لمّا ربنا يهدي
لما ربنا يهدي!!
بهذا الفهم وذلك التعليق على ذلك الفعل الإلهي؛ يسوف كثير من الناس أمر هدايتهم ويخدرون ضمائرهم ويسكتون أنفسهم اللوامة بتلك الحجة.
لما ربنا يهدي…
وماذا فعلت ليهديك؟
وهل أخذت بأسباب الهداية؟
هل سلكت سبلها؟
والأهم هل فهمت أصلا معانيها؟
هذه هي للأسف أهم الأسئلة التي قليلا ما يسأل المرء منا نفسه عنها!!
للهداية سبل وأسباب وطرق؛ ولها معانٍ وأقسام لابد أن تدركها لتستطيع التفريق بين ما هو بيد الله وحده وما هو كسبي للإنسان دور حاسم فيه.
لقد أُثبتت صفة هداية الغير للنبي ﷺ في موضع ونفيت عنه في موضع آخر؛ أُثبتت في قول الله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]؛ ونُفيت في سورة القصص في قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين} [القصص:56].
ولا يوجد تعارض بين الأمرين ببساطة لأن الهداية هدايتان!
هداية إرشاد وتوجيه ودلالة إلى الخير وصراط الله المستقيم وتلك هي المثبتة للنبي ﷺ وإخوانه الأنبياء ثم من سار على نهجهم وتلك التي رفضها أهل الباطل دومًا وقالوا: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن:6].
وهناك هداية أخرى وهي بمعنى شرح الصدر للحق والتوفيق للخير وقبول تلك الدلالات والإرشادات وهذا النوع هو ما لا يملكه مخلوق ولا يطلع على وجود استحقاقه في نفس المخلوق إلا الله الهادي سبحانه وتلك التي ينبغي للعبد أن يفتقر ويضرع لربه داعيًا أن يرزقه إياها.
المشكلة أن هذين النوعين يختلط أمرهما على كثير من الناس فيظن أن المسألة ليست كسبية مطلقا وأنه لا يوجد أدنى تكليف أو دور عليه وبالتالي يستريح ضميره ويرجيء الأمر ويسوفه متحججا بذلك التعميم والإطلاق لهداية التوفيق التي لا يملكها إلا الله.
والحقيقة أن ربنا لا يظلم أحدا ومعاذ الله أن يكون الأمر عشوائيا وإلا كان اتهاما ضمنيا لله بالهوى وحاشا وكلا
هناك أسباب وعوامل استحقاق ولقد وعد الله هذا المخلوق -الإنسان- في بداية الحياة على هذا الكوكب بأنه إذا اتبع هداية الدلالة والإرشاد التي ستأتيه فإن الله سيعطيه هداية التوفيق والسداد.
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[طه:123]
من اتبع الهدى الذي يرسله الله فلن يضل ولن يشقى.. واضحة حاسمة قاطعة.
في المقابل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ} [طه:124-126].
هو الذي نسي.
هو الذي أعرض عن الذكر.
هو الذي تغافل عن الآيات وتعامى عنها.
صحيح أنه لم يكن أعمى البصر لكن بصيرته كانت هي الضريرة باستحبابه العمى على الهدى؛ تماما كما فعلت ثمود: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[فصلت: 17]
هم الذين استحبوا العمى وكرهوا الهدى وأعرضوا عنه فحرموا من تمامه ولم يبصروا نوره؛ وكذلك فعل كل من أعرض ونسي وتغافل فلا يلومن إلا نفسه إن لم يهتدي وبدلا مو تخدير نفسه بمسكنات التسويف فليبحث عن السبب من بين أسباب حجب الهداية التي ذكرها الله في كتابه.
{وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52].
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل:104]
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر:3]
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28].
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258- آل عمران: 86 - التوبة: 19، 109- الصف: 7 -الجمعة: 5].
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108 - التوبة: 24 و80 - الصف: 5 - المنافقون: 9].
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264 - المائدة:67- التوبة: 37- النحل: 107].
كل هذا وغيره من البيان القرآني المتكرر والمفصل للأسباب والعوامل المانعة عن الهداية وتجدهم يتساءلون بسذاجة مصطنعة وتكلف متنطع: لماذا لا يهدينا الله؟! ثم يعلقون قرارهم وقبولهم بتلك الجملة المخدرة المريحة
جملة: لما ربنا يهدي…
- التصنيف: