، فالشَّيخ - رحِمه الله - كان يعلم أنَّه واقف عن قريب بين يدَيْ ربٍّ عظيم، سيحاسبه على النَّقير والقِطْمير، فلم يؤثِر رضا أحدٍ على رضاه سبحانه، خاصَّة وهو يعلم أنَّ المفتي الذي يُرْضِي النَّاس بفتاواه هو المفتي الماجِن؛ كما يقول عِلْمُ أصول الفقْه، وهذا ينبغي على الحاكم منعُه من الإفْتاء، ولكن كيف إن كان المفتي هو مطيَّة السُّلْطان نفسه؟!

لم يستقبل الشيخ جاد الحقِّ وزيرَ داخليَّة فرنسا في مكتبه؛ ليُبيح له منْع الطَّالبات المسلِمات في مدارس فرنسا من ارتِداء الحجاب؛ حتى لا يُكتَب في ميزان أعمالِه أنَّه وافق على تَحريم فريضةٍ فرَضَها الله - عزَّ وجلَّ - وأنَّه وافق أعداءَ الله على إضاعةِ شعائر الدِّين وأحكامه!

شهد عصْر الشيخ جاد الحق - رحمه الله - توسُّعًا كبيرًا في بناء المعاهد الأزهريَّة؛ من أجل نشْر نور الإسلام وتعاليمه، بينما نرى حركة إقامة المعاهد الآن متوقِّفة؛ وذلِك لأنَّ شيْخَ الأزهر الآنَ قال في تصريح شهير: إنَّه آخِرُ شيْخٍ للأزهر، تمهيدًا لقيام الدَّولة بإلْغاء الأزهر جامعًا وجامعةً، دون أي رفْضٍ منه.

كان الشيخ جاد الحق - رحمه الله - يعلم مكانةَ العالم وعزَّته؛ لذا لم نرَهُ يقِفُ بباب أحد، ولا يستجْدي أحدًا، بل يرى مكانة المشْيخة التي يمثِّلها فوق مكانة أي مسؤول بالدَّولة؛ لأنَّه المدافع عن الدين، والقائم بأمْرِه، ومن أئمَّة أهل السنَّة الكبار، أمَّا الآن فنجد شيخ الأزهر يعتبر نفسه موظَّفًا لدى النظام، لا يتحرَّك إلا بتعليماته، ولا يأتَمِر إلا بأمره؛ لذا يَقْبَل بمدِّ الأيدي لليهود، ويجعل ذلك مرتبطًا بطاعة وليِّ الأمر - في رأيه - ويُعْلِن القطيعةَ مع إيران، ويجعلها أبديَّة؛ لا لفساد عقيدتِهم، وقيامِهم بتشْيِيع أهْلِ السُّنَّة، وسبِّهم للصَّحابة، وغير ذلك؛ بل لأنَّ النظام على خلاف مع إيران، وعلى وِفاق ومودَّة مع إسرائيل.

كان الشيخ - رحِمه الله - يوضِّح حكم الإسْلام في كلِّ قضيَّة؛ لذا لم نشْهد في عهده ما نشهَدُه من تفويض لأهْلِ كلِّ تخصُّص للفتوى في تخصُّصهم، فإذا سُئِل شيخُ الأزْهر عن حكم الشَّرع في الاستِنْساخ مثلاً قال: اسألوا الأطبَّاء، وإذا سُئل عن حكم ربا البنوك، قال: اسألوا رجال البنوك، وكأنَّهم هم أهل الشَّرع، أو كأنَّه أصبح يَخاف من أن يُصْدِر فتوى يُحاسَب عليْها من رجال النظام إذا لم تُرْضِهم!

كان الشيخ جاد الحق - رحمه الله - عفَّ اللسان، لم نسمعْ منْه أو نقرأ عنْه - رحمه الله - سبًّا لمُخالف له، أو تطاوُل على أحد خطَّأه، ولم نَجد في عهْدِه ما نَجده الآنَ من سبِّ شيخ الأزهر لكلِّ المنتقِدِين له واتِّهامهم بالجنون، أو وصْفه لعُلماء الأمَّة جميعًا الذين ردُّوا على فتواه بإباحة الربا بأنَّهم سمكريَّة لا يفقهون شيئًا.

إنَّ المسلمين جميعًا يترحَّمون على شيوخ الأزْهر العِظام كافَّة، وعلى آخِر شيْخ للأزهر الشَّريف، الشَّيخ جاد الحق علي جاد الحق، فهل تأتي لنا الأيَّام بشيخٍ جديد يستحقُّ اللَّقَب، نسأل الله تعالى ذلك.

المصدر: إسلام عبدالتواب - موقع الألوكة