في قضية المسجد الأقصى والنقاب... الَّلقَبُ ليس بحجة
منذ 2009-10-27
المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبتدأ معراجه إلى سدرة المنتهى حيث الملأ الأعلى، هذا المسجد أمانة الله إلينا ووديعته عندنا، أسلمنا أمر صيانته والذود عن حرمتنا فيه وحرمته إلى المستضعفين الذين لا يقوم بهم فرض الكفاية من الشباب المرابطين فيه وقد حاصرهم اليهود وقطعوا عنهم أسباب الحياة من ماء وطعام دون أن يبكي لهم الإمام ومجلسه، أو يرق لحالهم المأمومون، وبذلك صار حماية شرفه، والذود عن حياضه فرض عين على جميع المسلمين، على وفق ما أجمع عليه أهل العلم، من أن فرض الكفاية يصير فرض عين إذا تعيَّن أو لم يكن فيمن قام به قدرة على النهوض بحقه وكفاية، فهو فرض سيحاسب عنه كل مسلم بلغ سن لتكليف وحد الخطاب.
كيف لا وقد أحاط به القردة والخنازير وهو إن لم يكن في حسبان القوم من أشرف بيوت الله فهو بيت من بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، اسمه لا اسم غيره من رئيس، أو ملك ، أو زعيم ،فأسلمته القيادات النافذة وغير النافذة والحكومات الغاصبة وغير الغاصبة إلي كيد المجرمين بعد أن رسموا له الخرائط لتحقيق مكرهم ووضعوا السياسات لنصرة بغيهم، وأعدوا الخطط لصرف الأمة عن واجبها نحوه، وهو واجب كما قلنا لا تقبل معه الأعذار، ولا تشفع له التَعِلاَّت. ومن أسفٍ يقع في الشباك من كان أساسُ عمله الذي يتكسُّب به ويعيش عليه هو الكشف عن تلك المكايد، والتحذير منها، وإعلان الحرب عليها.
- لقد أُشغلت الأمة بمصر في أيام رمضان الماضي ولياليه بترويج الخنا، والاستطالة على معالم الشرع، حتى إن بعض قناتهم وإنهن جعلوا وجعلن من الفاحشة مع الصليبي من إحدى الساقطات الموسومة بأنها من المسلمات جعلوه زواجا، وأضافوا إليه من تلك الساقطة إقرارها على نفسها بارتكابها جريمة القتل مرتين على رؤوس الأشهاد، فلم نسمع لواحدٍ من الذين حملوا على شرف النقاب اليوم والحجاب بالأمس لذلك صريخا ولا نكيرا!!!
- حوصر المسجد الأزهر بعد المسجد الأقصى ومنع المصلون من الدخول إليه هنا وهناك يوم الجمعة فلم يصرخ على المنتهكين لحرمات الله ومساجده صارخ من المجلس الأعلى أو المجلس الأدنى، والله يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة: 114].
- خان المسؤول الأكبر المخلوع بفلسطين أمته، وظاهر الصليبيين والصهاينة على بني جلدته، وسعي لتعطيل قرار قد ينصف بالكلام فقط شعبه من دعاوى الصهاينة والمجرمين الذين شايعوهم بخسة ونذالة، فلم تنبس لواحد من أهل الفتوى والرأي لتلك الجريمة لافظة ببنت شفة، وهي جريمة والله سيسأل عنها عن قريبٍ من قَرُبَ ومن بَعُدَ من كل ذي شأن ومكانة.
ومن أسفٍ أن تبزغ للفتنة قرن آخر في تلك الآونة تجعل الأزهر الشريف في أنظار العامة والخاصة عليلا لا يجد من يُسعفه لمهامه الجديدة سوى مجلس الأزهر الأعلى الذي لا تعدو صلته بالأزهر الشريف صلة شارع الأزهر به، فلا ناقة له في حقيقة الأمر ولا جمل، جاءت قضية النقاب فيما نرى كحلقة من حلقات التشويش على البيت الحرام المقدس تصدر من الجامع الأزهر العليل يرسل بها إلى بيت الله الحرام الأسير بالقدس كي يفهم عنه أن لا ينتظر المسجد الأقصى من أخيه الأزهر الآن ما كان يجده منه من قبل، فإن المسجد الأزهر عليل مشغول بمعركة من معارك تحريره الشهيرة التي بدأها برعاية ومباركة وإلحاحات سيركوزية على الحجاب بفرنسا ثم أردفها بإعلان حربه على شرف النقاب بمصر، والمعركة منه مستمرة، والبقية تأتي.
إن النقاب ليس بوسع شيخ أو طالب علم أيأً كان قدره أن ينازع في مشروعية أمره منذ أن صار له في آي القرآن الكريم موطن وذكر يتلوه المسلمون ويقرأه غيرهم آناء الليل وأطراف النهار، وإن اختلف فقهاؤهم حول تحديد حقه بعد أن أيقنوا بدلالة أمره وأنه مشروع.
كيف يُنكر حقه وقدره وقد قال الله رب العالمين في أصل أمره { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: من الآية31]، وفيها يقول ابن مسعود رضي الله عنه إن ما ظهر منها هو الثياب، وأن المراد بضرب على الجيوب أن يجعلنها كالمُقَنَّعة - النقاب- التي تجلل ثيابها على ما كان يتعاطاه نساء العرب قبل الإسلام،" واختار هذا القول من التابعين: الحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي الذي كان علمه هو مصدر فقه الإمام أبي حنيفة ورأيه، وهو المعنى الذي اختارته فتاة الأزهر [هي واللي خلفوها، الذين وقفوا خلفها وآزروها على بيِّنة من أمرهم وأمرها]، ولم تُنكر على الآخرين الذين جاء حجابهم على ما اختاره ابن عباس في تفسيره للآية، وأن المراد أن ما ظهر منها هو الوجه والكفَّان.
[ولا نظن أن بوسع الشيخ هنا أن يقول لابن مسعود ومن تبعه مثل ما قاله للطالبة واللي خلفوها]، وإن كان أحد الذين خلفوا ابن مسعود لم يكونوا ممن بلغهم أمر الإسلام!!، أمه فقط هي التي كانت لها صحبة رضي الله عنها!!!
(يراجع في ذلك كتاب تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ ابن كثير 3/ 283ط دار إحياء التراث العربي. وتهذيب الكمال للمزي 16/ 121 مؤسسة الرسالة).
فكانت الفتاة بذلك أعلم من شيخها الذي جادلها بالباطل ليدحض به الحق، فأحرزت بذلك الفتاة لنفسها ولأهلها مجدا لن ينسى، وكيف ينسى وهي أول فتاة يخاصمها إمامها الأكبر فتُفلح عليه بالحجة في الدنيا وتضطره إلى ما كان منه وسُجِّل عليه، ذكَّرَنا هذا بما عُلِّمناه صغارا من دروس النحو قبل مسخه وإلغائه:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا من المجد غايتاها
وغدا إن شاء الله تُفلحين على كل خصومك في يوم نعوذ بالله من شرِّ ما فيه من خزي وهوان.
أخرج أحمد في المسند والبزار واللفظ له عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُجاء بالإمام الجائر يوم القيامة فيُخاصمه الرَّعيةُ فيُفلحوا عليه، فيُقالُ له سُدَّ رُكنا من أركان جهنم» .
إن مفهوم اللقب على ما اختاره فريق من علماء الأصول ليس بحجة، إذ ليس من لازم العراقي أن يكون عراقيا على الحقيقة، ولا من المدني أن يكون كذلك مدينيا ولا من الأكبر في الدنيا أن يكون كذلك في غيرها.
(يراجع في ذلك جمع الجوامع بشرح الجلال 1/ 252) .
لهذا فإننا نقول: إن ما صدر بحق النقاب والطالبة من الشيخ وغيره مع ما أَحتَفَّ به من ألفاظ غير لائقة لا بالمنصب ولا بالموضوع كان مرده فيما نظن إلى غير العلم الذي يُحاجج عليه، أو الفقه الذي يُحْتَجُّ به ،وإلا كنا من الظالمين الذين يحكمون في القضايا بغير هدى أو كتاب مبين. هو لا يعدو أن يكون ردَّ فعلٍ لنفس غضبت في غير الحق لغير الحق، وإن ظاهرتها قرارات إدارية لاحقة ظالمة، جاملت وعاندت.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن الحكم بالعدل واجب مطلقا، في كل زمان ومكان على كل أحد، ولكل احد، والحكم بما أنزل ألله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر، والأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يُلْزم الناس بقول عالم، ولا أمير، ولا شيخ، ولا ملك، ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك، ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر، وحكَّام المسلمين -يعني القضاة وأشباههم الين لا يرقى أعضاء المجلس الأعلى للأزهر أن يكون منهم - يحكمون في الأمور المُعينة، لا يحكمون في الأمور الكلية، وإذا حكموا في المُعيَّنات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله، فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه" (منهاج السنة النبوية 5/ 131) .
وعلى ذلك فإن ما فعله المجلس الأعلى للأزهر في تلك القضية هو أمر خارج عن مهامه الوظيفية فضلا عن أنه افتآت على مؤسسات الأزهر العلمية، ولو كشفوا عن أسماء أعضاء هذا المجلس ووظائفهم لوضح الأمر ولتبين وجه الصواب.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
صدر عن جبهة علماء الأزهر في:
عصر الجمعة العشرين من شوال 1430هـ الموافق 9من أكتوبر 2009م .
المصدر: موقع الجبهة
- التصنيف: